الوقاحة المهنية.. في ميدان التعليم
بقلم: يوسف عشي
لعل ما يثير
حفيظة كل عاقل، ويعكر صفو كل متأمل، خروج الأمور عن نصابها واختلاط الحابل بالنابل
وقلب الحقائق.. والحقيقة أن كل سلوك إنساني هو مؤطر بالقوة بالإلتزام الأخلاقي..
ولولا ذلك لما سمي ما أنتجه الإنسان على مر العصور أو نعت بـ"الحضارة".
ولما كان هناك أي فرق بين الإنسان وغيره من المخلوقات ذوات الدم.. والعصب..
والعظم..
إن حقيقة الانسان
تختزل برمتها في شقه الحضاري، ولا حضارة بدون مبادئ.. لكن.. لماذا نصر دائما
على هذه المقدمات النظرية التي قد لا تعدو لدى البعض سوى نوع من التعبير عن الترف
الفكري، أو محاولة صبغ الذات بالطلاء الفكري وادعاء المقاربة النقدية دون امتلاك مقوماتها..
كما قد تعنى لدى البعض الآخر نموذج للمقاربة المنهجية ذات الأبعاد البيداغوجية
الرامية إلى ترتيب الأمور وتنظيم الحبال الناظمة لها.. نقول ليس الأمر ترفا فكريا
، ولا ادعاءا معرفيا أو منهجيا وإنما نريد بكل بساطة تسمية الأمور بمسمياتها..
فبدون المسمى تضيع الصورة الذهنية وحتى الواقعية ويضيع بالتالي المعنى.
نتحدث في هذا
المقال عن الوقاحة المهنية.. ولدى الحديث عن الوقاحة فلا أقل من الاستحياء من
القارئ الكريم واحترام أولياته.. خصوصا ونحن بصدد قضية شديدة الصلة بالمبادئ
الأخلاقية التي تشكل إواليات أي مقاربة واقعية لوهم اعتقاد الإنسان
بالحضارة..
نتحدث دائما عن قواعد ومبادئ ونتحدث عن أصول وضوابط ، ولا يستقيم أي أمر بدون هذه الآليات الأخلاقية الإنسانية.. بل يتحول الحديث إلى نوع من السفسطة المغرضة.. ولهذا حينما نقول "وقاحة" فنحن لا نقصد الوصف بل إننا نرمي ما يتلو هذه الكلمة بحكم قيمة غاية في السلبية.. وحين نرفق الكلمة ب"المهنية" فنحن أيضا نتحدث عن ضوابط محددة تقيد كل من ينتمي لميدان أو حرفة أو صناعة أو أي شكل من أشكال العمل أو الشغل الإنساني.. فتكون المحصلة أننا نتحدث عن انحلال أخلاقي واندحار لقيمة الإنسان الذي يخرج عن الثوابت المهنية التي تؤطر عمله بصفة قهرية وسابقة.
نتحدث دائما عن قواعد ومبادئ ونتحدث عن أصول وضوابط ، ولا يستقيم أي أمر بدون هذه الآليات الأخلاقية الإنسانية.. بل يتحول الحديث إلى نوع من السفسطة المغرضة.. ولهذا حينما نقول "وقاحة" فنحن لا نقصد الوصف بل إننا نرمي ما يتلو هذه الكلمة بحكم قيمة غاية في السلبية.. وحين نرفق الكلمة ب"المهنية" فنحن أيضا نتحدث عن ضوابط محددة تقيد كل من ينتمي لميدان أو حرفة أو صناعة أو أي شكل من أشكال العمل أو الشغل الإنساني.. فتكون المحصلة أننا نتحدث عن انحلال أخلاقي واندحار لقيمة الإنسان الذي يخرج عن الثوابت المهنية التي تؤطر عمله بصفة قهرية وسابقة.
ومناسبة الحديث
عن هذه الثنائية البغيضة "وقاحة" و "لامهنية".. (إذ لا يستقيم
المعنى منطقيا حين جمعهما إلا بالسلب)، نقول مناسبة الحديث هو حينما نشهد سلوكات
لا أخلاقية حيث لا ينبغي لها التواجد، بل حيث يحرم عليها قطعا الظهور.. لأن ظهورها
يهدم صرحا ينبنى عليه أمل عظيم.. فمثلا حينما يخرج المنكر من بين يدي التقي..فإننا
لا نعذره.. نظرا لمسؤوليته الأخلاقية لما يعهد عليه من تقوى رغم أنه قد لا يلام
الفاسد حينما يصدر عنه سلوك سلبي ما.. ويسمى الفقهاء القانونيون هذا
ب"ظرف التشديد"..
وحينما يصدر
السلوك اللاتربوي - وهذا بيت القصيد – من ميدان التربية الأول فهذا يمثل حقيقة
"ظرف تشديد" فلو كان المرء قاضيا لحكم على مرتكبه بأشد العقوبات.. إذ
حينما تغيب المهنية ويتحول الدور المهني التوجيهي، والتأطيري إلى فضاء لتصفية
الحسابات أيا كانت خلفياتها إيديولجية أو عقدية أو إدارية أو مهنية حتى.. فإننا لا
يمكن أن نترك الأمر دون تمحيص وتدقيق ومحاسبة.. لأننا أيها الإخوة والأخوات، لا
نتحدث عن حالة أو حالات خاصة بقدر ما نتحدث عن مستقبل أمة..
ولعل الناظر لعدد
من الأمم التي حققت تقدما مبهرا في السنوات أو العقود الأخيرة من القرن السابق أو
حتى في العقد الأول من هذا القرن دول كماليزيا وسنغافورة وكوريا الجنوبية.. لينبهر
لقوتها التقنية والاقتصادية والحضارية عموما..، لكن ينبغي على هذا الناظر أن يعلم
أن ثمة خيط ناظم وقاسم مشترك بين هذه الدول شكل العصب الأساس في التغير الحضاري
والتقني والعلمي والاقتصادي الذي شهدته وتشهده.. فكل واحدة من هذه البلدان وجهت
لنفسها نفس السؤال الذي طالما صدع به أساتذتنا أذهاننا.. ذلك السؤال الذي زعموا
أمامنا ونحن صدقناهم بكل سذاجة، أن محمد عبده والأفغاني والكواكبي، وعندنا علال
الفاسي قد أجابوا عنه، السؤال الذي يقول " لماذا تأخرنا وتقدم غيرنا؟"
والحقيقة أن
الجواب الصحيح هو ما أجابت به النماذج المذكورة من الدول.. فهذه الدول لم تحشر
الإشكالات الهوياتية في الإجابة على هذا السؤال الذي يظل رغم هوله تقني محض.. لقد
أجابت هذه الدول عليه بكل بساطة وبشكل مباشر: لأنه ليس لدينا الإنسان القادر على
على تحقيق التقدم.. ولهذا وجب علينا بناؤه.. فكان الهدف الأول والإجراء الأول
المتخذ لدى هذه الدول هو إصلاح التعليم..
ويصادف أيها
السادة أننا اليوم في هذا المقال نتحدث عن "الوقاحة المهنية".. وفي أي
مهنة؟.. أو أي قطاع؟.. إنه التعليم.. فحين تتحول الأمور الإدارية إلى ما يشبه
إدارة مزرعة والتعامل بمنطق شغر المناصب.. وليس وضع من يلزم حيث يلزم.. وبالتالي
يتحول ساسة النيابات والأكاديميات إلى مجموعة من العباقرة في سد الثغرات.. بدل
إصلاحها ومحاربتها.. لنجد مثلا الأساتذة يكلفون بتدريس مواد لا علاقة لها إطلاقا
بمجال تخصصهم، أو حجرات دراسية يتم فيها التلقين لأكثر من مستوى دراسي أساسي في
الحجرة الواحدة.. وتلاميذ ينتقلون من مستوى إلى آخر أعلى دون حصولهم حتى على متوسط
المعدل وبداعي الخارطة المدرسية.. حينما يتم ابتزاز المدرس بموقع المؤسسة.. كأن
يقبل بتدريس ما لم يكوّن فيه مقابل تعينه بمركز حضري أو بالقرب منه. وإما يرمى به
في الفيافي كنوع من العقاب.. والطامة الكبرى حينما يتحول التوجيه التربوي
والتأطير التربوي والتفتيش التربوي إلى عمليات فاقدة لمعناها ويتم لوي عنق المدرس واستخراج
الأخطاء المهنية استخراجًا.. ولوي عنق المذكرات الوزارية لويًا، لتتحول إلى أداة
عصر من الطراز الرفيع، حينما يرفض المدرس نظرية الشيخ والمريد (مع احترامنا
لطارحها وتقديرنا للمتن العلمي الأنثروبولوجي الذي تتضمنه).. وحينما نجد الموظف
المكلف بالتفتيش التربوي يحول عمله إلى أداة.. والويل كل الويل لمن يخالف العقيدة
أو المنطلقات الإيديولوجية لرئيسه المباشر بيداغوجيا كي لا نقول تربويا.
إن ازدراء هذا
الميدان الحساس والعامل الرئيس في نهضة الأمم لن يدفع بنا إلا إلى جني التقهقر
أكثر وأكثر والتخلف عن الركب الحضاري.. وهذا الازدراء يأتي أولا بغض
الطرف عن المشكل الحقيقي الأول الذي يعاني منه الجسد التعليمي بهذا البلد السعيد..
والمتمثل بمحدودية أو لنقل انتهاء صلاحية البرامج المعتمدة حاليا وثانيا غياب
لرؤية واضحة، وربما لرغبة حقيقية في إصلاح هذا القطاع الحساس. وثالثا تخلف
السياسات التدبيرية وتحوير وتحويل الحقائق باستدعاء مفاهيم لا غاية من وجودها سوى
ذر الرماد في العيون.. مفاهيم ك "الهدر المدرسسي" والخريطة
المدرسية" و"زمن التعلمات" و غيرها كثير.. مما يصدق عليه في أفضل
الأحوال قول الإمام علي كرم الله وجهه " كلمة حق يراد بها باطل".. حتى
يستأسد الفاشل، وغير المؤهل ويحول موقعه المهني من التأطير والتوجيه مثلا إلى
التسلط، وسلخ المرؤوس وتصفية الحسابات..
الحق الحق يقال.. كما هو رائج في الثقافة الشعبية
" ذاك الغصين.. من تلك الشجيرة" فلو كان منطق الحزم والمتابعة في
المحاسبة لما تجرأ محاسب بكسر السين على التجبر على المحاسب بنصب السين لا صاحبها.
ولما وجد كاتب بئيس مثلي إطلاقا المجال للحديث عن الوقاحة
.."الوقاحة المهنية".. فعذرا.. عذرا لتعكير صفو نفوسكم تجاه هذا القطاع
الحساس والركن الأساس.. لكننا نرى أنه من الواجب علينا طرح مثل هذه القضايا للنقاش..
ولتكن قاعدتنا كما نقول دائما: " لانتهم أحدا.. لكن نحاسب الجميع.."
تنويه: تماشيا مع مبادئ المجلة المرجو التعليق باللغة العربية