"أنا
و المنهج"
بقلم التلميذ: نوفل حنين
لعل
هذا العنوان يبدو مضحكا عند قراءته للمرة الأولى، خاصة و أن المنهج ليس من جنس
الأنا. و كما هو متعارف عليه، فربط شيئين يستلزم كونهما من جنس واحد ك"
الثعلب و الغراب"، "الأرنب و السلحفاة"...
لكن
بتفحص و تمعن هذا العنوان يمكن استنتاج أن هناك علاقة وطيدة بيني – أنا – و بين
المنهج. هذه العلاقة هي التي دفعتني إلى كتابة هذا الموضوع. فقد طلب منا في أحد الفروض
المنزلية تحديد خصائص المنهج الفلسفي في التفكر. "إنه موضوع معقد"، هكذا
كان قولي في البداية. فالفلسفة في حد ذاتها موضوع يخيف و يثير الرعب و خاصة إذا
أضفنا إليها مفهومي "المنهج" و "التفكر". هنا تشتت تفكيري و
تبعثر. فما كان لي إلا التوجه إلى الأنترنت، فهي الوسيلة الوحيدة لجمع هذا الكم
الهائل من المعلومات في أقل وقت. فوجدت نفسي أسبح في بحر من المعلومات لا ساحل له،
لا أعرف من أين أبدأ، أو ماذا أفعل... فالمواضيع لا تعد و لا تحصى و لكن تنقصها
الجودة. "من صفحة لأخرى" هكذا كان عنوان ليلة بيضاء أمضيتها جالسا أمام
حاسوبي لكن دون جدوى. فما كان مني إلا إغلاق كل الصفحات و التوجه للنوم لعلي أحلم
بفيلسوف يجيبني عن كل هذه الأسئلة التي تتبادر إلى ذهني. لكن لا شيء من هذا حصل
فقد كانت ليلتي مليئة بالكوابيس: هي مخلفات لقلة النوم.
في
اليوم الموالي و خلال حصة الفلسفة و التي تمحورت حول موضوع "الحقيقة" و
كيفية الوصول إليها، حاولت جاهدا لربط موضوع الحقيقة بالمنهج الفلسفي الذي هو
موضوع بحثي. فاستخلصت ما يلي: " المنهج هو مجموعة من الإجراءات و الخطوات
المنظمة المتبعة قصد الوصول إلى الحقيقة". و جعلت هذا الاستنتاج منطلق بحثي و
الحقيقة هدفي و غايتي، و ما أن عدت إلى بيتي حتى بدأت مجموعة من الأسئلة تتبادر
إلى ذهني: من هو الفيلسوف؟ أهو شخص خارق للعادة؟ أولد الفيلسوف فيلسوفا؟ أفعل
التفلسف فطري؟ لم لا أكون فيلسوفا؟
أنا
الآن أبحث و أفكر لأصل إلى الحقيقة. لكن، كيف سأصل إليها؟ عبر مراحل. إذن أنا أتبع
منهجا فلسفيا. فقررت أن أدون كل فعل أقوم به في ذلك اليوم، و في إطار بحثي، لأجعله
خطوة من خطوات البحث عن الحقيقة أو بالأحرى خطوة من خطوات المنهج الفلسفي.
إن
التعدد و التنوع و الغنى الذي يحظى به هذا الموضوع جعلني أقف عند كل فكرة على حدة،
أقبل إحداها و أناقش الأخرى، أسلم بواحدة و أرفض الأخرى، أفترض صحة فكرة ما ثم
أثبتها فيما بعد، فتذكرت حديث الأستاذ عن ديكارت و عن منهجه القائم على الشك، و
كيف أنه شك في كل شيء، فوجدت نفسي أمارس هذا الشك. لكن لماذا أمارس هذا الشك؟
بالطبع لتأكيد صحة فكرة ما و أجعلها ترتقي إلى درجة الحقيقة. إذن الشك النسبي خطوة
من خطوات المنهج الفلسفي فهو يمثل وسيلة للوصول إلى اليقين لذلك يقتضي عدم التسليم
بصحة فكرة معينة إلا بعد التأكد من كونها صحيحة.
و
هذه كانت بداية قصتي مع المنهج الفلسفي، و ما جعلها تطول هو فضولي و تطلعي إلى
الأفضل. مما دفعني إلى كثرة السؤال فطلبت مساعدة أساتذة لتوضيح الموضوع بشكل أفضل.
إن كثرة الأسئلة هذه هي السبيل للوصول إلى الحقيقة، لذلك اخترت أن تكون خطوة ثانية
من خطوات المنهج الفلسفي. فممارس هذا المنهج ليس له من السؤال مفر، يبحث، يسأل،
يتطلع دائما إلى الأفضل، فسؤاله هو سر نجاحه. و الفيلسوف الحق، كما يقال:" هو
من يبتدئ بسؤال و ينتهي إلى علامة استفهام، و بين هذا و تلك يقترح الحلول و
الأجوبة الممكنة و يبررها و ينتقد غيرها و
يعلل ذلك بطرق مبرهن عليه".
و
بعد يوم شاق، قررت أن أستريح لبضع دقائق قبل أن أتم عملي. فشغلت التلفاز، فإذا بي
أجد إحدى مباريات كرة القدم. كانت النتيجة آنذاك 2-0 لكن بعد وقت الاستراحة انقلبت
المباراة رأسا على عقب، فالفريق الذي كان
منهزما أصبح منتصرا بنتيجة 3-2 ، هذا الحدث جعلني أتساءل عن سر ما حدث في وقت
الاستراحة و هو ما أوضحه المعلق على المباراة بقوله: " إن هذا التحسن هو ثمرة
لعمل و مجهود المدرب، فالفريق في البداية طغت عليه العشوائية، لكن بتعليمات المدرب
أصبح منظما"، هنا تذكرت أفكاري المبعثرة و كيف يمكنني أن أنظمها، فحاولت أن
أجعلها على شكل حلقة أو سلسلة مترابطة تماما كما فعل اللاعبون بالكرة، أبتدئها من
السهل إلى الصعب، و من البسيط إلى المركب، محاكيا إحدى هجمات الفريق المنتصر، و
التي ابتدأت بتمريرات ثم انتقلت لمراوغات ثم أتى الهدف بعد ذلك. و أخيرا وضعت
خلاصات فحصلت على على حجاج عقلي مقبول و مقنع.
هذا
التنطيم أو الترتيب المنهجي هو ما يسمى ب"النسقية" أو "الصرامة
المنطقية". فالمنهج الفلسفي يستوجب التدرج في عرض الأفكار على شكل سلسلة تتسم
بالتناسق و التنظيم.
و
ها أنا الآن تجاوزت اندهاشي من هذا الموضوع، و استطعت أن أحرره بطريقتي الخاصة
معتمدا على العقل، فهو السبيل الوحيد لإدراك الحقائق و هو أساس المنهج الفلسفي و
محوره، و إذا عدنا إلى مفهوم التفكر نجد أنه تلك العمليات العقلية التي يقوم بها
الإنسان لحل مشكلة ما أو الوصول إلى الحقيقة. فالتفكر أو التفكير مرادف للعقل. إذن
فالتفكير الفلسفي يقتضي بالضرورة عملا عقليا.
كانت هذه هي قصتي مع المنهج الفلسفي، قصة مليئة
بالأحداث، كل حدث يمثل خطوة من خطوات المنهج و خاصية من خصائصه. و خلصت إلى أن
توظيف المنهج الفلسفي و العمل به لا يقتصر على الفلاسفة فقط فاتباعه كان و ما زال
يمثل ضرورة في ظل تجاور ثنائيات الصدق و الكذب، الخير و الشر، و للفصل بين هذا و
ذاك يجب اتباع منهج يجعل من العقل منطلقا و غاية.
تنويه: تماشيا مع مبادئ المجلة المرجو التعليق باللغة العربية