احتفال بنكهة نون النسوة

                                                      احتفال بنكهة نون النسوة
بقلم: عبد الفتاح جنيني
في كل سنة من ثامن مارس يحتفل العالم بالمرأة، تذكيرا بأدوارها الإنسانية وتعزيزا لقضيتها عبر أبعادها المتعددة سواء السياسية أو الاجتماعية أو الثقافية، إنه احتفال يمتد بجدوره إلى القرن التاسع عشر، حيث في سنة 1856 خرج آلاف النساء للاحتجاج في شوارع مدينة نيويورك على الظروف اللاإنسانية التي كن يجبرن على العمل وفقها، ورغم أن الشرطة تدخلت بطريقة وحشية لتفريق المتظاهرات إلا أن المسيرة نجحت في إثارة الاهتمام  إلى  مشكلة المرأة وما تعانيه من ظلم داخل المجتمع،  وفي 8 مارس 1908م عادت الآلاف من عاملات النسيج للتظاهر من جديد في شوارع مدينة نيويورك، لكنهن حملن هذه المرة قطعا من الخبز اليابس وباقات من الورود في خطوة رمزية لها دلالتها واخترن لحركتهن الاحتجاجية تلك شعار "خبز وورود". حيث طالبت المسيرة هذه المرة بتخفيض ساعات العمل ووقف تشغيل الأطفال ومنح النساء حق الاقتراع. والآن بعد مضي قرنين عن ميلاد الحركة النسائية، وبعد انخراط نساء المغرب بدورهن في هذه الحركية النضالية، وتعددت الجمعيات النسائية، أصبح من الضروري أن تسائل هذه الحركات النسائية نفسها وأن تجدد قيمها بما يسمح لها بمواكبة حركية المجتمع والانسجام مع مبادئ الحق والعدالة التي قامت أصلا عليها، سواء في تناغم مع مبادئ الدستور أو في إطار كونية المطالب بما ينسجم مع مبادئ حقوق الإنسان. لكن المتتبع للحركة النسائية بالمغرب لابد أن تستوقفه ملاحظتان أساسيتان، الأولى لها صلة بالكم، حيث يلاحظ تعدد الجمعيات وتركزها بمدينة الرباط و الدار البيضاء، أما الثانية فهي سيطرة ما هو ايديولوجي على عملها مما يجعل الكفة تميل لحساب السياسي على حساب الثقافي و الاجتماعي، صحيح أنه من الصعب تخليص أي عمل جمعوي من طابعه الإيديولوجي، لكن عندما تصبح الإيديولوجيا آلية للتشويه والتزييف وقلب الحقائق، تفقد بعض هذه الجمعيات مصداقيتها، فيصبح ظاهرها هو حماية حقوق المرأة والدفاع عن مكاسبها، وباطنها وسيلة للابتزاز السياسي وتسلق المناصب السياسية والتكسب الذاتي، فتصبح قضية المرأة عرضة للمتاجرة أو ضحية لتبخيس المطالب، فينشغل المجتمع بسفاسف الأمور التي يجد فيها الإعلام المريض مطيته ومادته الخصبة. إن الجمعيات النسائية بما تشكله من أهمية وبما تلعبه من أدوار تعزز حيوية المجتمع المدني، فإنها اليوم مطالبة أن تركز على القضايا الحقيقية عبر الالتفات إلى واقع النساء في المعامل والحقول والشارع، وأن تنصت إلى نبضهم عبر سياسة للقرب، وأن تدرك أن المطالبة بالمناصفة لا تعني أن يخصص للنساء نفس المقاعد الحكومية أو البرلمانية أو غيرها من مجالات العمل، فالمناصفة كما أفهمها مشتقة من الإنصاف بما هي روح للعدالة، فالإنصاف يقتضي أن لا تعامل المرأة بما يهين كرامتها وأن لا تعاني من التمييز الجنسي، لكن ذلك لا يعني  المساواة المطلقة بين الجنسين، بقدر ما يعني عدم وضع العراقيل أمامها بما يحد من قدرتها على الابداع والفعالية، فالتمييز يجد مبرره فقط فيما هو بيولوجي، أما عندما يتعلق الأمر بالكفاءة والجهد فإن التمييز يصبح هنا ظلما في حق المرأة. هذا الظلم الذي تشير إليه الأمم المتحدة عبر أرقام جد مهولة حيث ترتكب 50 في المائة من حالات الاعتداء الجنسي في حق فتيات تحت سن السادسة عشر، و تعيش 603 مليون امرأة في العالم في بلدان لا تعتبر العنف المنزلي جريمة، وتفيد نسبة تصل إلى 70 في المائة من النساء في العالم إلى تعرضهن لعنف جسدي أو جنسي في فترة ما من حياتهن. كما  تزوج 60 مليون من الفتيات الصغيرات في العالم قبل بلوغهن سن الثامنة عشر. ‏بطبيعة الحال المغرب لا يخرج عن السياق فرغم عدم وجود إحصائيات دقيقة، فإن الأمر لا يحتاج إلى كثير من النباهة لنقول إنه وضع - حتى بالنسبة لأكبر المتفائلين - غير مطمئن ويثير الكثير من القلق. لكن ما يزيد هذا القلق حدة هو عندما يصبح هذا العنف مقبولا ثقافيا ويتم بموافقة وتواطؤ من يمارس عليه، من هنا تصبح الحاجة ملحة لتغيير العقليات لأن القوانين وحدها لا تفي بالغرض دائما رغم أهميتها، فالمغرب لا يعاني من نقص في التشريعات، لكن عندما تبقى هذه التشريعات دون فاعلية يصبح الأمر اشبه بمقبرة للقوانين. لكن التحول الثقافي دائما يكون بطيئا وتعترضه مقاومة من طرف من يتشبثون بالتقليد ويجدون فيه ملاذهم الآمن، ولأن التغيير الحقيقي يتحدد مدخله  فيما هو ثقافي، فإن الاهتمام بقضية المرأة لن يتأتي إلا عبر منظومة متكاملة يتكامل فيها ما هو تربوي وتعليمي بما هو إعلامي و سياسي و اجتماعي وتنموي ... لأنه  وبنوع من الخلاصة  وكما تقول سيمون دو بوفوار: إننا لا نولد نساء وإنما نصبح كذلك ... وكل عام والمرأة بألف خير وتحية تقدير لكل المناضلات الحقيقيات أينما وجدن.



تنويه: تماشيا مع مبادئ المجلة المرجو التعليق باللغة العربية

فيلوبريس على الفيسبوك

المواضيع الأكثر قراءة

فيديوهات فيلوبريس