محمد سبيلا ..و علاقة الأخلاق بالسياسة..

محمد سبيلا ..و علاقة الأخلاق بالسياسة..
تقرير بقلم: عبد الفتاح بنعبد الله

كان لنا  عظيم الشرف أن نحل ضيوفا على المفكر، الفيلسوف د. محمد سبيلا بالأكاديمية الجهوية للتربية والتعليم بالجديدة، حيث  استضافه كل من اتحاد كتاب المغرب و مؤسسة عبد الواحد القادري ليتناول بكل رزانة فكرية وعقلانية – بعيدا كل البعد عن أي شكل من أشكال الديماغوجية .. أو التحليل السطحي المسطح- إشكالية علاقة الأخلاق بالسياسة.    
قبل أن أشاطركم عصارة ما تفضل به السي محمد سبيلا في تشريحه الدقيق للعلاقة الجدلية بين السياسة و الاخلاق، لا بد من التقدم بالشكر والامتنان لاتحاد كتاب المغرب، فرع الجديدة في شخص كل من د. عبد المجيد نوسي، ود. الحبيب الدايم ربي، كما أن الشكر موصول إلى مؤسسة عبد الواحد القادري على استضافة مفكر من عيار وازن متزن.. الدكتور محمد سبيلا بحضور ثلة من المبدعين و الأساتذة والطلبة والإعلاميين المحليين.
افتتح د. عبد المجيد نوسي الذي أدار اللقاء المتميز، مرحبا بالحضور وعلى رأسهم الفيلسوف محمد سبيلا، مبرزا جانبا مقتضبا من المفاهيم التي اشتغل عليها، مؤخرا، هذا الأخير، كالحداثة وما بعد الحداثة، العقل، العولمة والسياسة والأخلاق وترجمته لمجموعة من نصوص فوكو و هايدغر.. 
استهل المفكر سبيلا عرضه موضحا أن الحديث عن الأخلاق والسياسة حديث فكري أكاديمي  لكنه ينصب على الواقع بشكل مباشر  جلي ومضمر كما أن للعلاقة بينهما تصورات مختلفة ومتخالفة.. تصور تقليدي يضفي خطابا مثاليا، متخيلا على السياسة; وتصور حديث يميل إلى الفصل بين السياسة والأخلاق  أي التمييز بينهما.. ثم فتح د. سبيلا زاوية تاريخ تصور الفصل بين المجالين المتباينين : الأخلاق والسياسة، مبينا أن هكذا فصل يعود إلى بدايات العصر الحديث والتصور الحديث للفكر السياسي وخاصة مع مؤسس هذا الفكر والذي يعتبره بعض الفلاسفة كتوماس هوبز الإنجليزي  " كريستوف كولونب" السياسة: نيكولا ماكيافيلي الإيطالي صاحب مؤلف " الأمير".. حيث أقام- ماكيافيلي – تصوره على أربعة مبادئ:
   1- السياسة مجال إنساني، أرضي ودنيوي، مقابل التصور اليوناني المرتكز على المدينة الفاضلة أو ما يجب أن يكون، و التصور المسيحي المتبني لمدينة الله خلافا للمدينة الدنيوية.. استطرد الأستاذ سبيلا بالقول أن ماكيافيلي يركز، سياسيا، على ما هو أرضي وواقعي وليس المثالي ( اليوناني) ولا الأخروي ( المسيحي) لأنه يجزم أن هدف السياسة تدبير شؤون الدنيا، وهي الحقيقة الفعلية المرتبطة بالمعيش  وليس بالمثالي أو المتخيل.
   2- فصل الوقائع السياسية والأخلاقية، الظواهر السياسية ليست يالضرورة أخلاقية رغم ادعائها الاتسام بالاخلاق..
   3- تصور السلطة السياسية: السياسة ليست مسالة عابرة أو مجرد "ديكور" بل هي ضرورة اجتماعية لحماية المجتمع من الارتداء ومن حالة الفوضى وبالتالي تحدد الكيان الاجتماعي ككل.
   4- الشرعية- وليس المشروعية لأن هذه الأخيرة أعمق بكثير-  عند اليونان، ربطت الشرعية بالقانون، النظام الشرعي يؤطره قانون أي قواعد وضوابط متفق عليها.. 
كخلاصة لموقف ماكيافيلي، فهو يستوجب فصل مجال السياسة عن الأخلاق رغم أن الفلسفة السياسية تقدم نفسها كأخلاق، نفي للأخلاق وليس نفي التصور الأخلاقي الموظف للتمويه على الفعل السياسي .. موقف الفصل هو موقف وصفي وواقعي للتركيز على الواقع مع ادعاء المثالية. 
تحول د. سبيلا إلى موقف كانط المتمثل في إخضاع الدائرة العمومية للدائرة الخصوصية، القانون للفضيلة، بمعنى آخر إخضاع الأخلاق الجماعية للأخلاق الذاتية.. ووجب التمييز بين الدائرة الأخلاقية الخصوصية والدائرة العمومية أي أخلاق الاعتقاد ( اليقين الذاتي)  والأخلاق المؤسساتية.. 
بعد ذلك، عاد د. محمد سبيلا ليذكر ببيداغوجية مبسطة ناجعة، بأن الأثينيين لم يكونوا يميزون بين السياسة و الأخلاق، أي لم يكن هناك فصل بين الواقع والمثال  ثم انتقل ليتحدث عن الوظيفة السياسية، مبينا أن السياسة فن لتدبير المصالح لكونها مرتبطة بالمصالح رغم تغلفها بالأخلاق ولغة الفضيلة والمثل الكبرى ( الحرية، المساواة و حتى حرية المعتقد..) كقيم مصدرها ديني أو دنيوي علما أن الفلسفة الحديثة تميل إلى الفصل بين الأخلاق والسياسة لأنها تستهدف عن وعي أو عدمه التمويه والتجميل بآليات مرتبطة بالسياسة.. والتصور الفصلي يميل إلى تصور أقرب إلى الداروينية معتبرا الإنسان جشعا، شرسا ذو حاجات بيولوجية ضاغطة، قاهرة لا تقبل التأجيل  أو التسويف أو الإشباع الرمزي..  لأن  علاقة الإنسان بالإنسان علاقة ذئبية صراعية يطبعها التنازع، و يالتالي لا بد من الانتقال من الحالة الطبيعية – حالة الحرب- إلى الحالة الاجتماعية التي تتطلب ضرورة وجود الدولة كتنظيم مقنن ..
في ذات السياق، عاد المحاضر إلى نص لماكيافيلي: " يمكن أن نقول عن كل الناس، عامة أنهم ناكرون للجميل ( جحودون) متغيرون متقلبون ( حربائيون)،  وظاهرهم غير باطنهم ( النفاق)، يخافون الخطأ ( الخوف) وأنهم جشعون كذلك.".. تصور سوداوي سلبي للإنسان.. 
منظور الوصل بين الأخلاق والسياسة يضمر  تصورا وديا أو سلميا بينما منظور الفصل يضمر على تصور حربي. والسياسة شكل من أشكال الحرب بأدوات سلمية، حرب ملطفة مزينة بالعهود والبشائر والفضائل وحتى لو ابتعد الساسة عن البعد الصراعي، تضحى  قمة المكر السياسي إخفاء الطابع الحربي العميق وعوض أن تكون السياسة مجالا للعقل والحكمة تصبح ميدانا للمصالح والمكر والعنف..
الفكر السياسي الحديث ذهب في اتجاه الموقف الشكي / الريبي وموقف الحذر مما يجعل السياسيين يلجؤون إلى التجميل لأنهم يعلمون أنهم يكذبون ويصدقون أكاذيبهم ويقولون ما لا يفعلون.. 
 أما عن  موقف التحليل النفسي لمنظور الفصل بين السياسة والأخلاق، فمعظم المدارس تميز بين الوعي واللاوعي لأن الضمير الأخلاقي ( الأنا الأعلى) جزء من آليات عقلية معقدة عند الإنسان ككائن مركب يلجأ إلى التحايل والنفاق والكذب على نفسه وعلى الآخر . السياسي يصدق ادعاءاته وهنا وجب التمييز بين الوعي والغريزة  كآليات بنيات نفسية  وجدانية / عقلية، والذات الفاعلة تمتهن إسقاطات ومتماهيات وتكيفات  عن وعي أو غير وعي. التحليل النفسي ساهم، بصيغة أو أخرى، في التصور الشكي/ الريبي لأنه يرى ما وراء الأقوال  وما وراء الأفعال في إطار الوعي والسلوك.. 
تحت ضغط الإغراءات المالية والسلطوية، تنشط مزاعم الادعاءات الأخلاقية لأن النفوس لم تعد قادرة على مقاومة توسع مجالات الملكية  والسلطة والامتيازات، بالتالي هيمنت المنفعة اليراغماتية المغلفة بالفضيلة.. لدى، وجب الحذر  اتجاه الضمير الأخلاقي وليس رفضه- كما جاء في مؤلف ابن عاشور التونسي " من الضمير إلى التشريع"..
إجمالا، ركز الفبلسوف  محمد سبيلا على التحولات على كافة المستوبات كرصد بنيوي لها والعوامل والفواعل التي لا نكاد ننتبه إليها: التحول الكمي الديموغرافي والتحولات النوعية: الانتقال من المجتمع الرعوي إلى المجتمع " المتمدن"  أو شبه حضري. كما أكد على ضرورة الانتباه إلى علاقتنا بالتقنيات وكيف حولت  العلاقة بين الإنسان والإنسان وعلاقته بالمحيط والعالم  .. تحولات أنجبت نوع من التشكيك في العمل السياسي.. بالتالي وجب بلورة موقف اليقظة والتمييز بين القول والفعل لأن الطهرانية  اكتسحت من طرف الاستثمار الميركانتيلي ( التجاري) في الخطابات السياسية والسياسوية، الشيء الذي تولد عنه شعور بأن الممارسات السياسية فاسدة: انحطاط أخلاقي سلوكي وحتى لغوي.. ( لغة ابن المقفع)... 
أما فيما يخص البدائل، جزم السي محمد سبيلا أنه من الصعب تقديم وصفات جاهزة، لكنه لمح لضرورة تطوير الوعي السياسي ومحاولة التفكير في بدائل إيديولوجية ومؤسساتية مذكرا بأن سنوات الرصاص كانت تسعى، جاهدة، إلى إبادة البدائل...


تنويه: تماشيا مع مبادئ المجلة المرجو التعليق باللغة العربية

فيلوبريس على الفيسبوك

المواضيع الأكثر قراءة

فيديوهات فيلوبريس