نهاية الأسدوس الأول من الموسم الدراسي : حصاد الهشيم

نهاية الأسدوس الأول من الموسم الدراسي : حصاد الهشيم
بقلم: عبدالفتاح جنيني
تقتضي الممارسة التربوية السليمة أن تجد لنفسها حيزا للنقد الذاتي، سواء على المستوى العمودي عبر مساءلة الوزارة لنفسها ولأطرها التربوية والإدارية  أوعلى المستوى الأفقي من خلال علاقة المتعلم بذاته أولا ثم من خلال علاقته  بكل من المدرس والإداري... إنها مساءلة بنيوية تتوخى طرح الأسئلة الحقيقية، أسئلة لن تجد أجوبتها إلا في علاقة بمنظومة القيم التربوية والمجتمعية، ذلك أن قطاع التربية والتعليم لا يمكن لأي مقاربة مهما اتسع مجالها النظري أن تحيط بإشكالاته إلا عبر مقاربة شمولية يتكامل فيها التربوي بالإداري والسوسيوثقافي بالنفسي دون إغفال الجانب القيمي الأخلاقي. إن الوضع المتوتر بين مكونات العملية التربوية و الذي يعرف تأزما متواترا بين الحين والآخر، لعل آخر فصوله ما أثير حول برنامج مسار، هذا البرنامج الذي استقبل بكثير من الجدل هو أقرب إلى اللغط، حتى أصبح الأمر شبيها بحالة مرضية هي أقرب إلى الهستيريا عايشنا فيها لحظات من اللاعقل، فسيطر الإنفعال على كثير من المتعلمين، و ظهرت أشكال من العنف سواء تجاه البنية التحتية للمؤسسات أو تجاه بعض المدرسين. والآن بعد أن أسدل الستار على الأسدس الأول بما له و ما عليه، و بعد أن قضي الأمر الذي لم يستفتى فيه أحد ووضعت الحرب أوزارها، حان الآوان لكل واحد من خلال موقعه ومسؤوليته أن يقيس بمنطق برجماتي المنفعة التي حققها لمنظومة التربية والتعليم بصفة عامة وللمتعلم بصفة خاصة، بطبيعة الحال في غياب وجود تعاقد حقيقي ومسؤول لن يبقى أمامنا إلا المحاسبة الذاتية في صورتها الأخلاقية التي تجد مثالها في الواجب الأخلاقي في صورته الكانطية بما هو أمر أخلاقي مطلق، ولأن روح الواجب كما تصوره كانط يمتح من القاعدة الأخلاقية التالية : " تصرف دائما كما لو كنت تعامل الإنسانية في شخصك كما في شخص غيرك كغاية و ليس فقط كوسيلة"
فإن مساءلة الذات بالنسبة للمدرسين لا تعني سلخ الذات وتحميلها ما لا تستطيع، ولكن الواقع يؤكد أن لا أحد يسمح له موقعه أكثر بممارسة هذا النقد أكثر من المدرس، أولا بحكم تقاطع دوره مع جميع مكونات العملية التعليمية التربوية، ثم لأنه بحكم الممارسة اليومية والفعلية لفعل التعليم والتعلم يكون أقرب ما يكون إلى مرآة شفافة تعكس واقع المنظومة بصدق، بطبيعة الحال هذا لا يعني أن نعطي للمدرس قدرة لا توجد عند الآخرين، كما أن الأمر ليس امتيازا له، بقدر ما يعني أن مسؤوليته الأخلاقية تجعله قادرا على ممارسة هذا النقد الذاتي على الأقل في علاقته بذاته وبمتعلميه، ولكي تكون هذه المساءلة ممكنة لا يسعنا - في هذه المقالة - إلا أن نجعل من ذواتنا نبراسا للذوات الأخرى وبواسطة الاستدلال بالمماثلة يمكن أن نخمن ما يمكن أن يفعله الآخرون من بني جلدتنا.  
يبدو لي أن هناك ثلاثة أسئلة يتيح التفكير فيها امكانية تحقق هذا النقد الذاتي، وهي :
1-     هل استطاع المدرس أن يقوم بمهمته بفعالية رغم الإكراهات التي لا يمكن انكارها أم أنه سقط في التبرم والشكوى من واقع متردي لا يسمح بأي انجاز ولو في حدوده الدنيا ؟
2-     هل نجح المدرس في الالتزام بتعاقد بيداغوجي و ديداكتيكي واضح وشفاف مع متعلميه أم ركن إلى أن يدبر أموره بما يجعله  بمأمن من كل  شر؟
3-     هل المدرسة بالنسبة للمدرس فضاء للتعلم ونشر قيم الحداثة وحقوق الإنسان أم أنها لا تعدو أن تكون مجرد فضاء للعمل وكسب الرزق لا شيء يميزها عن باقي فضاءات الشغل الأخرى ؟
إن هذه الأسئلة عندما أطرحها على نفسي لا أستطيع أن أجزم بالقدرة على الإجابة عنها، ليس لأنها بدون أجوبة أو مستعصية على من يطرحها، وإنما لأن الإجابة عنها قد تتغيرحسب موقع الأشخاص والسياقات، أو لأننا نرفض طرحها أصلا إما عن وعي وسبق إصرار أو بصورة لاواعية، أو ربما لأن التفكير فيها قد يزعجنا، أو لأن الإجابة عليها تضعنا أمام خيارين لا ثالث لهما، وهذا وضع حرج قد لا يريحنا التواجد فيه. عموما يمكن أن نحدد بعض المؤشرات الإجرائية التي قد تساعدنا على الإجابة عن هذه الأسئلة، ومنها:
* النقطة التي نمنحها للمتعلم وعلاقتها بالحد الأدنى من الموضوعية وبالتالي هل نعطي لتقويمنا مصداقية ما.
* مدى الانخراط في قضايا المدرسة المتعددة سواء تعلق بأنشطة موازية أو بالدعم ...
*النظر إلى ميدان التربية كرسالة انسانية ومجتمعية وليس مجرد عمل روتيني يقتضي القيام به، وتنقطع الصلة به بمجرد أن يدق جرس الانصراف  إيذانا بنهاية العمل.
*علاقتنا بالمتعلم وبباقي الفاعلين  وشركاء المدرسة، ومدى ثقتهم في مجهوداتنا...
عندما أنظر إلى هذه المؤشرات وأقيسها على مجهودي الشخصي  وأحاول من خلال الإستدلال بالمماثلة أن أقيس بها  مجهودات الأخرين - على الرغم مما يكتنف هذه العملية من أخطاء محتملة - أجد أن الأمر برمته أشبه بحصاد الريح أو الهشيم، فلا يمكن للمدرس في إطار منظومة تربوية الرأس فيها لا يعمل بالشكل الصحيح، لأن برامجه في تخبط دائم ولأن هناك غياب لسياسة تعليمية واضحة المعالم وعدم القدرة على جعل المدرسة في قلب أولويات المجتمع، إضافة إلى عدم وجود رؤية شاملة وموحدة حول القيم التي يتوجب على المدرسة أن تبثها في أفرادها، ففي مثل هذا الوضع تصبح كل هذه الأسئلة بدون معنى، لكننا نحن المدرسين ورغم كوننا الحلقة الأضعف في هذه المنظومة برمتها، ليس أمامنا سوى أن نخلع رداء الأنانية والتوهم بقدرة كل واحد منا على تصريف أموره بصورة فردية، لأن من شأن ذلك أن يضعف حلقتنا أكثر، ويجعل مجهوداتنا أشبه بمن يصارع الوهم فنكون نحن دون كيشوت والمتعلمين عبارة عن طواحين الهواء .

تنويه: تماشيا مع مبادئ المجلة المرجو التعليق باللغة العربية

فيلوبريس على الفيسبوك

المواضيع الأكثر قراءة

فيديوهات فيلوبريس