آه.. و آه.. يا وطن..

بقلم : يوسف عشي
آه.. و آه.. يا وطن..
بالقدر الذي تنتاب المرء أحاسيس الفخر والاعتزاز عندما يشهد الإنجازات الرائعة التي تسطر للوطن اسمه ضمن لائحة الأوطان الرائدة، رياضيا، وتنمويا وتاريخيا، بالقدر الذي تعصر بلعومه غصة ومرارة ما يعانيه هذا الوطن على أيدي أبنائه.. وشتان بين أبناء وأبناء.. شتان بين الصالحين وبين الطالحين، بين أولئك الذين يرفعون راية الوطن عالية خفاقة، أولائك الذين يدنسون أرضه بالفضائح المدوية دون أن يجدوا لهم محاسبا..

اليوم نصر وابتهاج.. لكن بالأمس حصرة وانكسار. ولا ندري هل نلوم أنفسنا على ربيع أفلتناه، أم نهنئ وطننا بربيع ينجزه وتاريخ يسطر أمجاد أبنائه الأبرار؟ هل نترك الرؤية السوداء الواقعية المغرقة في الهم والويل وما جاورهما تقبض أنفاسنا ، أم نشرح النفس بالنظرة المتفائلة الزاهية الناظرة للمجد..
الحقيقة أننا لا نستطيع الالتفاف على الأولى، كما لا تستطيع الثانية بكل بريقها اللامع أن تلهينا عن مواجهة أسباب الأولى ودرء مصادر عنفوانها، واكتساب المزيد من دعائم الثانية وحشد الدعم لتكرار لمعانها ودفعها للتوهج أكثر وأكثر..
إن الواقع الرياضي المغربي الذي بات الآن حديث جميع الأشقاء العرب والأصدقاء الأجانب وتصنيفهم للمغرب كبلد رائد في الرياضة العالمية استضافةً وتنظيماً، ولعبا للأدوار الكبرى وحتى تتويجا.. هو نفسه من عجل منذ زمن ليس بالبعيد باستغرابهم واستهجانهم بالبلد نفسه !. فما خروجه من الباب الضيق من المناسبات الرياضية الكبرى، كالألعاب الأولمبية وتصفيات كأس العالم لكرة القدم، والكأس الإفريقية.. وهو يمتلك أقوى الرياضيين بشهادة العالم، ناهيك عن الفضيحة الكبرى للجمع العام لجامعة كرة القدم، ومدى الاستهجان الذي دفع بالجميع إلى حد فرض الوصاية على البلد في امتهان واضح لسيادته مثلما فعلت الفيفا نفسها بعدم اعترافها بالمكتب الهجين، وتنصيبها للمكتب السابق لتسيير شؤون استضافة كاس العالم للأندية بالقوة..
هذا الواقع الرياضي الذي يحلو للعديد مدارات كبواته بالإنجازات الطفروية.. هو نفسه من جعلنا نشتري الوهم، ونرفع عاليا هممنا لتهوي في كل مناسبة من أعلى عليين إلى أسفل سافلين.. إنه الواقع نفسه الذي جعل مرارة الهزيمة والاندحار شبه الملازمة لنا من فرط كثرة التفريط .. يدفعنا اليوم إلى الشرب من كأس المجد والسكر بنخب الفوز والإطراء.. دون مساءلة للذات سواء على الكبوات ولا حتى على الانتصارات..
هل ينبغي لنا محاسبة الفائزين؟ هل نحاسب الرجاء البيضاوي على تألقه؟ أم نهلل ونصفق ونبتهل؟  الحقيقة أيها السادة والسيدات أنه لا هذا ولا ذاك.. ما ينبغي في نظري المتواضع هو تهنئة الرجاء وشكر أبطاله الأفذاذ على إنجازهم الذي دون في صفحات تاريخ هذا الوطن كمجد لا ينمحي.. ثم نضع نقطة ونعود إلى السطر..
فالواقع لم يتغير بعد.. الرجاء التي حققت طفرة كانت بشكل إعجازي حيث جميع الظروف قبل انطلاق الكأس لم تكن لتبشر بما حصل.. والحقيقة أنه لا ينبغي للإنجاز أن ينسينا الهفوات، بل الزلات.. هل كان من حق الإدارة في النادي العالمي أن تسلك ذاك السلوك الأرعن وتتخلى عن المدرب الوطني صاحب النصيب الأكبر في الإنجاز، في مرحلة في غاية الحرج.. طبعا أصحاب الرؤية الزبونية والعمل الارتجالي سيسعون لإخفاء الجرم الإداري بالتهليل للإنجاز التاريخي.. والحقيقة أننا نقول : كلا.. ليس من حق أي وصولي أن ينتهز طفرات أبناء البلد ليواصل انتهازيته.. ثم هل يجعلنا مظهر البلد الرائع في استضافة الحدث العالمي ونجاحه التنظيمي أن نهلل ونطبل ونزمر للفاسي الفهري وزمرته التي أبادت ما يناهز 400 مليون درهم على منتخبات وهمية، أو منتخب أقل ما يوصف به أنه فاشل؟ هل سيدفعنا زهونا بإطراء بلاتر رئيس الفيفا على التنظيم الجيد لنسيان تدخل الفيفا السافر ومسها لسيادة بلدنا ولو كان أبناءه المسؤولون فاسدون؟.. لا قيمة لمن يمس سيادة الوطن.. ولوكان على حق.. سيادة الوطن خط أحمر لا بلاتر ولا أوباما ولا أي أجنبي آخر له أدنى حق في المساس بها حتى لو فرط أبناء هذا البلد.. فإننا نقول.. ترتيب البيت الداخلي شأننا ولا يملك غيرنا سوى النصح .. فقط النصح.. أما الفعل فأهل الوطن أدرى بشعابه..
ولهذا نقول أيضا: على الدولة أن تقوم بواجبها، وعلى المسؤولين أن يقوموا بواجبهم لأنه في حال الإخلال بالواجب فإن للوطن أبناء يحرسونه.. لن نشد على يد الغشاش.. ولن نتسامح مع المرتشي.. كما لن نقول عفا الله عما سلف.. ربنا كريم عفو..لأنه قادر قاهر مالك لأمر الكون.. أما نحن البشر بقول رب البشر لا حياة لنا إلا بالقصاص.. {ولكم في القصاص حياة يا أول الألباب} من يستحق الشد من الأذن نفعل له ذلك.. ومن يستحق السجن نسجنه.. ومن يستحق الرجم حتى نرجمه.. نقول لا حل ولا كرامة لهذا الوطن إلا بربط المسؤولية بالمحاسبة.. حينها لن نشهد فضيحة مجلجلة مدوية مثلما رأينا ورأى العالم في جمع جامعة الكرة.. ولن يتجرأ مارق بالدعوة إلى رمي رمز السيادة والعروبة والدعوة لتعويضها بلغة الشارع والمقهى.. فقط ليستفيد من صفقات مموليه، أسياده غير الوطنيين.. وحينها أيضا لن نجد كاتبا بئيسا مثلي يكتب  صارخا: " آه.. ياوطن ! .." 

تنويه: تماشيا مع مبادئ المجلة المرجو التعليق باللغة العربية

فيلوبريس على الفيسبوك

المواضيع الأكثر قراءة

فيديوهات فيلوبريس