قراءة في محراب الشياطين..

بقلم : يوسف عشي
قراءة في محراب الشياطين.. إبليس و السيسي و ..
في بدء الخلق صدر أمر يلزم جميع الخلائق النورانية بالسجود لكائن زائل.. معرض للزلل.. وهي الخلائق، ذوات الالتزام الأبدي بالتقديس اللانهائي لخالق البشر.. وطبعا المخلوق الوحيد الذي سار عكس التيار كان هو إبليس اللعين. وليس من سبب سوى التكبر والتجبر وعصيان أمر خالق الأمر وصاحب الأمر.. والنتيجة المعروفة أن الملائكة استمروا في نورانيتهم والبشر استلموا مسؤوليتهم، وإبليس اكتوى بلعنة الخالق وانتهى مهزوما ذليلا.. هذه الحكاية الكونية تجعلنا نخرج بالعديد من العبر، لكنني أود هنا أن أسلط الضوء على أحد الاستنتاجات البالغة الأهمية من هذه الملحمة الربانية..
المعطيات : رب كريم قادر قاهر. ومخلوقات نورانية تعيش على التسبيح والحمد ولا تعرف بحكم ضرورة خلقها سوى الطاعة لصاحب الأمر، وكائنان أقل عظمة، وأدنى مرتبة أولهما أوصله عمله الصالح ومرتبته التقوية إلى الارتقاء بمشيئة الرب إلى ملازمة الملائكة ومجاورتهم.. وثانيهما مخلوق أضعف من أن يدرك حقيقة نفسه. بل هو يظل رهين التوجيه الرباني وفيوض الخيرات الإلهية حتى في قدراته، مثل سابقه لكنه لم يزل بعد لم يختبر وهو من قبل تحمل المسؤولية لحظة رفض باقي المخلوقات وتهيبهم منها.. ثم أمر رباني بإجلال المخلوق الجديد الذي قبل بربوبية الخالق، ووظف في الخلافة نازلا على أمر الخالق بالإصلاح في الأرض..
النازلة: عصيان الأمر الإلهي من طرف عنصر وحيد.. بداعي الأفضلية.. فالمسار الإيماني والتقوي الرائع أورثه تكبرا في الوقت الذي يفترض الموقف الرباني التذلل لذي الجلال. والائتمار بأمر صاحب الأمر.. وخرق القانون الكوني الخاضع لمنطق الأفضلية..
النتيجة: لعنة وغضب من رب العرش العظيم على الشيطان الرجيم.
التحليل: لا كرامة أمام صاحب الكرامة.. وفعل المشيئة أقوم من تقدير السريرة.. فالمشيئة الإلهية اقتضت أفضلية البشر ولو على الأقل في لحظة الأمر الإلهي.. والنقاش مقبول، لأنه يقوم على أساس الأخذ والعطاء، بمعنى الاستفهام  والإفهام المتبوع بفعل النتيجة.. ولهذا قُبل من الملائكة {أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء..} ثم بعد تلقي التوضيح المقرون بالتطبيق الفعلي فيما يتعلق بمثال أسماء الكائنات {ثم عرضهم على الملائكة قال أنبئوني بأسماء هؤلاء..}ثم الرد المرجح للمنطق الكوني المجلي للربوبية من حيث مصدريتها وأسبقية قدرتها الأزلية {سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا...} لكن غباء الطرف البئيس المسبوق بفكرة أفضليته التي أسقطته بمعية الشعور الزائف بالرضا عن النفس دفعت بالكائن المخلوق، إلى التدخل في مسار الأمر المحكوم بالمنطق الرباني، لا العقل الإنساني، أو الإدراك ألكائناتي أو الكهنوتي حتى.. وبالتالي أصبحت الأمور، بالنسبة للكائن اللعين "إبليس"، لا تجري بمنطقها الرباني الذي لا يدرك في كليته وإنما تدرك بعض جزئياته. فكان حكم المخلوق بالنسبة للكائن الشيطاني الغبي بالنسبة له أعقل وأصح من الحكم الرباني بحكم التقدير الزائد للنفس المبني على فعل الكرم الإلهي الذي رفع مرتبة مخلوق أدنى إلى مراتب المخلوقات السماوية العليا.. وهذا ما أدى إلى افتراض الأفضلية للذات وبالتالي عصيان الأمر الإلهي وتحويل مسار الأحداث إلى مواجهة دائمة وطويلة طول الحياة نفسها بين الكائنين الدنينين اللذان شاءت المشيئة الإلهية أن تفضل أحدهما.. فكان أن لعن الأول وأخرج من الرحمة.. واستخلف الثاني ووضع في أعلى الهرم المخلوقاتي الدنيوي وكلف بالنيابة بتطبيق المشيئة الإلهية في العالم الأدنى إلى حين الرجوع إلى الأصل الأعلى في حدث درامي كوني مثير..
النتيجة: حينما ينزاح المخلوق عن القانون الكوني الذي يضع كل كائن في مرتبة ووضع معين.. وحين يحاول أي كائن لعب دور الربوبية وهو مجرد مخلوق، من خلال محاولة تسيير الأمور تبعا لمشيئته الذاتية لا المشيئة الربانية، تكون النتيجة كارثية بالنسبة له، ورائعة وكاملة الفائدة لمن صدر في حقه الانحراف عن القانون الكوني المعبر عن المشيئة الإلهية..
تجبَّر وتكبَّر إبليس ورأى في نفسه أحقية الولاية عن أب البشر.. فعصى الأمر وجادل وناور حيث هو يعلم أن لا مجال للمناورة لكن غباءه واستكباره أدى به إلى تحدي خالق البشر والقدر الذي هو نفسه جزء منه.. فكانت النتيجة أن لًعن إبليس البئيس ودحر في حين غُفر ذنب آدم وكُرّم وأعطي السيادة والخلافة.
الاستنتاج: حينما يتم الخروج عن القانون الكوني الرباني.. لا نتيجة سوى الاندحار..
الآن أستسمح القارئ الكريم بإعطاء بعض الأمثلة عن تكرار نفس الخطأ الشيطاني من طرف بعض البشر.. وطبعا نحن ندرك مسبقا النتيجة.. فحينما علا فرعون وتجبر.. كانت النتيجة أن قهر وأغرق ودحر.. حينما طغى قارون واستكبر.. كانت النتيجة أن خسف به وبداره تحت الأرض واندحر.. حينما طغت القوى الإمبريالية الاستعمارية وعاثت في البلاد استعمارا واستغلالا، كانت النتيجة أن دحرت بجيوش المقاومة المجاهدة. والإذلال بعد التجبر. بل نهاية وجودها القوي إلى وجود لا معنى له لدرجة تغليبها للمادة على البشر. فلا قيمة للبشر مادامت المصالح المادية تجري على حسابه، فانهارت الأسرة، واغتيلت الكرامة الإنسانية في الحروب غير الشرعية، وفي الأفلام الإباحية، وحتى آخر صروح الحضارة الغربية المتمثل في الفن والحرية يبدو أنه يتحول الآن إلى وعاء لتلبية المتطلبات الغريزية الحيوانية... هذا والبقية تأتي.
ما يجري الآن في مصر.. هل يصح أن نطبق عليه نفس الاستنتاج الكوني .. الجواب ..نعم.. حينما يعلم الظالم بظلمه ويجاهر بمعصيته بل ويجادل( لنتذكر جدال إبليس) موهما نفسه عبر غبائه وقلة يقينه في القانون الرباني أنه الأقوى وأنه صاحب اليد العليا.. فهو وهو البئيس يرسم لنفسه مشهد الهوان الأبدي والاندحار اليقيني.. لأنه لا عزة إلا لمن شاء رب العزة.
"متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا" كذا قال عمر بن الخطاب  وهو من كان قبل إسلامه من أشد الكفار بطشا بالمسلمين.. لكن بعد تتلمذه في المدرسة المحمدية التي تدرس الدروس الربانية، والتي لا قبل للسيسي ولا لبشار ولا لأمثالهم بمنهجها الذي يفوق إدراكاتهم.. فقط هي وسوسات شياطينهم من جرهم إلى نفس المصير..
{ وكان حقا علينا نصر المؤمنين..} المؤمنين هنا في قول رب العالمين هم من استوعب وأدرك مشارق الأنوار الربانية القائلة بالحق والعدالة.. الحرية والمسؤولية.. الخير و الخيرية.. وبالتالي لا مجال لتغيير القانون الكوني.
لذا نقول، وبكل يقين أن الذي نصر فردا أعزلا وسط اشد أنواع البشر رعونة وجهلا وشرانية في قريش وجعله قادرا على فرض إرادته ونشرها في جميع ربوع العالم حاملا الخيرية لأمته وللعالم، هو نفسه من يرى بعين الخبير القدير  بشار اللعين وأتباعه يقدمون أقوى الأسلحة للمغضوب عليهم من رب العالمين. ويستعمل أشر الأسلحة في قتل وترويع الآمنين، وهو القادر المستطيع الذي يراقب أتباع السيسي وهم يقتلون ويعثون في مصر فسادا. مصر التي أوصى بها النبي الكريم(ص) خيرا يرى العلي القدير كيف يُزَج بفتياتها الصامدات الراجحات العاليات الهامة في السجون لمدد تتجاوز العقد.. أليس لمن يملك الكون خلقا و رزقا و قوة وجبروتا.. القدرة على تقرير قانونه الكوني.. الجواب واضح.. رأيناه على وجوه حسناوات الإسكندرية الصامدات في المكان الذي تشرئب له هامات الرجال.. رأينا ابتسامات ونظرات متألقة ترى فيها يقين صاحبها من المصير.. في الوقت الذي تبدو فيه نظرة ضيق الحال كلما رأينا صورة السيسي العين على الشاشات حينما يعرض تسريب من تسريباته التي باتت مكشوفة.. وواقع الحال يقول أن الرجل يسمع، رغم صممه، كلمات القوي العزيز {ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم وغضب الله عليه ولعنه واعد له عذابا عظيما..}نزيده نحن تذكيرا بقوله جل وعلا { كذلك أخذ ربك..}.

تنويه: تماشيا مع مبادئ المجلة المرجو التعليق باللغة العربية

فيلوبريس على الفيسبوك

المواضيع الأكثر قراءة

فيديوهات فيلوبريس