العنف في التاريخ

العنف : مقاربة فلسفية –الجزأ الثاني -
العنف في التاريخ 
بقلم: عبد الفتاح جنيني
 مما لا شك فيه أن العنف يخترق تاريخ الإنسانية مند بدايته ، وكأن أحداثه منقوشة بالفؤوس والمعاول والسيوف ورائحة البارود وسطوة الجيوش ، ليتطور إلى أبشع وسائل القتل بدءا بالأسلحة النووية والبيولوجية وهلم جرا مما تتستر عليه القوى العظمى من آليات الفتك السريع ، فماركس مثلا اعتبره  محركا للتاريخ  ،ففي القديم عكس العنف صراعا بين الحر والعبد ثم بين السيد الإقطاعي  والقن فتطور لاحقا ليتركز في الصراع بين الطبقة البرجوازية والبروليتارية ،إنه باختصار يعكس العلاقة بين المضطهدين-بكسر الهاء- والمضطهدين–بفتح الهاء- ، فسواء اتخذ هذا الصراع شكل حرب معلنة أو خفية فإن ما يميزه اليوم هو محاولة  تغليفه بمسميات متعددة كمحاربة الإرهاب أو حماية السلم الدولي أو الدفاع عن حقوق الإنسان ...لكنه يبقى وسيلة فعالة في يد الأقوياء لبسط هيمنتهم على الضعفاء ، وإذا كان ماركس قد بين أن المجتمع الرأسمالي لم يستطع القضاء على هذا الصراع بل زاد من حدته ، فإن تطور النظام الرأسمالي عبر ظهور الشركات المتعددة الجنسيات والعابرة للقارات وسيطرة الاقتصادي على السياسي كل ذلك أفرز حاجة متجددة إلى العنف ، فافتعال الصراعات قد يغدي اقتصاديات الدول العظمى ، وهذا ما يلخصه آلانباديو بقوله : إن ما يميز الدول الغربية المسماة ديموقراطية هو قدرتها على تصدير العنف إلى الخارج من أجل حل ازماتها الداخلية  . فالعنف إذن ليس مكونا عرضيا للعلاقات الإنسانية بل إنه جوهرها المميز ، فحتى الرغبة التي احدى السمات المميزة لماهية  الإنسان تتغدى من الصراع ، فهي تخضع لما يسميه روني جرار بقانون المحاكاة ، فالفرد لا يرغب في الشيء إلا لأن الآخرون يرغبون فيه ، فينتج عن ذلك تنافس بين الرغبات ، تنافس سرعان ما يتحول  - بفعل ما يسميه جيرار بقانون المحاكاة  - إلى نزاع وعنف معدي يبدأ فرديا ليأخذ بعدا جماعيا ، فمكر العقل الإنساني تجاه العنف يجعله يبحث عن آلية للحد منه عبر التضحية ، لكن التضحية في حد ذاتها موت وقتل – وإن كان بصفة شرعية ومحتمة كما يقول كلود ليفي ستراوس- ، بل إن كثير من الأبحاث الأنتروبولوجية  تؤكد أن الضحية لم تكن دائما عبارة عن حيوان حيث قد تتم بكائن بشري ، وإذا كنت المجتمعات المسماة حديثة قد أحلت القانون مكان الضحية للحد من العنف ، فالقانون لم يستطع أن يقول في العنف كلمته النهائية ، وكأنه في النهاية لا يوجد مسكن نهائي للعنف  ، أو أنه بلغة مجازية نار تلتهم كل ما يوجد في طريقها ولا يمكن ايقافها .  لقد كان العنف كان دائما موجودا ، لكن حدته ستعرف تطورها الحاسم مع المجتمعات المعاصرة ، حيث مع ازدياد التطور التكنولوجي ستزداد قدرته على الفتك وعلى الانتشار ، فأصبح خاضعا للحساب ومنطق الربح والخسارة حيث تشن الحروب دفاعا عن المصالح الاقتصادية وتتوقف عندما تنتفي المردودية من ورائها ، لهذا فالجنوح إلى السلم ليس إلا مناورة أو استراحة لجمع العدة ومعاودة الكرة من جديد . صحيح أن خطاب التنديد بالعنف من الناحية السياسية قوي جدا لكن الواقع البشري لا يعترف إلا بالوعي المهيمن ، ذلك أن  تاريخ البشرية هو تاريخ صراع بين العبودية والسيادة كما يقول هيجل ، فحتى مع تزايد الأصوات المنادية بالسلم والتسامح يبدو ان الرغبة في السيطرة والتملك أقوى من نداء السلام الذي رفعه كانط في  رسالة من أجل سلام دائم ، وأقوى من نداء جون لوك إلى التسامح أو نداء العقل ضد العنف كما رفعه اريك فايل مثلا . إنه العنف الإنساني لا يقبل المساومة على وجوده ولا ينتهي إلا بالقضاء المبرم على الخصم ، لا يتوقف إلا بعد أن يأخذ شيئا ما تحث ضرسه .



تنويه: تماشيا مع مبادئ المجلة المرجو التعليق باللغة العربية

فيلوبريس على الفيسبوك

المواضيع الأكثر قراءة

فيديوهات فيلوبريس