التدريس بالدارجة... و "التفرنيس"

بقلم: محمد بعدي
تطرح مبادرة نور الدين عيوش حول التدريس باللهجة الدارجة في المدرسة المغربية تساؤلات كثيرة بخصوص أهدافها و غاياتها السياسية و الأيديولوجية... أما التربوية فلا نعتقد أن في جعبة صاحبها ما يمت لها بصلة، إلا إذا استثنينا ورود كلمة التربية في علاقة غريبة مع القروض الصغرى ضمن اسم مؤسسته " زاكورة للقروض الصغرى والتربية" التي يرأسها عيوش.
بغض النظر عن سخافة الفكرة، فهي مسلية، لأنها تفتح أفقا لتخيلات و استيهامات كثيرة، يمكن أن تنتهي إلى سيناريوهات مرعبة: تخيلوا مدرس علوم الحياة يلقي درسا في التوالد و العلاقات الجنسية و يلقي الدرس بالدارجة التي يدعو إليها العقل المتخلف... كيف سيعبر بهذه الدارجة عن الجنس و الإيلاج و الخصيتين و الأعضاء التناسلية... ألن يكون درسا " زنقويا" بامتياز؟... خصوصا و أنه يمتح من قاموس مثير للاشمئزاز... قاموس المواخير و القوادة و الشذوذ... و لا علاقة له بالتربية و التعليم... ثم كيف سيقرأ مدرس التربية الإسلامية الآيات و الأحاديث؟ و هل سيترجمها أيضا إلى الدارجة؟ ألن يكون الأمر سخيفا  سخافة العقول التي تدعو إلى هذا الهراء؟... و مدرس الفلسفة ؟ كيف سيشرح الفلسفة الوجودية و الظاهراتية و ....؟ و كيف سيترجم "الوجود موجود... و اللاوجود غير موجود... لا تخرج فكرك عن هذا"؟... و ماذا عن الكلمات التي تتداول في سياقات ثقافية بشكل عادي، بينما لا تقبل التداول إطلاقا في سياقات ثقافية أخرى؟
إن العقل الذي ابتدع هذه البدعة لا يخرج عن أحد أمرين: فهو إما عقل على درجة عالية من الغباء اللغوي و السفه الأخلاقي و العمى الإيديولوجي... أو أنه على درجة أعلى من الدهاء السياسي و الخبث الإيديولوجي و الانتهازية التي لا لون لها... و لا بد أن يكون الأمر الثاني هو الأرجح، لأن الداعي إلى هذه الخزعبلات {عيوش} من المقربين من أصحاب القرار، الذين يسبحون بحمد الغرب {خصوصا فرنسا} و ينبطحون له انبطاحا كاملا و يسيرون على ما يرسمه لهم من خطو... و يحاولون إرضاء هذا الغرب حتى و لو على حساب تشظي الهوية الوطنية... لذلك قد لا يعدو أن يكون كلام عيوش غير فقاعات اختبار سياسي للإسلاميين الذين "يقودون" الحكومة، و "قرص آذانهم" بإثارة قضايا تحرجهم لأنها تخلخل خطابهم الهوياتي الذي تعتبر العربية أحد أهم مكوناته... مع ما يستتبع ذلك من تنويم للشعب و إلهائه من خلال خلق نقاش إعلامي هامشي... و صب المزيد من الزيت بين "الإسلاموي" و "الحداثوي". إننا لا يمكن أن ننتظر ممن هو "مجثث الهوية" الدفاع عن هويتنا، لأن من رضع "حليب" فرنسا لا ينتظر منه غير "التفرنيس"... و الدعوة إلى التدريس بالدارجة هو "تفرنيس" بكل معاني الكلمة...

تنويه: تماشيا مع مبادئ المجلة المرجو التعليق باللغة العربية

فيلوبريس على الفيسبوك

المواضيع الأكثر قراءة

فيديوهات فيلوبريس