مواصفات الأستاذ في تراثنا العربي الإسلامي



بقلم : محمد ناصرالدين لحمادي

  مواصفات الأستاذ في تراثنا العربي الإسلامي

    إن الحـديث عن الأساتـذة وتـأمل واقـعهم بما فيه مـن خير وشر يسـتدعي حـديثا آخـر، هو تـأسيـس لـه وبناء عـليه، وهو المواصفات الـتي ينبـغي لـمن تـصدى لهـذه المهنة الـشريفة أن يتصف بها ليـقي نفـسه شـر أخطاء ومزالـق عديـدة...
    وإذا عدنا إلى تراثنا العربي الإسلامي، فإننا نجد لدى علمائنا إدراكا لوطيفة الأستاذ البالغة الأهـمية، فخـصوا مـن يتعاطى هـذه الـوظيفة بالـنصح والتوجيه، وبعضهم أفـرد لذلـك تـآليف خاصة، ومـن العـلماء الأعـلام الذيـن عـنوا بهـذه الـقضية: الخطيب البغـدادي وابـن عبـد البر وابـن جماعة وغـيرهم.

    وقـبل الحديث عـن نصائـح الأسـلاف للأسـاتـذة، فـإنه يجـوز لسـائـل أن يسأل: مـا جـدوى "النكوص" إلى الـوراء واستـنطاق الأمـوات لإصلاح وضـع راهـن متصل بالأحياء؟
    قلت: إننا نـلتفت إلى الماضي ونستلهم التاريخ  بحثا عن الذات، وخروجا من التيه، خاصة ونحـن فـي مرحلة ترميم الـهـوية وتشكيل الـشخصية ذات الـطابع المتميز بإسلامه وحضارته ووطنيـته. ومن ثـم كـانت ضرورة العـودة إلـى تراثـنا الـعـلمي الغني الـمعطاء الـذي تنـكر له كثيرون وعدوه سبة ومنقصة، مع القناعة التامة بأهمية الانفتاح على علوم التربية الحديثة في هذا الـباب ومـواكبتـها لـلإفادة منها بـقدر مـا يتناسب وخصوصيتـنا.
    وعودا على بدء، فـإن عـلماءنا الأعلام أولـوا الأستاذ من العـناية والاهتمام مـا يليق بدوره الأساس وأثره الحاسم في بناء شـخصية المتعلمـين وتربيتهم، وإعداد جيل مصلح في مجتمعه خـادم لوطـنه عامـل على رقيه المأمول ونهضته المنشـودة.
    ولبلـوغ هـذه الغاية الكبرى التي هـي مـن أعـز مـا يـطـلب، فـإن أسـلافنا وجـهـوا الأسـتاذ تـوجيه مـحب مشفـق، ونصحـوه نصيحة مريد للخـير بـأن يـوطـن نـفسه على:  
    - إخلاص الـنية في عـمله، وإنما العمل بالـنية، والتـدريس عمل عـظيم، وما أحوج السالك هذا الـطريق إلـى إخلاص نيـته لـوجـه الله الكريم.. وشتان بين من يبتغي بدرسه أداء الواجب وحسب مجـردا عن كـل نية، وبـين مـن يؤديه كما يجب ولكن بنية الإحسان إلى أبنـاء شعـبه، وتنـويـر عقـولهم بالعلـم الـصحيح، وتهـذيب طباعهم بالخلـق الـقـويم.
    - مراقـبة الله تعالى أثناء تدريسه، فـلا يضيع من وقت طلبته شـيئا، لأن زمن الـدرس ملك المتعلم، ومن حقه أن يستوفيه كاملا، كما أن استيفاء دروسه حـق من حقوقه، والمدرس أعلـم بمـا يصلـح للتلـميذ، فيعتـني بـذلـك.
    - المحافـظة على مكارم الأخلاق وفـضائلها، وتـطهير النفس من رديئها وخبـيثها، كالغش والغـل، والكـذب والخيلاء، والتطلع إلى السمعة واحتـقار الخلـق.. لأنه أسوة لتلاميذه وطلبته، يسيرون بسيرته، ويعدونه مـثالا يحتـذى، وقـدوة تقـتدى.
    - الازديـاد من العـلم بكـثـرة المطالـعة والجـد فيها والمواظـبة عليـها، ولا يضيع مـن وقته الثمين إلا بقدر ما تتطلبه حقـوق النـفس والزوج والولـد. كـل ذلك ليكون أكثر استعدادا لدرسه وتمكـنا مـن علمه الـذي يـؤديـه.
    - مراعاة القـدرات الذهـنية والمستـويات المعرفـية للـمتعلمين، فلا يثـقل عليهم بما لا تبلغه مداركهم، بل يخاطبهم على قـدر عقولهم، وفي هذا إشفاق عليهم، لئلا يحملهم مـا لا طاقة لهـم بـه. ومن ذلك: تجنبه للتقعـر في الحـديث والإغراب في اللـفظ، وتخيره مـن الـعـبارة أحـلاهـا ومـن الخـطـاب أليـنه.
    - الرفق بالمتعلمين ومعاملتهم معاملة الأولاد، فالمعلم أب لتلامذته أبوة روحية وإن لم تكن أبـوة طينية، يحـنو عليهم ويتلـطف بهـم، مع البشر وطلاقة الوجه والانبساط لهم، بل والصبر على زللهم وغلـظتهم وما قد يصدر عن بعضهم من سـوء أدب، ولا يقـسو أو يغـلظ عليهم إلا فـي الـنادر.
    - العـدل بين تلاميـذه، لا يفضل بعـضهم على بعـض، تأسيسا لمـبدإ العدل الذي نتوخاه في المجتمع، ومن ثم وجبت المساواة بـين الوسيم والدمـيم، والرفيع والوضـيع، والغني والفـقير.. وخلاف ذلـك يملأ نـفوس التـلاميذ الـمفضولين حقـدا وضغـينة عـلى أستاذهم.
    - تجنـيب الـدرس سفـاسف الأمـور واللغـط، ومـا يمكن أن يفـسد الغـاية مـن الدرس.
    - حسـن الهـيأة، فـلا يظهـر بمظهـر المهمل لنفسه، بل يلبس الأنيق ويحرص على الطيب، من دون إسراف ولا مخـيلة، فـذلك أدعى لهيـبته فـي النفوس عامة، وطـلبته خاصـة.
    - تجنب ما يمكن أن يحط من مكانته ويزيل من هيبته، كمزاولة بعض الحرف التي تنقص مـن مروءته، مـما يعرضه لتهـم هـو أرفـع منها ووقيعة بينه وبـين الـناس، لـما تقتـضيه تـلـك الحـرف مـن مـراء ولـدد.
    وبعد، فإن هـذه إلماعـة مقتضبة لبعض مـا أصل لـه عـلماؤنا من آداب ينـبـغي للأسـتاذ أن يتأدب بـها في نفـسه، ونحن محـاويج إلى تلك المعاني الـراقية، نستلهمـها ولا نـزور عنها في يـومنا وحـاضرنا... وإن فعـلنا فإنـا سنحـمد عـواقبها في غـدنا إن شـاء الله.

تنويه: تماشيا مع مبادئ المجلة المرجو التعليق باللغة العربية

فيلوبريس على الفيسبوك

المواضيع الأكثر قراءة

فيديوهات فيلوبريس