الموٌكّار أو الموسم في بلاد سوس وثقافة الاختلاف.


بقلم: الاعرج بوجمعة
  لعبت الزوايا والمواسم "المٌوكّار" دورا أساسيا في تثبيت قوائم النظام المغربي القائم، حتى قيل عن المغرب بلاد "الأضرحة أو بلاد المغرب هي أرض الصالحين والأولياء". وهو ليس حكم قيمة بقدر ما هو ملاحظة ووقفة أركيولوجية تحفر في تاريخ هذا البلد. فمن بين هذه الأدوار التي قامت بها الزوايا نجد الجهاد الرمزي المتمثل في دعاء اللطيف للسلطان،  والدعوة المباشرة في الجوامع إلى الجهاد ومحاربة العدو، فكانت دعواهم عبارة عن قيم وأخلاق تبث داخل الجماعات والقبائل. فظهور هذه الزوايا مرتبط  أساسا بظروف سياسية وتاريخية واجتماعية خاصة، كالفراغات السياسية التي كانت تنتج عن غياب السلطة المخزنية المركزية. إضافة إلى  أدوار كثيرة في المجتمعات المغربية؛ كتفقيه الناس في أمور دينهم من خلال دروس الوعظ والإرشاد، وتلقينهم مفاهيم الطريقة من حيث الأوراد والأذكار التي تميزها عن باقي الطرق الأخرى، بجانب هذه المهام الدينية كانت الزاوية تقدم دروسا في الآداب والحكمة. هذا سينعكس على ثقافة المجتمع المغربي عامة وقبائل سوس على وجه الخصوص. حاولنا في هذه المقالة أن نبين دور الموسم أو "الموكار" باللغة المحلية في سوس وهي اللغة الأمازيغية في ثوبها السوسي والمتمثل في نشر ثقافة الاختلاف. فالاختلاف بمعناه الفلسفي كما دعا له فلاسفة الاختلاف (جيل دولوز، مشيل فوكو، ودريدا..)، أي قبول الآخر كإنسان بغض النظر عن دينه أو عرقه أو أصله الجغرافي أو مرجعيته الفكرية... فقبائل سوس تنشر هذه الثقافة من خلال وجود المواسم وتعددها. فالموسم كثقافة مغربية أصيلة تضرب بجذورها في تاريخ المغرب، له أدوار متعددة ومختلفة على سبيل المثال لا الحصر، مناقشة القضايا والمشاكل التي تعاني منها القبائل والجماعات، ثم يكون بمثابة متنفس للعائلات المنهكة بالأشغال سواء المنزلية أو الفلاحية، فوجود نهر سوس الكبير يعطي ثروة فلاحية كبيرة إلى جانب مصادر أخرى يعتمد عليها الإنسان السوسي كالصيد البحري والصناعة التقليدية وغيرها من الحرف.
  يعتبر الموسم حفلا دينيا يجمع الأشخاص الذين يأتون في بعض الأحيان من مناطق مختلفة سواء من المغرب أو خارجه، لإحياء ذكرى ذلك السيد أو الولي (تغرمت). فالحضور شبه إجباري أي التزام أخلاقي للفرد والجماعة تجاه ذلك الولي لما أسداه لهم من خدمة ولا زال يسدي في نظرهم من قبيل دفع البأس وتحقيق أمنياتهم. فمن خلال حضوري في هذه الأيام لموسم إحدى الشرفيات (لالة تغرمت) بمدينة أكادير وخصوصا بمنطقة التامري، نلاحظ حضورا مكثفا لمختلف الأجناس مما يعني تعدد المطالب والرغبات. فمن بين هذه التجليات تعتقد فتيات هذه المنطقة بأن الذهاب إلى هذا الموسم والتبرك قد يكون فرصة للزواج أو بالأحرى التعرف على شاب، كل الفتيات حتى المثقفات منهن يرتدون اليوم أجمل اللباس ويضعون على وجوههم وعلى شفاههم أحمر شفاه ويقصدون تلك الولية للتبرك منها و طلب تحقيق مقاصدهم. فأنا شخصيا  حضرت هذا الموسم وفي نفسي غاية هي الخروج بمقالة تجسد للغائب ما يقع في بلاد سوس، وهي فكرة لست أنا من ابتكرها فقد سبقني للفكرة عبد الله حمودي الأنثربولوجي المغربي عندما ذهب إلى الحج وعاد ليروي للغائب الطقوس التي تتم في الحج من خلال كتاب له يحمل عنوان " حكاية حج: موسم في مكة".   
   ختاما، يمكن القول إن للمواسم الشعبية اليوم دورا أساسيا يتمثل في نشر ثقافة الاختلاف، وخروج المجتمع المغربي من حظيرة التقوقع والانغلاق إلى ساحة الحوار والتفاهم وقبول الأخر. و هذا لن يأتى إلا من خلال الدفع بمثل هذه المبادرات، لكن في غياب نفحة إيديولوجية تؤطر هذه المواسم. فالتسامح والحوار اليوم يعد أحد الأسلحة الناجحة لنهوض أي دولة طامحة إلى الحرية، إذا كنا كمغاربة لدينا هاجس يحركنا، و هو هاجس التحديث و العصرنة وقبول الحداثة من أجل اللحاق بالآخر (الغرب) وركوب قطار الحداثة.  


تنويه: تماشيا مع مبادئ المجلة المرجو التعليق باللغة العربية

فيلوبريس على الفيسبوك

المواضيع الأكثر قراءة

فيديوهات فيلوبريس