هل أفسد "الإسلاميون" "الربيع العربي"؟




بقلم: محمد بعدي
بعدما بدأ غبار ما سمي بالثورات العربية ينجلي، و غيوم وابلها تنقشع، يمكن أن نبدي ملاحظات، و نحاول الإجابة عن تساؤلات، لعل أبرزها: لماذا فشلت هذه الثورات؟ و إن كان البعض لا يريد أن يصدق فشلها بعد، أو على الأقل يمني النفس بحدوث معجزة تحقق الحلم بالتغيير... و هو أمر يبدو لنا بعيد المنال لاعتبارات سيأتي تحليلها...
عندما انطلقت الشرارات الأولى لما سيسميه الغرب ب"الربيع العربي"... { مفارقة غريبة حقا أن يكون "المولود" عربيا، و من يطلق عليه التسمية غربيا...}، كان ذلك، كما نزعم، نتاجا لتراكمات مرتبطة بالوضعية الاقتصادية و الاجتماعية البائسة التي لم تعد تطاق... لذلك كانت الانتفاضات في بداياتها تعبير عن أن "السكين وصل إلى العظم"... و في أغلب الدول العربية كانت هناك محاولات للتعبير عن قساوة الوضع في مناسبات كثيرة سبقت ما سمي بالربيع العربي... لكنها لم تتخذ هذا الشكل "العام" و العارم، بل ظلت محدودة في الزمان و المكان... مما سهل احتواءها. 
ما لا أشك فيه شخصيا هو أن تلك الانتفاضات فاجأت الغرب من حيث حجمها و زخمها و إيقاعها، و لم يكن مساهما فيها أو مدبرا لها... لكن ما لا أشك فيه أيضا أن الغرب استوعب الصدمة و بدأ الاشتغال على الموضوع، و تحديد مساراته و مآلاته... موظفا الآلة الإعلامية و " الغباء العربي"... أما بالنسبة إلينا فقد فاجأتنا الانتفاضات، لكننا لم نستوعب الذي حدث لأن "العقل العامي" لا يستطيع صنع "ثورة"، و "العقل العالم" الذي يفترض أن يكون قائدا، لم يكن عقلا "واحدا"، و إنما "عقول" متباينة الأهداف و المصالح... من بينها " العقل الإسلامي"، و المقصود به ذلك العقل الحامل لأفكار تستند و تتأسس على فهم معين للدين الإسلامي و الشريعة الإسلامية {و هو عقول بصيغة الجمع أيضا، و ليس واحدا}.
إن إلقاء نظرة سريعة على كيفية تعامل الإسلاميين مع ما سمي ب"الثورات العربية" يمكن من تأكيد ما يلي: في المغرب، نجد التيار السلفي التابع فكريا للوهابية السعودية يتبنى موقف "عدم الخروج على ولي الأمر"، و من جهة أخرى حزب العدالة و التنمية المدافع عن "النظام الملكي"، و الذي لم يساند حركة 20 فبراير، و من جهة ثالثة هناك العدل و الإحسان التي كانت أحد أهم مكونات الحركة و أهم المناوئين للنظام الحاكم. أما في مصر فيوجد أيضا التيار السلفي الرافض للتظاهرات أسوة بالسلفية العابرة للقارات و العقول، ثم "الإخوان المسلمون" المناهضون لنظام مبارك، و الذين يزعم البعض أنهم لم يشاركوا بشكل مباشر، بل بطريقة غير مباشرة عبر الحشد الجماهيري... و قس على ذلك في مختلف البلدان العربية.
نزعم من خلال هذا المقال أن الإسلاميين، أو قل بعضهم، رفضوا بشكل مباشر المشاركة في "الانتفاضات"، أو أنهم، بعضهم على الأقل، تعاملوا بنوع من الانتهازية و تلكأوا في المشاركة في الانتفاضات حتى يتبين الخيط الأبيض من الخيط الأسود من مسار الأمور. بعد ذلك وصل بعضهم إلى السلطة فتوهموا أنهم وصلوا إلى الحكم، فكان هذا أول الأخطاء... و البعض اعتقد أن الله اصطفاه من بين الخلق ليملأ الأرض عدلا و محبة و تنمية.
لم يكن الإسلاميون حاملي مشروع استراتيجي مدروس، يجيب عن الأسئلة الفيزيائية و الواقعية... و مشروع سياسي ذكي يدرك مكامن القوة و مفاصل المصلحة على المستويين الداخلي و الخارجي... بل كانوا أصحاب مشروع قيمي ميتافزيقي يريد معالجة الواقع بالغيب و بالنوايا الحسنة، متناسين الدرس "الماكيافيلي" المؤسس على اعتبار السياسة حلبة للصراع و التنافس الذي تستثمر فيه كل الأساليب... كما لم يدرك الإسلاميون أن الإسلام ليس ملكا لهم وحدهم، بل اعتقدوا أنهم وحدهم "مسلمون"، و أن "إسلامهم" هو الصحيح، بل خلقوا عداءا مجانيا أحيانا مع الغير { "معاداة" الإخوان في مصر لإيران على أساس مذهبي و ليس سياسي مصلحي، و إرسال الجهاديين إلى سوريا من باب "نصرة الأخ" و "الواجب الشرعي" !! و مغازلة إسرائيل من باب الدبلوماسية في الرسالة الرئاسية الشهيرة }.
إن مشكلة بعض الإسلاميين تتجلى في كونهم لم يستطيعوا التمييز بين الولاء للمذهب و الولاء للوطن، و أن الوطن ملك للجميع مهما اختلفت مذاهبهم و حتى دياناتهم، بينما المذهب عقيدة فئة لا إكراه فيه لغيرها... الوطن ليس لصاحب هذا المذهب أو ذاك، هذا الدين أو ذاك... بل هو مسكن الجميع، المسلم و غيره، المتدين و غيره... ما داموا جميعا يسلكون باحترام لبعضهم، و يسعون لصالح الوطن... مشكلة بعض الإسلاميين أن الدين عندهم وسيلة و السلطة غاية، و أنهم يتحالفون مع اللاإسلاميين من أجل السلطة و المصلحة، و يتبرؤون منهم لنفس الأسباب.
ما الذي قدمه الإسلاميون لما سمي ب"الربيع العربي"؟ امتصاص الغضب الشعبي، ضمان استمرارية النظام من خلال إسعافه و مده بالمساعدة اللازمة و في الوقت المناسب، تنقيص الرصيد الشعبي للإسلاميين أنفسهم من خلال غياب الإنجاز الواقعي و من خلال التنازلات للخصوم، و تسويد الصحيفة الأخلاقية للإسلاميين أنفسهم من خلال ربط فترة تمكينهم من السلطة بفضائح أخلاقية {إخوان بنكيران في المغرب... الزيادات، العفو على مغتصب الأطفال، "حفلة القبل"...}. و من جهة ثانية تغيير النظام و التورط في ممارسة السلطة بدل الحكم، و محاولة السيطرة على المجتمع دون تقديم إنجازات تذكر على المستوى الملموس {حالة مصر}، أو قيادة ثورة ـ مغشوشة كما نزعم ـ في سوريا من خلال تحالفات هجينة تنم عن قصر نظر الإسلاميين في سوريا {التحالف مع القاعدة بالخصوص، و بالتالي خدمة مشروع تدميري للدولة و الحضارة و الوطن}...
بكل تأكيد يوجد بين الإسلاميين الكثير ممن يمتلكون حسا وطنيا رفيعا، و لديهم استعداد صوفي لبناء أوطانهم... لكن مشكلة بعضهم أن عقولهم مغلقة، و سلوكاتهم إقصائية، و يعتبرون أنفسهم الأتقى و الأنقى و الأبقى و الأرقى... و يعتقدون أنهم الأقدر على فهم النص الديني و تأويله و تطبيق مضامينه... و أنهم "الفرقة الناجية"... و يعتقدون أن غيرهم على خطأ دائما...
مقالات أخرى للكاتب:

تنويه: تماشيا مع مبادئ المجلة المرجو التعليق باللغة العربية

فيلوبريس على الفيسبوك

المواضيع الأكثر قراءة

فيديوهات فيلوبريس