المغرب بين هاويتن..



بقلم : يوسف عشي

المغرب بين هاويتن..

نشهد في المغرب اليوم إحدى المحطات التاريخية المكررة، حكومة تنكوي بوهج بريقها وعظم تمثلات داعميها، ومحورية اللحظة التاريخية التي تأتي فيها. وشعب يحبط المرة تلو الأخرى.. بدأ الأمر مع المرحوم الحسن الثاني حين توافق مع زعيم اليسار العتيد السيد عبد الرحمان اليوسفي فيما سيصطلح على تسميته بحكومة "التناوب التوافقي".. تهلل الشعب وسالت قريحة الأقلام والتحليلات عن الخطوة الخارقة والخلاقة والتقدم العظيم والمبجل في المغرب. وعن ريادة المغرب السياسية على مستوى العالم العربي والعالم الثالث بأوسع مدى..
فكانت حكومة السوبر يسار التي انتظر منها المغاربة ما كان اليسار يصدع به رؤوسهم في الأزقة والشوارع كلما اقترب موعد انتخابي، وكلما رأوا نقلا تلفزيا لبعض جلسات البرلمان..
شكلت حكومة التناوب التوافقي، فعلا لحظة لتناوب، بشكل ما، على السلطة. أو لنقل جزء من السلطة، مع وجود الحكومة الموازية أو كما يحلو للبعض تسميتها بحكومة الظل. كما شكلت توافقا بين القصر واليسار الذي قبل بحكومة إلا ست وزارات نعتت بالسيادية، بعد رفضه فيما مضى لحكومة إلا 3 وزارات سيادية، في توافق غريب في شكله وأطواره بتصريح ممن ينتمون إليه (عبر عن ذلك السيد محمد الساسي في لقاء مفتوح مع طلبة حي جامعي بالرباط آنذاك).. وانتظر الشعب كعادته- فعلى الأقل هو يجيد الانتظار - تحقق الآمال العريضة والمبهجة.. لتكون الصدمة والفاجعة في فشل حكومة الذين لم يجربوا من قبل، والذين يجرون معهم تاريخا طويلا من المعارضة والمنع والنضال والسجن..
كانت المحصلة أقل مما يدعو إليه تالكوت بارسونز في ما أسماه بالمحصلة السلبية، فمحصلة هذا السوسيولوجي العتيد ترتبط بتوزيع السلطة وكونها سلبية يعني توزيعا عادلا للسلطة،وكأننا نتحدث عن محصلة سلبية للسلطة "إيجابية"، أما المحصلة السلبية للحكومة المسماة بالتناوب التوافقي فلم تهم السلطة، بل شملت الأداء الحكومي الباهت وخيبة الأمل والرجاء والحصرة والغبن الذي شعر به المواطنون بعد تأملهم خيرا في حكومة جديدة من( المناضلين) ستليها فيما بعد حكومة تكنوقراط في حركة ردة، أو لنقل في انتكاسة حكومية، وفشل صارخ للتجربة التي انتظر منها الكثير..
واليوم أيها السادة المواطنون، أيها الشعبويون، أيها الحالمون بمغرب الغد، مغرب العهد الجديد، مغرب القرن الواحد والعشرين.. أيها التعساء "المزاليط" كي لا أقول الفقراء سياسيا.. نشهد المشهد يتكرر. وربما يصح أن نغير فقط لفظ ال"يسار" في التجربة الآنفة الذكر بلفظ ال"يمين" مع بعض التحفظ.. فاليمين هو صاحب نصيب الأسد في الحكومات التي تعاقبت وعاقبت الشعب المغربي على جهله، وقلة فهمه في السياسة. حتى صار الكلام في السياسة لدى العموم جرما خطيرا.. فالسياسية لأصحابها ولهم أن يفعلوا بالشعب والبلد ما يشاؤون وما على الشعب سوى دفع الفواتير في صمت ذليل.. نحن نتحدث عن يمين من نوع آخر يشتق اسم يمنه من "الكتاب" نظرا لقربه أو ادعائه الإيديولوجي إنه اليمين على وزن قول رب العالمين" أصحاب اليمين" لكن بتحريف في المعنى.إننا نقصد هنا باليمين مرجعية اليمين، وليس مآل أصحاب اليمن، الذي نتمنى جميعا أن نكون منهم يوم الدين.. إذن أصحاب المرجعية القائلة باليمن، والمتصلة بالكتاب والسنة، أصحاب التوجه الإسلامي دون أن نقول الإسلاموي.. الذين يتخذون الإسلام كما يصرحون أساس المرجعية السياسية لحزبهم الذي يدعي العدالة والتنمية، وإن كان وزيرهم في العدل مثار الجدل.. أما التنمية فربما يقصد بها تنمية كوكب آخر.. حيث نرى ابسط شروطها وأبخسها يكاد ينمحي من عمل هذه الحكومة التي أيضا طال انتظار المغاربة لها على اعتبار أن هذا الفصيل السياسي الإسلامي لم يجرب بعد وربما وجدت عنده الوصفة الناجعة للبلد..
وكما فجع الشعب بالذين لم يجربوا في الحالة الأولى. هاهو يعيش فاجعة أخرى. ولم يمض بعد نصف عمر هذه الحكومة.. بل ربما حققت هذه الحكومة إنجازا وحطمت أرقاما قياسية.. كأول حكومة ترفع الدعم جزئيا المرة تلو الأخرى عن أصعب المواد المدعومة.. ربما استحقت هذه الحكومة لقب "الرافعة" ليس لرفعها من المستوى المعيشي للمواطن بل لرفعها لنسبة السكر لا في الأسواق بل في دماء الشعب المغربي، من جراء توالي الزيادات في السعار، عفوا، في الأسعار.
حكومة السيد عبد الإله بنكيران التي ولدت ميتة، أو على الأقل عرجاء.. في تحالف هجين يخلط الحابل بالنابل أدى إلى تصدعها بقوة وترنحها، هاهي تعيد الكرة على نفس المنوال في توقيع علني على صك وفاتها سياسيا. وخنقها للبلد اقتصاديا..  
هذه ضريبة أخرى يؤديها الشعب نتيجة لجهل أغلبيته أولاً بقواعد اللعبة السياسية، ولتعامله بالعاطفة مع المشهد السياسي ثانيا، وثالثا لتعامله وفق النظرة الاجتماعية انتظارا للدعم ممن هو أصلا يحتاج للدعم.. الحكومة اليوم حسب تصريحات السيد بنكيران في حاجة لدعم المواطن، فالوطن يعيش "أزمة اقتصادية". نظيف نحن أو نصحح "أزمة أخلاقية" .. فالأمور انقلبت.. من كان يعد المواطنين بالدعم الاجتماعي والاقتصادي والشغل والصحة والعدل والتعليم.. أصبح هو من يسحب أموال الدعم من صندوق المقاصة ويترك للمواطن مهمة التعويض.. فالمواطنون أصبحوا في سعة كي يتحملوا عبئ الدولة.. إذ لا تكفي الضرائب بمختلف ألوانها وأشكالها التي يتزايد ريعها بتزايد الأسعار.. خصوصا في المواد الأساسية التي لا غنى للمواطن الضعيف قبل الغني عنها يوميا..
لا يكاد المواطن يرفع رأسه من جراء ضربة غمسته في أعماق بحر هموم صعوبة الحياة في هذا البلد السعيد وارتفاع تكلفتها، حتى تنهال عليه حكومة السيد بنكيران بصفعة أخرى.. وقد شكلت تالي الصفعات وربما لن تكون آخراها.. زيادة العمل بالساعة الإضافية الصيفية  التي أصبحت في نسختها المغربية خريفية أيضا. والتي  أنهكت أسفل طبقات المجتمع قبل أوسطها دون أن تعنى أعلاها في شيء (فهى لا تؤدي فواتير الكهرباء أصلا إلا لماما)، إلى الحد الذي جعلت البعض يصاب  بالفصام. وإلى الدرجة التي تسمع فيها سيدة لا علاقة لها إطلاقا لا بالسياسية ولا بمتابعة الأخبار حتى.. تنهال بوابل من السب والشتم والدعاء على بنكيران بأسواء ما يتخيل.. عند تفاجئها بتمديد العمل بهذه الساعة المشئومة كما تقول لشهر كامل.
نقول أن بنكيران خيب ظن الشعب.. ليس لأنه يريد ذلك، وإنما لأنه يواجه العفاريت والتماسيح.. ونحن حين نقول ذلك لا نستهين بهول المسؤولية المرماة على عاتقه.. كما أننا لا ندعي سهولة إيجاد الحلول لبلد عانى لسنين طويلة من الفساد.. كما أننا  لا ننتظر منه أن يصلح ما أفسد لعقود.. لكننا نحاسبه على قتل حلم شعب في زمن الربيع العربي، ظن أن ربيعه لن يصبغ باللون الأحمر.. وإنما ستنيره الألوان البراقة الزاهية. لأن من لا يعرفون الفساد، والذين يحاربونه تولوا السلطة..ولأن رئيس الحكومة في النسخة الجديدة الجميلة من الدستور المغربي منح أو أضيفت له صلاحيات جديدة..
 رئيس الحكومة الذي تعهد أنه سيخبر المواطنين بكل شيء، وصرح أنه سيرمي بالاستقالة إذا ما كانت هناك أي محاولة لإملاء القرارات عليه.. رئيس الحكومة الذي يعرف البلد جيدا ويعرف حجم المسؤولية التي هو مقدم على تحملها.. رئيس الحكومة الذي حمل لواء الربيع العربي .. رئيس الحكومة هذا.. ليس له الحق في خذلان الشعب المغربي.. ولهذا نحمله المسؤولية..
 ولكن.. ما العمل إذا كان الرجل عاجزا..وغير قادر؟.. تساءلنا في مقال سابق.. فاقد الشيء هل يعطيه؟.. الجواب متروك لكم.. وله أيضا..   




تنويه: تماشيا مع مبادئ المجلة المرجو التعليق باللغة العربية

فيلوبريس على الفيسبوك

المواضيع الأكثر قراءة

فيديوهات فيلوبريس