بقلم: حساين المامون
لا يمكن
فصل الممارسة
الفلسفية داخل
المؤسسة التربوية
و الجامعية
و غيرها
من المؤسسات
بكل أنماطها
في ثقافتنا
عن مختلف
استراتيجيات التمثلات
الاجتماعية والثقافية و
بنياتها، فالثمتل
ثم توجيهه
بشكل جعله
مناهضا للفعل
الفلسفي، و
مجانبا للفلسفة
مجانبة تامة
باعتبارها فعلا
أقل ما
يوصف به
أنه فعل
عقلي حر
.
واذا
كانت الفلسفة هي
موقف نقدي
تجاه كل
الخطابات التي
تقدم نفسها
على أنها
خطابات تنص على
الحقيقة، وما
تحققه من
انقلاب أنطولوجي
يقوم على
تنشيط روح
البحث القلق،
و أشكلة
أنظمة إنتاج
المعنى، وإعادة
بناء و
صياغة المفاهيم
باعتبارها فن ابداع
و إنشاء
و المفاهيم
كما يقول دلوز أي أنها فعالية
مفاهيمية نقدية
بالأساس .ورغم
الأهمية القصوى
للفلسفة فإنها
تتراجع باستمرار
في ثقافتنا
العامة ، و
يتم الحد
من تدخلها
باستمرار في
تفكير القضايا
المختلفة التي
تنتجها حركية
المجتمع و
صيرورة الفاعلين
، و
أكثر من ذلك
فإنها لازالت
تأخذ صفة
الشبهة التي
يجب التبرؤ
منها ، فهي
خطر على
العقل و
تشكيك في المعتقد
، و جدل
لا طائل
من ورائه
ولا نفع
فيه.
و
من بين
الأسباب الاساسية
التي تجعل
الخاصة قبل العامة يتخوفون من الفلسفة
هو مناهضتها
من قبل
التمثلات العامة والحس المشترك بكل
أنماطه ،فهي مسيجة بتمثل
معاد لها
يحد من
فعاليتها، و
يبلور حسا
مشتركا يسخر
من الفلسفة
ومن المشتغلين
بقضاياها.فالتمثل
الديني، و
التمثل السوسيولوجي
أو الشعبي،
و التمثل
السياسي، و
الثمتل العلمي،
مناهض لكل خطاب
فلسفي حقيقي
ينأى بنفسه
أن يتحول
إلى خطاب
إيديولوجي خادم
لأغراض سياسية
أو فئوية
.
وعليه
فإن التأسيس
للفعل الفلسفي
في مؤسساتنا
التربوية بشكل
خاص و
ثقافتنا بشكل
عام يتطلب
التفكيك التدريجي لبنيات التمثل
و إستراتيجياته،
و الكشف
عن مضامينه
و طريقة
تشكيله ، وكيفية
اشتغاله من
أجل الوعي
بحجم فعاليته
،ودوره في
تشكيل الصور
و الأحكام
المتحكمة بطريقة
تفكيرنا ،وحكمنا على
الأشياء و
إنتاج رؤية للوجود
و الإنسان.
ولأن
الفلسفة كما
قال فريناند
ألكييه في
كتابه "معنى الفلسفة":"وحقا فإن
الفلسفة في
عصرنا هذا
تهاجم من كل
النواحي، و
هي تهاجم
على مستوى
المعرفة من
قبل العلماء،أو
على الأصح،
من قبل
أشباه الفلاسفة، الذين
يريدون أن
يردوا كل
نشاط عقلي
إلى النموذج
العلمي، وهي
تهاجم من
ناحية الجدوى
والفائدة من
قبل رجال
التقانات الذين
يرون أنها
لا تزيد
سلطاننا على
العالم في
شيء، و
هي تهاجم
أيضا من
الوجهة السياسية،
من قبل
بعض العقول
الرجعية التي
تخشى ما
قد ينشا
من محاذير،إذا
أخضعت المشكلات
القائمة للنقد
الحر،ومن قبل
بعض الثوريين
الذين يلومونها
على أنها
تلهينا عن
المهام الاجتماعية
أو أنها
تتحول إلى إيديولوجيا
تخدم نظاما
معينا، أو
طبقة معينة"ويمكن
أن نضيف إلى
كل أشكال
الهجوم هذه،
هجوما أكثر
شراسة على الفلسفة،
وهو هجوم
بعض المواقع
الدينية المتطرفة
التي ترفض
الفلسفة قلبا
وقالبا وتكفر
المشتغلين بها،
بحجة أنها
تشوه المعتقد
وتهز الإيمان.
إننا
نعتقد أن
خلف كل
هجوم على
الفلسفة سواء
العلمي، أو
التقني، أو
السياسي، أو
الديني يقبع تمثل
سلبي مناهض
للفلسفة، تصور
أرثوذكسي يرفض
النقد والمراجعة،وعليه
فإن المدخل
إلى تجاوز
هذا الانسداد
أمام الفلسفة،هو
كيف نموضع
التمثل في
موقع الخادم
والمساعد للفعالية
الفلسفية وليس
المناهض لها،لأن
الناس يخضعون
في الكثير
من الأحيان
إلى الصور
المشكلة لتمثلاتهم
أكثر من
خضوعهم للاستدلال والمنطق
ومفردات الواقع
المادي .
وعليه
كيف يمكن
فك هذا
الارتباط النكد
بين التمثل
و الفلسفة
؟ أو
بالأحرى ما
السبيل إلى
إعادة إنتاج تمثل
خادم للفعالية
الفلسفية ، يساهم
في تغلغل
الروح الفلسفية
في المجتمع
بكل طاقاته
و مؤسساته
و أنساقه،
مما ينتج
ثقافة اجتماعية
قوامها النقد
و الاشكلة
بدل الوثوقية
و الدوغمائية
، جوهرها
الحوار و
السجال والعقلانية
بدل الأبوية
و الفوقية
و الأسطورة،
لان الفلسفة
لا تنمو
إلا بتوفر
الحامل الثقافي
و الاجتماعي الكفيل
بانبثاقها و
تطورها ، و
ذلك يعني
البحث في
الأطر الاجتماعية
و الرمزية
و الثقافية
للتمثلات.
كانت
الفلسفة ولا
تزال ضحية
التمثل الديني
،وما تاريخ
الصراع بين
الحكمة والشريعة،و
الصدام بين
النقل والعقل
،إلا أكبر
دليل على
هذا الصراع،هذا
التمثل الديني
الأرثوذوكسي يعود
إلى الفتوى
المشهورة لابن
الصلاح الشهر
زوري والذي
رد على
من سأله
: هل أتاح
الشارع الاشتغال
بالمنطق تعلما
أو تعليما
،وهل يجوز
أن تستعمل الاصطلاحات
المنطقية في
إثبات الأحكام
الشرعية ؟ فأجاب
: " الفلسفة
أساس السفه
والانحلال ومادة
الحيرة والضلال
،ومثار الزيغ
والزندقة ،ومن تفلسف
عميت بصيرته
عن محاسن
الشريعة المطهرة...وأما المنطق فهو
مدخل الفلسفة،
ومدخل الشر
شر، وليس
الاشتغال بتعليمه
مما أباحه
الشارع، ولا
استباحه احد
من الصحابة
والتابعين والأئمة
المجتهدين والسلف
الصالح......ومن زعم
انه يشتغل
مع نفسه
بالمنطق والفلسفة لفائدة
يزعمها فقد
خدعه الشيطان
ومكر به"
وهنا
نلاحظ أن
التمثلات المهيمنة
على خطاب
هذه الفتوى
هي تمثلات
سلبية السفه
،الانحلال ،الضلال ، العمى،الشر
،الخداع ، الشيطان....وصور
هذا التمثلات
هي صور
يعاد تنشيطها
باستمرار منذ
زمن ابن
الصلاح إلى اليوم
، وهو
المتخيل المتلاعب
به والموظف
من عدة
أطراف قد
تكون سلطوية
أو دينية
غير مستنيرة،
ولعل هذا
ما يفسر
لنا الصورة
الساخرة او المريبة لمدرس الفلسفة لدى العامة أو حتى لدى بعض المتعلمين من قبيل
"هبيل"و "ملحد"و "كافر" و"مول
الفلسفة الحمق" و"الزنديق"...
فالتمثل
الديني يجيش
العداء للفلسفة
باعتبارها من
العلوم الدخيلة
في الماضي،
ومن نتاج
الفكر الغربي في
العصر الحديث،
وإذا كانت
في الماضي
حيرة وزندقة
فهي اليوم
شر فكري
وزيف إيديولوجي
مضر.
فالتمثل
الأرثوذوكسي متخيل
مغلق من
الناحية المعرفية
، يقوم
على أحادية
الحقيقة ، ويرفض
كل أشكال
التعددية الإيديولوجية
والثقافية المنتجة
للحوار العقلي
النقدي المنفتح،
ولذلك نجد
هذا التمثل
يشدد على أهمية
الخلافات الموجودة
بين الفلسفة
والدين ، وأنه
لا مجال
للخلط بينهما،
والرفض المستمر
والدائم لكل محاولة
توفيق أو
مصالحة بينهما.
لان
الدين يقدم
نفسه دائما
على انه
نظام من
الاعتقاد واللااعتقاد
: أي نظام
يشمل مجموعة
من المعتقدات والحقائق
الأساسية وينفي
ما عداها
، ويقدم
نفسه على
هيئة الحقائق
التي لا
يمكن تجاوزها.وبهذه الكيفية
فانه يضاد
– أي
التصور الديني
الأرثوذوكسي – كل فعالية
فلسفة تساؤلية،
لان الخطاب
الفلسفي لا يتطور
إلا من
خلال الانفلات
من أسوار
العقلية الدوغمائية،
وأغلال الأرثوذكسية
التي تقدم
نفسها على
أنها أنظمة
كاملة لإنتاج
الحقيقية، ومسالك
مأمونة لبلوغ
اليقين.
لا
يمكن تفكيك
بنية التمثلات
حول الفلسفة بدون
إبراز الحامل
الاجتماعي لها،وتوضيح
الوظائف الإيديولوجية
المنوطة به،لأنه
لا يمكن
الفصل بين
التمثل والفئة
الاجتماعية،كما لا
يمكن فهم
الفئات الاجتماعية
بدون فهم
نسقها الاجتماعي
المنتج لتمثلاتها
، فالدلالات
والصور قد
تشكل المحرك
الديناميكي والفعال
للمجتمع أكثر
بكثير من الشروط
الثقافية.
وكثيرا
ما يجد
هذا التمثل
أي- السوسيولوجي
- سنده في
التمثل الديني، ويرتبط
التمثل الاجتماعي بالفاعلين
الاجتماعيين الساعيين
إلى السيطرة
على الساحة
الاجتماعية، وهو
عبارة عن
تركيبة ديناميكية مؤلفة
من التصورات
المهيمنة مع
دعامات وجودية
متكررة ،وهو يتغذى
من الخطاب
الإيديولوجي الذي تنتجه
الفئات الاجتماعية
المتنافسة من
أجل الهيمنة
على الرأسمال
الرمزي ، أي على
القيم المحورية
التي تحدد
هوية كل
فئة من
الفئات الاجتماعية
(مدرس الفلسفة كمحرض على التغيير والنقد والمساءلة للواقع السياسي
والاجتماعي والثقافي).وهذا مايجعل
"أل" مالكي وسائل الانتاج مناهضين
للفلسفة كفعل
نقدي معرفي
وليس غرضها
الهيمنة على
الساحة الاجتماعية.
كما
أن التمثلات
الشعبية لدى الحس العام أو المشترك
تتداخل مع
العقائد والموروثات
من عادات
وتصورات ، وتضفي
مشروعية على وجودها
من خلالها
، وذلك
عكس الفئات
المستنيرة التي
تجعل وظيفتها
الأولى في
نقد تلك
الموروثات الثقافية التي
تشكل بالنسبة
لها نوعا
من العقبات
التي يتطلب
تجاوزها، ويهدف
التمثل الشعبي
في تحالفه
مع المتخيل
الديني ،حسب طيب
تيزيني " إلى إنهاء
الحامل الاجتماعي
والسياسي للخطاب
النهضوي التنويري من
خلال تحالف
النظام السلطوي
وبعض فئاته
التي تدعي
التنوير مع
فئات غير
عقلانية ، وهذا
الأمر أنتج أطروحة
مركبة تقوم
على المقابلة
بين الفلسفة
والدين على
نحو تظهر
الفلسفة فيه شيطانا
يسعى إلى
التهام الدين
".
لان
جماهيرنا غوغاء بالوراثة
وإذا عقل
بعضهم كان
ذلك قبسا
دخيلاعلى طبع
أصيل، الصور
التي تشغل
الوعي الجماعي
في ثقافتنا
هي صور
وجدانية عاطفية
خيالية أسطورية وليست
عقلانية أو
نقدية.
وبالتالي
فان التحالف
بين التمثل
الديني والتمثل
الشعبي والتمثل
السلطوي ، أو
تجلياته السياسية
والدينية والاجتماعية
تشترك في
محاولة طمس
الممارسة الفلسفية
، مما يجعل
الفلسفة في
ثقافتنا تدخل
في أزمة
حادة تكاد
تصل إلى
نفق مسدود
، فالتبشير بتغيير
الواقع المغربي
عبر التمكين
للفلسفة - في
عقلانيتها وتاريخيتها
وحداثتها وتنويرها-
ضمن
الجمهورالمتعلم ، وخصوصا
ضمن الفئات
والطبقات التي تعيش
على حد
السيف أصيب
بإحباط هائل
، وانتهى
إلى ما
يشبه الدعوات
الطوباوية التي
لا يكاد يصدقها
أحد.
وهذا
يقودنا إلى
وضع اليد
على سوسيولوجيا
فشل الفكر
العقلاني ، لان
الفكر الفلسفي
ليس فكرا
ميتافيزيقيا ، بل
يعكس الطلب
المعرفي لطبقة
اجتماعية معينة
، طبقة
تؤمن بقدرة
الإنسان ، و
تضع ثقتها
في عقله
، و تراهن
عليه كأداة
للخلاص من
الجهل و
الفقر و
العنف و
التخلف.
إن بحث
العلاقة بين
الفلسفة و
التمثلات يقودنا
إلى التعمق
في دراسة
فشل العقل
الفلسفي في ثقافتنا
، لان
تجييش كل
أشكال المتخيل
ضد الفلسفة
في الثقافة
الشعبية يندرج
ضمن سيكولوجيا
ثقافية تتحكم
فيها التمثلات
السلبية ، و
عليه فان
بحث جينيالوجيا
نشأة هذه
التمثلات و
التصورات التي
تؤطرالمتخيل و
تفكيكها و
مراجعة مسلماتها،
و إعادة
إحيائها في
أشكال جديدة
قد تشجع
على التفلسف
و التفكيرالنقدي
الحر ، لان
التوجه الجديد
اليوم في
دراسة التمثلات
ليس فصلها
عن الفلسفة و
إنما إعادة
بناء العلاقة
بينهما، من
خلال تشكيل
تمثل
خادم للفلسفة
و مشجع
عليها، و
لعل نقطة
البدء في
ذلك يكون
من خلال
التفكير في
بيداغوجيا تربوية
و ثقافية
و تعليمية
تؤطر التنشئة
الاجتماعية بالارتكاز
على قيم
العقل و
المنطق ، و
النقد و
الحوار والمراجعة
، و
تجسيد ذلك
في البرامج
التربوية و
التعليمية المشجعة
على الحرية
و السؤال
و كل
ما من
شانه أن
ينتج العقل
المفكر و
الشخصية المتفلسفة.
تنويه: تماشيا مع مبادئ المجلة المرجو التعليق باللغة العربية