أنت إسباني: اغتصب ... و فز بعفو ملكي !!





بقلم: محمد بعدي


قضية العفو الملكي عن الاسباني مغتصب الأطفال، قضية مثيرة حقا لأنها حركت المشاعر الراكدة، و أيقظت العواطف النائمة و ستفتح نقاشات عديدة تبدأ بما هو قانوني  و لا تنتهي عند ما هو اجتماعي. على المستوى القانوني نجد أن الدستور يمنح الملك صلاحية إصدار عفو عن السجناء سواء من حيث تخفيف العقوبات أو إلغاؤها... و يعتبر ملف العفو الملكي من الملفات التي تسيج بسياج أحمر، لكونه ملف تتداخل فيه إدارات و إرادات مختلفة و متشابكة تنتهي باللائحة التي يوقع عليها الملك... أما كيفية إعداد اللوائح و شروط الاستفادة من العفو و خبايا و حيثيات العملية برمتها فلا يعلمها إلا الله و الراسخون في العلاقات الزبونية... على هذا المستوى القانوني نجد ملكا يمارس صلاحياته بحكم الدستور. بالمقابل نجد ردود أفعال تتوزع بين الإنساني {الانفعالي العاطفي و الأخلاقي}، و السياسي... بالنسبة للموقف الإنساني فلا يمكن أمام إطلاق سراح وحش مجرم إلا القول اللهم إن هذا منكر، إذ لا يمكن لمن يملك ذرة إنسانية ألا يدين هذا الإجراء. أما بالنسبة للموقف السياسي فالأمر يحتاج إلى فهم أولا، خصوصا بعد قول الناطق الإعلامي باسم القصر الملكي الإسباني: "الملك خوان كارلوس تدخل لصالح معتقل واحد في قضية الاتجار الدولي في المخدرات لأنه مريض وتجاوز الستين من العمر، أما الباقون فلا علم لنا بهم". إذا صح الأمر تصبح الكرة في ملعب القصر الملكي المغربي، خصوصا و أن العفو شمل لائحة تضم 48 سجينا... لماذا لم يتم الافراج عن ذلك المعتقل الواحد الذي يتحدث عنه الناطق الاعلامي الاسباني فقط؟ هل تدبير اللائحة كان بهدف تمرير إسم مغتصب الأطفال دون ضجيج؟ و لماذا لا تشرح لنا وزارة العدل و الحريات مكمن المصلحة الوطنية في العفو عن هذا المجرم؟
من جهة أخرى: لماذا نعالج دائما النتائج؟ و لماذا لا نعالج المسببات؟ هؤلاء الذين تم اغتصابهم: من هم؟ ما  الشروط و الظروف التي جعلتهم عرضة للاغتصاب؟ ألا نجد يوميا عشرات الشباب و الشابات ممن تحتضنهم الزوايا المظلمة في الأزقة المظلمة، أو وراء أغصان الأشجار أو في بعض الأماكن المهجورة...؟ ألا نجد في شهر التراويح من الشباب من لهم تراويحهم و طقوسهم الخاصة المرتبطة باقتناص اللذات دون مراقبة و لا محاسبة؟ ألم يصل الاغتصاب إلى قلب المؤسسات التربوية؟ ألا يرسخ الإعلام اللاوطني منظومة قيم غريبة تحتفي بالجسد و تطبع مع الانحراف؟ ألا نجد مثقفين و إعلاميين و فنانين ـ باسم الحرية و/أو معاداة الاسلاميين، يدعون إلى الحرية الجنسية و يرضونها للأخوات و البنات و حتى الأمهات...؟ عندما تقدم المؤسسات ـ كل المؤسسات ـ استقالتها ينبغي أن ننتظر الأسوأ: على مستوى الأسرة جرائم زنا المحارم أصبحت ظاهرة و لم تعد سلوكا فرديا نادرا، أما على مستوى المؤسسة التربوية فحدث و لا حرج من الابتدائي و حتى الجامعي اغتصابات بالجملة، و هتك أعراض و انحراف و عهر... بحيث لا يمكن أن يمر يوم دون أن تقرأ أو تسمع خبرا متعلقا بالاغتصاب أو هتك الأعراض...
إن العديد ممن انتفضوا ضد العفو ـ الذي ينبغي أن يكون مرفوضا ضرورة ـ يتحركون وفق إيقاع سياسي و وفق حسابات انتخابية و ليست وطنية، حتى أن البعض يحمل الحكومة المسماة ظلما ب"الإسلامية" المسؤولية، و كأن وزير العدل و الحريات هو الذي اغتصب الأطفال أو أصدر العفو عن مغتصبهم... حتى أن منهم من اتهم الاسلاميين بالانشغال بالاعتكاف في العشر الأواخر من رمضان عوض الخروج ضد قرار العفو !!! عجبا لهؤلاء القوم، ينظرون للاأخلاق، و عندما تكون النتيجة ما نرى من اغتصابات و انحراف... تراهم ينددون و يركبون موج الدفاع عن القيم، و يدينون ما صنعوا بأيديهم. و الغريب ان أغلب هؤلاء لا تهتز مشاعرهم لاغتصابات أفدح يتعرض لها الوطن بكامله من خلال سياسات عبثية على مستوى التعليم و الإعلام و الصحة و القضاء... و هلم اغتصابا.
أكيد أن ما حدث لن يمر مرور الكرام و ستكون له تداعيات، بعضها واقعي بحكم أثر القرار على مستوى الشعور الجمعي، خصوصا و أن الجريمة نكراء بكل المقاييس، و المجرم أجنبي و الضحايا مغاربة... و بعضها الآخر سيخضع للتوظيف السياسي من طرف بعض الانتهازيين الذين يستثمرون في الأخلاق و القيم و هم أبعد ما يكونون عنها. لكن ، على كل حال، يبقى ما يحصل وصمة عار في جبين المملكة الشريفة، و سيكتب التاريخ بمداد من الذل و الحقارة أن إسبانيا اغتصب أطفالا مغاربة... ففاز بعفو ملكي !!!

مقالات أخرى للكاتب:
من "الانتقال" الديموقراطي إلى "الانتقام" الديموقراطي
"التلوث" السياسي في الوطن العربي
موازين... طريقنا إلى التقدم!!
"الشباطيزم" أو فلسفة العبث السياسي
جهاد النكاح أو الدعارة الحلال
الأسد و الضباع
الفيديو كليب و إدماج المرأة في التعرية
الكفاءة التربوية و فلسفة التخلف السياسي
لأجل نيني : أما آن لهذا الفارس أن يترجل؟
المعرفة بين " الداودي " و " الداودية "
أعداء العربية
ماذا خسر المغرب بوفاة الشيخ ياسين؟




تنويه: تماشيا مع مبادئ المجلة المرجو التعليق باللغة العربية

فيلوبريس على الفيسبوك

المواضيع الأكثر قراءة

فيديوهات فيلوبريس