يوميات " مكلف بالحراسة" في امتحانات البكالوريا { 8}


حفلة من غش 
بقلم: محمد بعدي
يوجد أشخاص لا تحتاج كثير وقت كي تشرع لهم أبواب و نوافذ قلبك، أشخاص تكفي النظرة الأولى كي يكون الطريق إلى قلبك ملكي بالنسبة إليهم... يمتلكون ذكاء عاطفيا و اجتماعيا نادرا، و يمتلكون رأسمالا من الطيبوبة و الأدب لا يقدر بثمن، يبتسمون حتى و لو كانوا يحملون كل هموم الدنيا، يخجلونك بتواضعهم...
من بينهم زميلي الذي شاءت الصدف أن يشاركني الحراسة ذلك المساء... انتابني إحساس بأن هذا المساء سوف يكون ممتعا... كان زميلي قبل انطلاق الحصة المسائية يطلب من التلاميذ بروح مرحة أن يلتزموا و أن يضعوا الوثائق قرب السبورة، يتكلم بنبرة هامسة غير أن صوته يلقى الاستجابة، و دون أن يبدي أحدهم تبرما أو امتعاضا... ربما أتكلم بلغة ميتافزيقية إذ أقول أنه يوجد هنالك أشخاص منحهم الله "بركة" ما ليكونوا محبوبين قريبين من القلوب... و تكون معاشرتهم متعة و رفقتهم كنز.
وزعنا أوراق الامتحان، و أخذ كل واحد منا مكانه. إحدى التلميذات طلبت من زميلي الذي كان قريبا من مكان جلوسها أن تأخذ شيئا ما من محفظتها الموجودة قرب السبورة، أذن لها، غير أنها قبل أن تصل إلى مرادها سقطت من تحت قميصها ورقة من تلك التي تستعمل للغش، حاولت أن تتجاهلها، غير أن صديقي قال لها: خذي نقودك يا أبنتي. توقفت و مدت يدها لتأخذ ورقتها، لكن ورقة أخرى سقطت، ثم ثانية و ثالثة و رابعة... تسمرت في مكانها و هي غارقة في خجلها... طلب منها صديقي أن تعود إلى مكانها و تترك الوضع كما هو إلى حين حضور الشرطة و سيارة الإسعاف... بينما انخرط بعضهم في موجات ضحك... خاطبهم صديقي: لا تضحكوا... ف"راعي الغنم عندما يسخر من راع آخر، يضيع نعاجه" ...
لم تمر سوى نصف ساعة تقريبا، كنت قرب الباب، غير أنني وجدتني متوجها صوب آخر تلميذ في آخر صف... دنوت منه و مددت يدي نحوه و كأنني متأكد من أنه يخفي شيئا ما لأقول له هات ما عندك، استغربت عندما مد إلي بالفعل ورقة صغيرة مطوية بعناية، و هو ينظر إلي باندهاش و عيناه تتساءلان كيف تمكنت من ضبطه متلبسا.. أخذت الورقة و أنا غير مصدق أيضا، و متسائلا في نفسي: كيف يحدث هذا؟ خطوت ثلاث خطوات مبتعدا، غير أنني استدرت بسرعة لأجدني بجانبه مرة أخرى.. بنفس الطريقة مددت يدي نحوه و كأنني أقول له هات ما عندك، صدمنا ثانية معا عندما مد إلي بالفعل ورقة أخرى صغيرة مطوية بنفس الطريقة.. لم نفهم ما يحدث.. لأنه في لمح البصر عوض الورقة بأخرى، و قبل أن يرتد إليه طرفه كشفته، و إن كان الأمر صدفة... نظرت إلى الذي يجلس أمامه، و أنا اختبره و أقرأ ما بين سطور محياه... نظر إلي ثم أطرق... و بحركة واثقة مددت يدي نحوه هو الآخر... تفاجأت عندما مد إلي ورقة كانت في "كمه"... ضحك الأخير في الصف المقابل، فتوجهت نحوه هو بدوره و قلت بنبرة حازمة: هيا اعطني أنت أيضا تلك الورقة... فإذا به يسحبها من وسط ورقة التحرير و يضعها خجلا بين يدي... كان الإمر مثيرا للانتباه إلى حد أن كثيرين توقفوا و بدأوا يتابعون السيناريو... تنقلت بين صفين لم أمد يدي إلى أحد دون أعود خاوي الوفاض... صديقي كان يتابع ما يجري و الدهشة تقبل جبينه... فخلال دقائق معدودات اكتشفت عشرة غشاشين... إنها صورة لا تبارح الذاكرة... كنت أغالب الضحك في داخلي، خصوصا بعدما أسر لي صديقي بكلمة في أذني، وهو يطلب من إحداهن أن تسحب ورقة الغش من حذائها... شعرت برغبة عارمة في الضحك... توجهت نحو الباب، خرجت، ضحكت لوحدي كالمجنون.. و بعد لحظات عدت إلى القسم، و اتجهت مباشرة صوب أول تلميذ ضبطته يغش.. سحبت ورقة تحريره، صدفة، لأجد تحتها ورقة غش، وقف التلميذ، كان طويل القامة، رفع يديه إلى السماء و قال : وا التسلييييييييييم أعباد الله.. وانقلنا حتى عيينا و عمرنا ما حصلنا.. هاد الشي بزااااااف.. واش كاتعلم الغيب أستااااااااااذ... ويلي يالله كنحط الورقة كنلقاك حدايا... أعطاني ورقة التحرير و أراد الانصراف، قلت له: الله يسامح.. لن أكتب تقريرا.. يمكنك أن تكمل أجوبتك... أجابني: أنا مسامحك دنيا و آخرة... أنت لم تعتد علي... لكنني لن أكمل أبدا... وقف عند الباب و التفت إلى زملائه : بلا ما تمحنو روسكم هاد الأستاذ راه شواف... قال كلماته ثم ابتلعته الساحة. أما أنا فوقفت قرب فتاة "محجبة" كان يبدو عليها الجد و الاجتهاد، و قلت: الحمد لله أنه توجد في هذا القسم فتاة لا تعرف الغش.. و ما دام أمثالها موجودين فنحن بخير... غير أن أحدهم و كان مقابلا لها في الصف الآخر غمزني بطريقة تفيد بأنها تخفي شيئا ما تحتها... طلبت منها الوقوف، ترددت لكنها لم تجد بدا من النهوض... ليتبين أننا أمام "دجاجة " تحضن الكثير من "البيض"...




مقالات ذات صلة:

يوميات " مكلف بالحراسة" في امتحانات البكالوريا {1}
يوميات " مكلف بالحراسة" في امتحانات البكالوريا {2}
يوميات " مكلف بالحراسة" في امتحانات البكالوريا {3}
يوميات " مكلف بالحراسة" في امتحانات البكالوريا {4}
يوميات " مكلف بالحراسة" في امتحانات البكالوريا {5}
يوميات " مكلف بالحراسة" في امتحانات البكالوريا {6}
يوميات " مكلف بالحراسة" في امتحانات البكالوريا { 7}


تنويه: تماشيا مع مبادئ المجلة المرجو التعليق باللغة العربية

فيلوبريس على الفيسبوك

المواضيع الأكثر قراءة

فيديوهات فيلوبريس