قراءة في الفصل الثالث من كتاب : CONSTRUIRE LES COMPETENCES DES L'ECOLE ل : Philipe Perrenoud


بقلم : محمد بعدي
عنوان الفصل الثالث  : Effet de mode ou Réponse décisive à l 'échec scolaire 
     إن الهاجس الذي يؤرق فيليب بيرونو هو إيجاد حلول للمشاكل التربوية المطروحة على المهتمين بالمدرسة, و على رأسها مشكلة الفشل المدرسي, و هذا ما جعله يربط فعالية الإصلاح المتعلق بالنظام التربوي بمدى الاهتمام بهذه المشكلة. لذلك فهو يؤكد قي بداية الفصل الثالث على أن أي إصلاح للنظام التربوي لن يكتب له النجاح إلا إذا اهتم بالدرجة الأولى بالتلاميذ الذين يخفقون في مسارهم التعليمي.
فهؤلاء هم الذين يجب أن تنصب جهود الجميع في اتجاه إيجاد حلول لمشاكلهم. فالإصلاح التربوي يجب أن يهتم باللامساواة أمام المدرسة التي تعتبر من بين أهم أسباب الفشل الدراسي. و هذا يحيلنا على دراسات بورديو حول علاقة النجاح الدراسي بالأصول الاجتماعية و بالرأسمال المادي و الاجتماعي و الثقافي. و فيما يخص مسألة الكفايات    فإنه لا يكفي- في نظر بيرونو- اعتماد مقاربة بواسطة الكفايات بل يجب طرح سؤال : لماذا؟ و ما هي العلاقة التي يجب بلورتها بين الكفايات و الفشل الدراسي؟ و يرى بيرونو أن المقاربة بواسطة الكفايات يمكن أن تعقد عليها آمال كبيرة إذا ما تم بناء تحويل ديداكتيكي, و إقامة انسجام بين أسلاك التعليم, و إبداع طرق جديدة على مستوى التقويم, والتفكير في تكوين المدرسين....
إن الكفايات التي يجب التركيز عليها في المدرسة يجب أن تكون لها أبعاد عميقة وأن ترتبط بالوضعيات التي سيواجهها التلاميذ فعلا داخل المجتمع. و هذا يتطلب أن ترتبط البرامج الدراسية و تتغذى بمعرفة واسعة بالمجتمع, وذلك باشراك جميع المعنيين وليس تجميع خبراء حول مائدة من أجل مناقشة النصوص, بل الأفضل هو القيام بمسيرة بحثية علمية من أجل تكوين فكرة واضحة عن الوضعيات التي يواجهها الناس في الحياة, و في العمل, خارج العمل...خصوصا ونحن في زمن "لا يمكنك أن تدع حقيبتك في بهو محطة دقيقتين دون الخوف من التعرض للسرقة" على حد تعبير بيرونو, و هذا يدعو بالطبع إلى التفكير في الوضعيات الحقيقية, و في العلاقات الاجتماعية التي تتطور داخل المدينة, و في ما تتطلبه من كفايات. إن الحياة تتطور على أصعدة متعددة ومن هنا يجب مواكبة هذه التطورات و التفكير في الكفايات المناسبة. هكذا فدور المدرسة يتجلى في تهيئ التلاميذ للوظائف التي تنتظرهم من جهة, و من جهة ثانية تحديد التكوين في كفايات ممتدة وعامة و مختلفة, فلمواجهة وضعيات مختلفة يجب أن تكون الكفايات نفسها مختلفة. إن المدرسة إذن يجب أن تهتم بوضعيات الحياة, و توظيف المعارف في هذا الإطار, وليس فقط أن يهيئ كل سلك للسلك الذي يليه, لأن ذلك سيجعل المدرسة تدور في حلقة مفرغة.و يؤكد بيرونو أن المدرس "يستطيع النجاح في مهنته دون أن يحس أبدا بأنه مجبر أو حتى مطالب بالتساؤل حول العلاقة المجودة بين البرنامج الذي يدرس و بين الواقع و الحياة".لكن الهدف ليس فقط أن يتعلم التلميذ و يحفظ الدروس و ينتهي كل شيء, بل إن كل ذلك يجب أن يتشخص و يتجسد في سلوكه و يندمج قي شخصيته .
          و هذا يجرنا للحديث عن التقويم لأنه أكثر حسما من البرامج في إطار العملية التعليمية, فالتقويم هو الرسالة الحقيقية , لأن التلاميذ  يعملوا  كي  يقوّموا, كما أن المدرسين يعملون لكي يظهر تلاميذهم بمظهر مشرف. لهذا نجد فيليب بيرونو يدعو إلى تغيير إجراءات التقويم, ما الذي نقيم؟ وكيف؟ ومن هنا فلكي تكون المقاربة بواسطة الكفايات فعالة يجب ألا ينفصل إصلاح البرامج عن إصلاح إجراءات التقويم.
  إن المدرسة تصنع الفشل غالبا عن طريق التقويم و الامتحانات والانتقاء, ففي آخر كل سنة نجد أن الأكثر ضعفا يكررون كما لو أن "الأمر يتعلق بحل", دون أن يكون قد بذل أي مجهود من أجل الحيلولة دون ذلك, وهذا الوضع يقارنه بيرونو بوضع أطباء يكتفون بمراقبة مرض لا يشفى, لكن بعد أن يكونوا " قد فعلوا كل شيء". إن هذا ما يجب أن تسعى إليه  المقاربة التي تعتمد الكفايات, أن تقوم بأكثر من اللازم و أن تكون مهتمة بالاختلافات و الفرو قات بين التلاميذ, وبالوضعيات التي يعيشونها, وبالعوائق و المشاكل التي يصادفونها, لأن سير حل المشاكل قد يدعم المتفوقين, إذا لم يتم الانتباه إلى ذلك.
إن المقاربة بواسطة الكفايات يجب أن تهتم إضافة إلى ذلك بتكوين المدرسين, لأن أغلبهم تلقوا تكوينا داخل مدارس تركز على المعارف. و هذا نموذج يشعرون بالارتياح داخله, لأن ثقافتهم و علاقتهم بالمعرفة تشكلت بهذه الطريقة. إن هؤلاء لن يكونوا متحمسين لهذا النوع الجديد من المقاربات الذي يعتمد الكفايات, لأن تكوينهم لا يسمح بذلك, ولا حتى طريقة تعاملهم مع القسم. لكي تكون " ثورة الكفايات" ذات فائدة يجب أن يتطور التكوين المستمر لأنه يسير في منحى تطور الكفايات ما دام يتوجه نحو المهنية, إن تكوين التلاميذ لن يتقوى إلا إذا كان تكوين المدرسين قويا, و العكس بالعكس.
إن العمل بالكفايات يعتبر أولوية فيما يخص التجديد المدرسي, لأنه يعطي أهمية للكفايات أكثر من المعارف, و يدافع عن التكوين أكثر من حشو الأذهان بالمعلومات, إن المقاربة بواسطة الكفايات في إطار إعادة كتابة البرامج الدراسية " ليست سوى –ربما- سوى آخر تحول ليوتوبيا قديمة جدا: جعل المدرسة مكانا حيث يتعلم كل واحد بحرية و بذكاء أشياء نافعة في الحياة ".
يدعو فيليب بيرونو من خلال عنوان بارز إلى " خوض الرهان بشكل تضامني ", لأن كل إصلاح مهم هو بمثابة رهان يجب أن يتجند له الكل بتضامن, هذا لا يعني أن الكل سوف يكون مقتنعا, فالتغيير يقسم الآراء دائما, لكن يجب الوعي بحدود كل برنامج ينشد التغيير و استدعاء أولئك الذين يطمحون إلى تقدم المدرسة, و منحهم مكانا للمساهمة في التوجيهات و المناهج و البرامج, ويعترف بيرونو في الختام أن بناء الكفايات انطلاقا من المدرسة يتطلب "صبرا و متسعا من الوقت ".  


تنويه: تماشيا مع مبادئ المجلة المرجو التعليق باللغة العربية

فيلوبريس على الفيسبوك

المواضيع الأكثر قراءة

فيديوهات فيلوبريس