نقد المادية التاريخية/ سارتر والبنيوية

 

نقد المادية التاريخية/ سارتر والبنيوية

20 فبراير 2021

د علي محمد اليوسف



هناك مقولات عديدة فلسفية صدرت عن سارتر فيلسوف الوجودية وأقطاب الفلسفة البنيوية حول إدانتهم جدل المادية التاريخية الماركسية كانت مثار نقاش فلسفي حاد وعنيف بين الماركسيين والوجوديين والبنيويين على السواء...فقد أصدر سارتر كتابه (نقد العقل الجدلي) وأصدر شتراوس كتابه (التفكير المتوحش) وأقتفى أثره لاكان في كتابه(كتابات) في نقده علم النفس الفرويدي واستقر المقام مع أكثرهم ضراوة عدائية للماركسية ألتوسير في كتابه (نقد رأس المال) كما أصدر فوكو كتابه (الكلمات والأشياء).

من المباحث المهمة في هذه المؤلفات البنيوية وغيرها ألعديد كانت جميعها تدين  المنهج الجدلي الماركسي في ألمادية التاريخية ليس من خلال التفنيد النقدي الفلسفي المباشر، في التحليل ألمادي ألفلسفي للتاريخ بل محاولتهم تحويل مفهوم البنية المادية للوجود والاشياء الى مفهوم ميتافيزيقي مثالي وتسويق الجدل برؤى مثالية بعيدة عن علاقة التأثير ألمتبادل مع الواقع العيني للمجتمعات ألبشرية...أي إبعاد الجدل عن محيطه ألشغّال في الحياة الاجتماعية والاقتصادية والطبيعة والتاريخ كما سبق لهيجل ذلك قبل تصحيح ماركس جدله المثالي... واعتبرت كلا من ألوجودية والبنيوية الجدل ألماركسي في ألمادية ألتاريخية أصبح من كلاسيكيات الفلسفة ألمعاصرة والسرديات الكبرى ألتي تجاوزتها ما بعد الحداثة.

وحين يوجّه النقد من ألبنيوية والوجودية إلى ألماركسية في صلب مرتكزها ألعامل الإقتصادي ألمتداخل بالحراك ألاجتماعي ألطبقي أنه مبعث التطور الذي يقود إلى التغيير والتطور التاريخي، فأن البنيوية تعمّدت من جانبها أيضا اعتماد علم اللغة والتاريخ البدائي الاثنولوجي لأقوام ما قبل التاريخ الذي يقوم في مختلف توجهاته اعتماد مثالية فجّة في النقد السطحي للمادية التاريخية، في فلسفتها كبنية محورية جدلية لها الدور الحاسم في إحداث التطورات ألتاريخية الانثروبولوجية... وفي إسقاط البنيوية أيضا القطوعات التأريخية للأقوام ألبدائية على التفكير الفلسفي ألمعاصر القرن العشرين وما تلاه..

وأهتم كلود ليفي شتراوس باللغة الى جانب أركيولوجيا الاقوام البدائية (الاثنولوجيا) ما قبل التاريخ على أن اللغة ظاهرة ثقافية تميّز الانسان عن الحيوان – وهي مقولة مقتبسة عن ديكارت وقبله أفلاطون وبعده عشرات من الفلاسفة – وأن علاقة ارتباط اللغة الوثيق بالأنثروبولوجيا تعتبر المرتكز الأساس ألذي بموجبها يمكننا فهم التطور التاريخي, وليس الجدل الديالكتيكي الذي تعتمده الماركسية الذي أصبح من مخلفات السرديات الايديولوجية التي تمت مغادرتها حسب الإدانة البنيوية وما بعد الحداثة...علما أن الجدل في المادية التاريخية محور ومرتكز اشتغاله هو تأريخ الانسان أنثروبولوجيا في جميع مراحله التطورية ألقائم على مفهوم التناقض ألحاد بين التفاوت الطبقي.. والجدل ليس له فعالية مجردة عن التاريخ واقتصارها على الفكر فقط..

وقد كانت لأفكار دي سوسير عالم وفيلسوف اللغة، وجاك دريدا، ورولان بارت ونعوم جومسكي وآخرين، ألأثر الكبير في محاولة اعتماد مركزية ما سمّي التحول اللغوي في مراجعة وتصحيح تأريخ الفلسفة عموما, وكان أكبر الفلاسفة المعارضين لهذا التوجه هو فيلسوف المنهج التحليلي التجريبي العلمي الانجليزي برتراند رسل وريث التجريبية التحليلية العقلانية عن جون لوك وديفيد هيوم وجورج مور, في أدانتهم أن تكون مركزية الفلسفة أصبحت هي علوم اللغة واللسانيات كما تفهمها البنيوية والتفكيكية على السواء معتبرين فلاسفة ألتحليلية الانجليز أن الاشتغال على منهج اللغة تفكيكيا بلاغيا في إدانة مفاهيم الفلسفة غير مجدية ويمكن أن تكون هذه الفلسفات اللغوية قواميس في نحو اللغة لا علاقة لها بقضايا الفلسفة ويمكنها دراسة ألأدب منهجيا بما هو تجنيس أدبي وليس نحو اللغة في ألمعرفة الفلسفية... ومن نافل القول بهذا المجال أن علاقة برتراند رسل فتنجنشتين بقيت مأزومة إلى حد العداء بينهما.. حين تخلّى فتنجنشتين عن منطق الرياضيات وطالب في مؤلفه الثاني (أوراق فلسفية) الوضوح باللغة وتخليصها من التقّعر الميتافيزيقي المعقد في التعبير أللغوي ما جعل جورج مور وهو أحد رواد التحليلية الانجليزية استلامه راية الوضوح اللغوي بالفلسفة إلى مطالبته إدخال اللغة الجارية بين الناس في معالجة مباحث الفلسفة.

كما يجد شتراوس رائد الفلسفة البنيوية أن التاريخ هو منهج لا ينتسب اليه موضوع بعينه، لكنه يبقى رغم ذلك ضروريا لفحص تكامل العناصر في أي بناء أنساني أو غير إنساني، ونعت ألتوسير صاحب كتاب نقد الرأسمال لماركس بدوره الايديولوجيا الماركسية بأنها ليست أفكارا وإنما هي أكاذيب جميلة في محاولة عجز فلسفي وهروب منه بعدم إمكانية دحض الافكار الماركسية علميا فلسفيا. مما دعا أحد الباحثات الأمريكيات بالفلسفة توجيهها النقد القاسي لألتوسير قولها أنه أراد خلق ماركسية بلا ماركس ولا كتاب رأس المال وبلا جدل تاريخي، ماركسية طوباوية تعيش في خيالاته فقط.. ولتكريس هذا النمط من التفكير المثالي وأحيانا التجريدي غير المادي يذهب شتراوس الى أن (التاريخ كعلم ينبغي فهمه من أن طبيعته لا تختلف عن طبيعة الأسطورة)... ويفهم من هذا أن التاريخ هو مجموعة أحلام جماعية أسطورية للشعوب والجماعات البدائية لا ينتظمها قوانين تحكمها تطوريّا، لكنما لا تخلو من عقلانية سحرية حسب شتراوس وفلاسفة البنيوية، وأنها  مراحل لا تاريخية تتقبّل الشروحات المتباينة الكثيرة عنها وفي دراستها...لكنها تحمل محمولات لا تستبعد التأويل الخرافي وتضخيم ميثالوجيا الاساطير الكاذبة على حساب الواقعة التاريخية التي تثبتها التنقيبات الأركيولوجية..

بمعنى أكثر تكثيفا أن شتراوس أراد أن يخرج التاريخ من تاريخيته التحقيبية التطورية الانثروبولوجية المادية تحديدا وينقله إلى مصاف الأساطير والميثولوجيا والملاحم والسحر والكهانة، في دراسة التاريخ الانساني في نموذجه البدائي على شكل قطوعات ساكنة لا يحكمها التغيير الخطي المتسارع, لذا تكون هذه القطوعات التاريخية بلا تاريخ, أو بتعبير أدق خارج التحقيب التاريخي الذي بدأ مع اختراع الانسان الكتابة المسمارية السومرية بحدود 3200 ق.م أي ما يطلق عليه العصر الحجري النحاسي الاول الذي كان تتويجا لازدهار عصر الزراعة 7 الاف ق. م التي هي بداية صنع الانسان للحضارة تلتها بعد أقل من قرن الكتابة الهيروغليفية في الحضارة الفرعونية المصرية..

الاسطورة لعبت دورا أساسيا محوريا في انبثاق الأديان في أشكالها الوثنية، وكان للأسطورة والدين البدائي دورا مهما في صنع تاريخ أنسان ما قبل التدوين أي ما قبل اختراع الكتابة... وتأثير الأسطورة طال حتى الاديان التوحيدية التي بات التشكيك بتلك الديانات كاليهودية بالذات أنما تقوم على مرتكز أسطوري وصل حد أن النبي موسى لا وجود حقيقي له متجاوزين حتى ما ذهب له فرويد أن موسى لم يكن سوى شخص مصري وليس نبيا!! وقصة رميه رضيعا في سلة طافية في النيل مأخوذة عن أسطورة وضع سرجون الأكدي الرضيع في قفّة من القصب في نهر الفرات في عراق الحضارة الأكدية بعد السومرية، ومثلها المآخذ والثغرات الكبيرة جدا في حدوث الطوفان في عصر نوح التي أصلها أسطورة سومرية حدثت في عصر الملك السومري اتنوبشتم ولا علاقة تربطها بما جاء في الكتب الدينية المقدسة في مقدمتها التوراة ونسبتها الى النبي نوح الذي يستحيل أن تحدث تلك الأسطورة في ذلك الزمن السحيق بما تم إخراجه ...وهكذا.

الجدل والوجود غير الموجود:

يميّز سارتر بين نوعين من الجدل التاريخي، الأول ويطلق عليه(الجدل الحقيقي)وهو الذي يعتبره خاصّية المجتمعات التي لها تاريخ أنثروبولوجي مدوّن، والثاني يطلق عليه (الجدل التكراري) القصير الأجل وهوما تختّص به المجتمعات البدائية التي لا تاريخ لها كما أوضحناه في عبارات سابقة.(1) أي الاقوام البدائية التي لم تعرف الكتابة ولا تدوين تاريخها وكل ما وصلنا منها هي الآثار واللقى الباقية غير المندثرة، فقد كانت تلك الأقوام لا تعرف غير الكلام الشفاهي غير المكتوب أو المدّون لذا أصبح نعتها بالأقوام البدائية التي لا تمتلك تاريخا بسبب جهلها الكتابة في عدم تدوين تاريخها..

كما أن سارتر يقارن بين الإثنولوجي، والمؤرخ في فهمهما جدل التاريخ: (أذ يرى الإثنولوجي في التاريخ حركة تعرقل الخطوط – يقصد المسارات الحركية التطورية الخطيّة للتاريخ – في حين يجدها المؤرخ في دوام واستمرار البناءات.) (2) اللاشعورية والشعورية المستنبطة من دراسة التاريخ بمنهج تأملي وأحيانا في تجميع إحصائي ميداني يفيد في تعميم خلاصة نتائج الجزء على الكل والخاص على العام وبالعكس.

ويطرح سارتر من خلال الجدل التاريخي إشكالية فلسفية معقّدة، هي الذات الانسانية والوجود الفردي للإنسان منطلقا من (أن حقيقة الانسان تكمن في أنه الموجود الوحيد الذي يسأل عن وجوده باستمرار، أو هو الموجود المتحقق براكسيا.)(3) أي المتحقق وجودا بالفعل العملي المنتج... وكان بهذا على خلاف مع الفلسفة البنيوية التي تتجاهل الذات تماما... وقد عمل بول ريكور في تطويره مفهوم الذات في منهجه التأويلي(الهيرمينوطيقا) أنه عمل على تحرير البنيوية من بعدها الإطلاقي في تذويبها الذات الانسانية فكانت (تعال بلا ذات) تماشيا مع طروحات ما بعد الحداثة التي جعلت فوكو ينكر أن يكون للإنسان تلك الأهمية التي أستمدها من الفلسفة قرونا طويلة، كما عمد ريكور تحرير ظاهرية هوسرل أيضا من بعدها السايكولوجي حيث هي (ذاتية بلا تعال).(للمزيد مراجعة كتاب ريكور نظرية التأويل وفائض المعنى.)

إن الإنسان حسب سارتر يتساءل عن وجوده المقلق مرّة باعتباره موجودا كمعطى طبيعي انثروبولوجي – بيولوجي، وكينونة إنسانية تاريخية متفردّة نوعيا، والتي تكون تساؤلاته الدائمية قرين وجوده المادي البيولوجي المفارق، ومرّة أخرى يكون الانسان هو الموجود المتحقق براكسيا (بالإرادة والفعل والعمل) كناتج وجوده في الطبيعة وفي تناقضاته الوجودية الدائمة المستمرة مع وعيه لذاته ومع الاشياء والمحيط.

هذا السبق الجدلي لسارتر ومن قبله لهيجل يعود لصاحبه هيراقليطس الأب الروحي للجدل والصيرورة والتغيير في مقولته: إنك لا تعبر النهر مرّتين، في تأكيده الصيرورة تحكم الموجودات والأشياء جميعها، وعبارته الجدلية الثانية (أن الوجود واللاوجود شيء واحد موجود وغير موجود) وكما هو مثبّت في تاريخ الفلسفة اعتمد هيجل كثيرا على آراء ومقولات هيراقليطس التغييرية المتحركة، هراقليطس له الفضل والأسبقية الاولى في أن كل شيء بالوجود في حالة من الحركة الدائمية المستمرة (صيرورة) غير ثابتة، وهو المحرك الااول في اختراع هيجل الجدل أو الديالكتيك المادي، ومنها هذه العبارة التي مرّت بنا سنوضحها وقد وضّحها هيجل بقوله (أن حركة الشيء تفصح عن أن الشيء موجود وغير موجود أيضا) أي أن هيجل يقصد وقبله هيراقليطس طالما أن (الحركة) تحكم كل شيء موجود، فيصبح حينها وجود الشيء متحركا لا يختلف عن وجوده ثابتا، فهو ثابت ومتحرك في نفس الوقت، لذا هو موجود وغير موجود في محكومية الحركة المستمرة له، والحركة  تجعل من  الموجود (الثابت) غير موجود في وقت واحد أو بتعبير أوضح في(آنية) زمنية واحدة...

نلاحظ بالعودة إلى سارتر أنه يعبّر عن رؤى فلسفية ماركسية لم يستطع الخلاص منها لازمته في مرجعية تداعيات فكرية لم يستطع الخلاص من تأثيرها عليه بعد انفصاله عن الحزب الشيوعي الفرنسي، بأن الوجود الإنساني يتحقق بالفعل الإنساني كإرادة تقوم على الفعل والحرية وصنع الحياة الانفرادية الذي يفارق به حياة الحيوان، كما نجد نفس هذه المداهنة مع الماركسية لدى ليفي شتراوس الاب الروحي للبنيوية قوله (إن للتاريخ والإنثروبولوجيا موضوعا واحدا مشتركا، هو الحياة ألاجتماعية وأن هدفهما الواحد فهم الانسان بشكل أفضل وأحسن).(4)  — معظم فلاسفة الوجودية والبنيوية وغيرها من تيارات فلسفية كانوا جميعهم ماركسيين وشيوعيين لذا نجد صعوبة خلاصهم من خلفياتهم الفكرية التي لازمتهم لاشعوريا بعد انشقاقهم عن الاحزاب الشيوعية.

إن المنهج الجدلي الصارم (إنما يفترض إحلال المقولات التاريخية، محل المقولات المنطقية وبدلا عنها) (5) بمعنى أن دراسة الإنسان تاريخيا في صيرورته المتغيّرة على الدوام، أي في واقعه العملي والاجتماعي العيني هو ما تؤكد عليه الماركسية، بدلا من دراسة الانسان تاريخيا (صوريا تجريديا وظاهراتيا) في مقولات فلسفية منطقية مثالية يجري تداولها على مستوى الفلسفة وعلوم المعرفة. أي أن تلك المفاهيم المثالية هي التي تقوم عليها أدبيات الفلسفات الوجودية والبنيوية والتفكيكية والعدمية، في التسليم أن الفكر التأملي التجريدي هو الذي يخلق للإنسان تواريخه (مراحل التاريخ) على مدى العصور، التي تنعدم معها الصلة بالإنسان كواقع عيني وجودي حيوي متغيّر ومتطّور غير ساكن... أي أن الانسان لا يصنع تاريخه بنفسه نتيجة حراكه الدائم طبقيا اجتماعيا، وهي منطلقات فكرية مغرقة في مثاليتها إلى أبعد الحدود... فليس هناك تاريخ إنساني لم ولا تصنعه إرادة الانسان على الارض.

من هنا نرى أهمية عبارة دي لاكروا (أن عصرنا يشهد نهاية المنهج المنطقي في تفسير التاريخ). ليس بتأثير العلم وإنجازاته العظيمة فحسب، وإنما باتجاه تأكيد أهمية تغيير الوجود الإنساني نحو الأفضل على صعيدي المعرفة والفلسفة على السواء. أي ( نهاية الجهد الانساني الذي يحاول الإمساك بالعلاقات الثابتة بين أفكار محضة تخرج عن الصيرورة التاريخية للفرد والإنسانية) (6).

وإذا كان المنهج المنطقي الوضعي يفترض إمكانية معرفة الانسان والعالم من الخارج، فأن منهج الديالكتيك يكتشف النفس الانسانية وهي تعي ذاتها تدريجيا أو عندما تخلق ذاتها من خلال تناقضاتها وإيجاد حلول ومخارج منها لتطوير ذاتها.(7)

إنه مع الإقرار بالاختلاف أن الانسان لا يمتلك طبيعة واحدة (بيولوجية، فيزياوية، نفسية لا تختلف وغير متغيّرة أو شبه ثابتة، أو طبيعة مشتركة ثابتة لا تتغيّر مع غيره من نوعه على مّر العصور، نجد البنيوية وقعت في مطب يحسب عليها لا لها، عندما حاولت تأسيس أنثروبولوجيا نسقية معرفية تصورية استنباطية، في محاولتها إلغاء الجدل المادي التاريخي، وشطب الغائية الحتمية في تطورية التاريخ مراحليا حسب التفاوت الطبقي المتصارع على الدوام في رغبة تحقيق مصالح الطبقة الأقوى اقتصاديا كما تذهب له الماركسية، سواء في النظر الى دراسة المجموعات البشرية المتعددة من خلال التزامن البنيوي وليس التحقيب التاريخي الذي تعتمده الماركسية، أي أن البنيوية درست مراحل تاريخية لعيّنات قبائلية وأقوام كقطوعات تاريخية ساكنة، وليس من منطلقات التحقيب التاريخي الماركسي والحضاري للصيرورة التاريخية المراحلية المتغيّرة انثروبولوجيا على الدوام في تظافر عوامل عدة تكون سببا في إحداث تلك التطورات التصاعدية في التاريخ أنثروبولوجيا.

وعلى الرغم من الاختلاف في الطبيعة الانسانية بين الجماعات البدائية من جهة، وبين المجتمعات المعاصرة من جهة أخرى فأنه (من الممكن – حسب  البنيويون – أن يقوم هناك اتصال حقيقي، وتفاهم أيضا متبادل بين الفريقين المتمايزين.)(8) والمقصود بالتبادل والتفاهم هنا هو إيجاد استنباطات نسقية بحثية مستخلصة وفلسفة بناءات تجمع القضايا التي كانت تهم الجماعات البدائية مع المجتمعات المعاصرة من حيث أن البنيوية تذهب الى أن المشاكل والقضايا التي كانت تشغل الانسان قديما وحاضرا هي قضايا مشتركة تقريبا، ولا توجد فروقات جوهرية كبيرة بينها من حيث معالجة معنى الوجود الانساني...ومن هذا الفهم والتبادل المقصود بين عدم وجود طبيعة إنسانية واحدة ثابتة غير متطورة، وبين الاتصال الممكن الدائم بين شعوب وجماعات الجنس البشري، أعادت الإثنولوجيا البنيوية بصورة متجددة مسألة أيديولوجيا الوجود في تفسير تاريخ الجماعات والأقوام، لكن ليس بالاقتراب من الفهم الايديولوجي الماركسي الذي جرى نبذه وتحريم ألأخذ به.

ولما كانت نقطة الضعف في الفلسفة الوجودية، هي الانطلاق من مسلمة (امتناع التواصل بين الذوات) الانسانية المنفردة، نجد سارتر يستنجد بأيديولوجيا الوجود أيضا للخروج من مأزقه الوجودي أن الانسان وجود لذاته بدلا من وجوده من أجل الاخرين... معتبرا الانسان يحمل عبء حريته المسؤولة عن ذاته وعن الاخرين أيضا.

الهوامش:

1.د.عبد الوهاب جعفر، البنيوية في الانثروبولوجيا وموقف سارتر ص 183 نقلا عن المصدر الاجنبي.

2. نفس المصدر ص 183

3.نفس المصدر ص 211

4. نفس المصدر ص 216

5. نفس المصدر ص 222

6. نفس المصدر ص 225

7. نفس المصدر ص 231

8. نفس المصدر ص 238


تنويه: تماشيا مع مبادئ المجلة المرجو التعليق باللغة العربية

0commentaires:

إرسال تعليق

فيلوبريس على الفيسبوك

المواضيع الأكثر قراءة

فيديوهات فيلوبريس