الزمن والحركة فلسفيا 2

الزمن والحركة فلسفيا 2
                                                      09 يوليوز 2020


د علي محمد اليوسف



تساؤل:
انتهينا في القسم الاول المنشور من هذه الورقة الفلسفية عن الزمن بعنوان (الزمن في فلسفتي افلاطون وارسطو) بتساؤل فرعي لم تتم الاجابة عنه هو (هل يمكن للزمان غير المادي تحريك الاجسام المادية؟). وهل المتاح لنا معرفة كيف يكون التمييز بين مقدار الحركة بالجسم على أنها (زمن) وبين مقدار الحركة في الزمن غير المدركة ذاتيا انفصاليا عن (حركة) الجسم أنها انتقالة (زمكانية) لا ادراك عقلي مباشر يرصد تداخل الزمن فيها منفردا؟
الزمن الكوني وقانون الجاذبية
 إن فيزيائية الزمن كجوهر مطلق ثابت و(نسبي) كوني لا يدركه العقل ماهويا كموضوع ادراكي مستقل يجعله لا يخضع لقانون الجاذبية الارضية والجاذبية الكونية التي تحكم الموجودات المادية المتعيّنة ماهويا فيزيائيا على الأرض، ولا يخضع الزمن للجاذبية الكونية الموزّعة بين الكواكب والمجرات كزمن نسبي أيضا أفقده انشتاين مطلقه الكوني حين جعله في النسبية الخاصة بعدا رابعا مكملا لخصائص أبعاد المكان الثلاث الطول والعرض والارتفاع. فأصبح مصطلح(الزمكان) يعني وحدة تداخل إدراك المكان مع الزمن ولا امكانية فصل هذه الوحدة الادراكية. وأورد أوغسطين في معرض محاججته لأرسطو أن معرفة الوقت أو مقدار الزمن لا تتم بغير معرفة حركة الاجسام التي قال بها فلاسفة ما قبل سقراط... وبانتفاء حركة الاجسام لا يبقى هناك مقدار أدراك زمني.
الجاذبية قانون وجوهر طبيعي ثابت لا تتحدد فيزيائيته المادية إلا بتعالقه مع الاشياء المادية الفيزيائية الذي يحكمها بالتجاذب مع كل شيء مادي في الطبيعة وفي الفضاء الكوني. وما لا يحكمه قانون الجاذبية من موجودات يكون جوهرا لا فيزيائيا يدخل مجال الميتافيزيقا، لكن الزمن والضوء على سبيل الاستشهاد لا تدخلهما لا ماديتهما الفيزيائية في مبحث الميتافيزيقا كمفهومين مطلقين لا يمكننا أدراكهما تجريدا عقليا كجوهرين وموضوعين منفصلين عن تأثيراتهما الاستدلالية في معرفة الاشياء المادية. فالزمن والضوء هما قانونين فيزيائيين يحكمان الطبيعة والكون لكنهما غير ماديين موضوعيا ماهويا. فالزمن أصبح اليوم بعدا رابعا للمكان ولم يعد موضوعا يمكن أدراكه من غير تعالقه المتداخل مع موجودات الطبيعة ومع الفضاء الكوني وكذا نفس الشيء مع الضوء كجوهر استدلالي لا تعرف ماهيته الا بتعالقه الاستدلالي.
فالزمن يدركه العقل استدلالا فيزيائيا كونه جوهرا فاعلا مؤثرا في الطبيعة الارضية وفي الكون الفضائي كقانون من القوانين العامة الثابتة التي تحكم الطبيعة والانسان، وفيزيائية الزمن المادية الارضية يستمدها الزمن من المكان والأجسام المتعالق معهما في عملية الادراك العقلي، وأما لا مادية الزمن في المطلق الكوني الفيزيائي فتبقى كما هو شأن الزمن على الارض أنه وحدة قياس تمدد الكون ومعرفة مقدار الزمن في مقدار السنوات الضوئية عن (بعد) وقرب ومقدار مسافة وجود بعض الكواكب في بعدها عن الارض التي يمكن للعلم الفلكي الفيزيائي تقديرها بالسنوات الضوئية.
ومن خصائص الزمن الكوني أنه يتمدد ويتقلص فيزيائيا شأنه شأن الموجودات المادية لكن ضمن اشتراطات خصائصية تحكم الزمن كونيا ولا تحكمه مكانيا على الارض... لذا يكون الزمن الارضي مختلفا جدا عن مفهومه الكوني الذي أثبتته نسبية انشتاين الخاصة. ومع هذا يبقى الزمن مفهوما فيزيائيا لا يخضع لإدراك العقل ماهويا كموضوع بل يخضع لمعرفة تأثيراته الاستدلالية اللامحدودة بالأشياء والطبيعة والانسان كقانون من قوانين الطبيعة الثابت والكون.
ولا يمكننا معرفة الزمان بمعزل عن نشوء الكون، فهل الزمان سابق على نشوء الكون، أم أنه ملازم لهذا النشوء منذ الانفجار العظيم؟ وهل الزمان بعدي أم قبلي على أسبقية أو بعدية الوجود الارضي والكوني معا؟ من الصعب الاجابة الفلسفية بعيدا عن قوانين علم فيزياء ونظريات كوزمولوجيا الكون ونسبية إنشتاين التي قلبت موازيين فهمنا الزمن منذ عصر نيوتن في مطلق الزمان الذي جاءت النسبية الخاصة لانشتاين نسفا جذريا له. ولا يمتلك العلم الاجابة بما تعجز الاجابة عنه الفلسفة حول ماهية الزمن كقانون ثابت ودوره كموضوع مستقل لا يدركه العقل في نظام الحياة إلا من خلال تعالقه بالحركة.
لكن الأرجحية من بين تلك الاحتمالات أن الزمن ونشوء الكون متلازمان معا منذ الازل ويبقيان كذلك، فلا يمكننا أدراك الكون فيزيائيا بمعزل عن أمكانية أدراك فيزياء الزمن الملازم له. ولا زمن موجود ندركه خارج دلالة الكون كما لا كون موجود ندركه بغير دلالة الزمن له. بمعنى ادراكنا تلازم الكون الفيزيائي مع الزمن ندركه بدلالة تعالق إدراكنا الاشياء والمحيط من حولنا في الطبيعة كأشياء مادية بملازمة الزمن الثابت لها. وهذه الخاصية التلازمية التي ندركها بين حركة الجسم والزمان على الارض من حولنا يمكن الاخذ بصحتها من حيث المبدأ في قياس مقدار الزمن الارضي للموجودات، لكن مقدار زمن الكون بالسنوات الضوئية في الكون ليس هو نفس مقدار زمن الارض بالسنوات الشمسية. كما أن هذه النسبية الكونية الزمنية تتعالق بمفردات أخرى تعتبر اشتراطات موضوعية فيزيائية كي يكون الزمن فيها نسبيا كونيا وهي كتلة الجسم وسرعة حركة الجسم بقياس مقدار سرعة الضوء لقياس مقدار الزمن الذي يستغرقه الجسم في حركته ومقدار المسافة ومقدار الطاقة ومقدار الاحتكاك الذي يقاطع الجسم في جماح حركته. حيث يقدر علماء الكوزمولوجيا أنه في حال أستطاع الانسان تحريك مسبار فضائي أو مركبة فضائية أو صاروخ على سبيل المثال بسرعة تفوق سرعة الضوء فان الزمن نتيجة تباطئه العكسي مع السرعة يصبح صفرا. حيث كلما زادت سرعة الجسم تباطأ الزمن.. وهذه الاشتراطات الكونية لمعرفة ما يطرأ على الزمن هو ما لا يحتاجه الادراك العقلي الارضي في معرفة الاشياء زمكانيا. لأننا على الارض نتعامل مع زمن بطيء جدا بالقياس إلى الزمن الكوني الذي ندرك زمانيته بالسنوات الضوئية. (سرعة الضوء 300,000 كيلومتر/ثانية). وهو أقصى سرعة يمكن للإنسان تصوره بلوغها أذ لا زال الانسان يتعامل مع سرعة الصوت وما بعدها بقليل بالنسبة لسرعة الطائرات الحربية. (سرعة الصوت 343متر/ثانية ما يعادل 1125 قدم /ثانية). فهل يمكننا تصور كم هو الفرق الزمني كبيرا شاسعا بين سرعة الضوء مقارنة بسرعة الصوت؟
الزمن وحركة الاجسام
لو تماشينا مع تعبير فلاسفة الاغريق قبل سقراط أن الزمان هو مقدار الحركة لكنه ليس حركة، فهنا يكون التفسير بالتفريق ما بين أن يكون الزمن هو حركة مكانية وبين أن يكون الزمن حركة مجردة زمانية لا مكانية لا تدركها عقولنا لأننا ندرك كل شيء مكانيا بمقياس (مقدار) تلازم زمنه معه الذي نجهله من دون معرفة مقدار حركة الجسم. فيكون الادراك العقلي متداخلا يطلق عليه (زمكانيا) ومقدار الزمن لا يمكن تحديده الا بدلالة مقدار حركة الجسم فقط. والزمن اللامادي لا يكون سببا في تحريك ما هو مادي من الاشياء. فالزمن إذا صح التعبير وحدة قياس الحركة.
رب تساؤل يذهب الى أننا يمكننا الاستغناء عن رصد حركة الاجسام من حولنا لمعرفة مقدار الزمن بواسطة استعمالنا ساعة توقيت زمنية حديثة تصل دقتها العلمية الى تحديد واحد بالمليون من جزء في الثانية في معرفتنا الوقت, وهو ما لا خلاف عليه لكن المهم في هذه التوقيتات الدقيقة التي توصلها العلم لا تقوم على تجريد الزمن كجوهر لافيزيائي منفصل عن كل تداخل مكاني غير معروف ماهويا، وإنما هذه القياسات الزمنية هي تحقيب وقتي على أن الزمن جوهرا فيزيائيا على الارض ثابت توازي حركته الزمانية رصده حركة الارض في الدوران حول نفسها وحول الشمس، بمعنى أن مقدار الزمن لا يتحدد من غير توفر (مكان) أو جسم في حالة حركة بضمنها حركة كوكب الارض حول نفسها وحول الشمس الذي ينتج عنه تعاقب الليل والنهار والفصول الاربعة والتوقيتات الزمنية الادنى المتواضع عليها علميا... في التوقيتات التي نعرفها ونعمل بها زمنيا بدءا من الثانية فالساعة واليوم وتعاقب الليل والنهار والاشهر والفصول والسنوات بما هو متواضع عليه كقوانين تحكمها فيزياء الطبيعة والكون، بمعنى مختصر الزمن لا يعرف مقداره ولا ماهيته ولا الاستدلال به الا في مرجعيته الى حركة الاجسام من ضمنها حركة كوكب الارض حول نفسها وحول الشمس وعلاقة حركة الارض مع الكواكب الاخرى على الصعيد الكوني مثل كوكب القمر التي بضوئها أخترع الانسان وسائل معرفة الزمن وضبط الوقت المتطورة الحديثة...فالساعة وحدة قياس الزمن وملحقاتها التصاعدية التي عددناها لا تتعامل مع الزمن كموضوع بذاته في امكانية ادراك العقل له كجوهر قائم ومتعين في حال فرضية انفصاله عن الاشياء... بل تتعامل مع الزمن كجوهر في تلازمه مع كل شيء مدرك يكون موضوعا لتفكير العقل ملزما بالحركة. العقل يدرك الزمن (زمكانيا) متداخلا ولا يدركه موضوعا منفصلا عن المكان. وكوكب الارض جسم متحرك من المتاح لنا قياس حركته زمنيا.
هل يعقل العقل الزمن كموضوع؟
العقل لا يدرك الزمن تجريدا(صوريا) لغويا كموضوع كما هو قابليته في ادراكه الموجودات المادية والتعبير عنها بلغة التجريد الذهني. فالعقل يعرف صفات الزمن ومقداره من صفات الاشياء والاجسام كموجودات مكانية ساكنة ومتحركة، لكنه يجهل (ماهية) الزمن ومقداره في تصوره التجريدي كموضوع تستطيع لغة العقل التعبير عنه صوريا أو تتمثله تفكيريا... كذلك العقل يجهل مقدار حركة الزمن بغير دلالة مقدار حركة الجسم. ولا نعرف لحد الان لمن تكون أسبقية أدراك الشيء للزمن أم للعقل؟ أم لكليهما معا؟ وهل معرفة الشيء زمنيا هي ذاتها معرفة العقل له أم هناك تفاوت واختلاف بين الادراكين العقلي والزمني؟
فلاسفة الاغريق حين قالوا الزمان هو (مقدار) حركة الشيء أو الجسم لكنه ليس هو (حركة) بذاتها فهم أسقطوا خاصية الحركة الفيزيائية على الاجسام فقط دونما خاصيتها في الزمن ورفعوها عنه. وهي حقيقة تبدو متناقضة لكنها صحيحة في مقياس ذلك العصر وفي تصورنا للزمن الارضي لا الكوني فقط، فحركة الجسم المتغيّرة مكانا يستتبعها بالضرورة الادراكية حركة الزمن الملازمة لها والا عجز الانسان رصد حركة الاجسام وأدراكها مكانا اذا لم يكن هناك زمن ادراكي عقلي يلازمها... وكما أن أدراك الشيء مكانا لا يتم من دون تزامن زمني يلازمه كذلك لا يمكن أدراك ما هو زماني بغير دلالة حركة الاجسام ومقدار تلك الحركة.
لكن من المؤكد لو لم يتصف الزمن بقابلية الحركة والامتداد في تداخله مع حركة الاجسام وتزامنه مع تلك الحركة لما تمّكنا من مواكبة انتقالات وتحركات الاجسام مكانا في منح الزمان العقل قابلية إدراكها، من حيث يعجز العقل إدراك حركة شيء مكانيا بمعزل عن زمانية إدراك تلك الحركة المكانية. فالزمان هو حركة غير مدركة ولا منظورة تلازم حركة الاجسام في ادراكها العقلي. والحواس الخمسة والوعي والجهاز العصبي والذهن والدماغ جميعها لا تدرك الاشياء والاجسام من غير (زمن) أدراكها لموضوع مادي معيّن. وبغير وجود جسم متحرك لا يمكننا تصور للزمن ادراكا موجودا في حال افتراضنا امكانية حصر فعالية الزمن من دون مدرك متحرك، أي حصر الزمن في فراغ وهذا غير ممكن تصوره. الزمن لا يعمل وغير موجود في فراغ افتراضي خال من إمكانية تفكير العقل به كموضوع مدرك... الزمن مدرك عقلي لموضوع مادي أو خيالي يمكن التفكير به.
ولمّا كنا لا نشعر بحركة الزمن ألا بمزامنته التكاملية مع حركة الشيء، نجد فلاسفة الاغريق استبعدوا أن يكون الزمان حركة ذاتية منفردة لا نفهمها ولا نعيها الا بفهمنا وادراكنا حركة الاشياء والاجسام. ويكون الزمان مقدار الحركة بدلالة الشيء المتحرك، فالزمان لا تعرف حركته الذاتية، بمعزل عن(مقدار) حركة الجسم... والعكس مع حركة الجسم لا يمكننا معرفتها زمنيا الا بمقدار حركة الزمن التي تحتويها وتلازمها، أنه يتعذر علينا معرفة مقدار حركة الزمن الا بمقدار حركة الجسم مكانا التي يعقلها الزمن وجودا مكانيا.
وهذا التعقيب التوضيحي يتداخل مع شرح النقطة التي تذهب أن الزمان الذي نعرفه بحركة الاجسام لا ينطبق عليه هذا الفهم كزمن مجرد عن حركة الجسم لذا أعتبر الاغريق الزمن علة وسبب حركة الاجسام لكنا نجهله كزمن فيزيائي مجردا عن حركة الشيء. والصحيح أن الزمن ليس علة وسبب تحريك الاجسام كما أشرنا توضيحه سابقا في مقال سابق. لكنه (الزمن) هو مقدار حركة مكانية ليست مستقلة في ملازمتها لحركة الاشياء والزمن ليس حركة يمكننا تعيينها منفردة ذاتيا. الزمن في لاماديته لا يستطيع تحريك ما هو مادي لا يجانسه الماهية المادية بالصفات. فما هو مادي لا يحركه قانون فيزيائي مجرّدا غير مادي.
التساؤل الفلسفي هل الزمن ثابت أم متغير وكيف؟
طبعا ستكون الاجابة من منطلق فلسفي وليس من منطلق كوزمولوجي علمي. وبعبارة موجزة تمهيدية فلسفية وليست فيزيائية علمية نقول الزمن ثابتا بالقياس الى ماهيته غير المدركة عقليا كموضوع... ويكون في ذات الوقت متغيرا في ملازمته الادراكية للأشياء والموجودات الثابتة منها والمتحركة على السواء... بهذا المعنى الزمن يتغير في رصد ادراكه الاشياء في حالتي الحركة والثبات, وحالتي الثبات والحركة في منطوق الزمن الادراكي هما (ثبات) أزلي بالنسبة للزمن وليسا ثباتا بالنسبة لإدراكنا العقلي الذي يعتمد الزمن حركة في ادراكه الاشياء والعالم الخارجي من غير معرفة الإدراك العقلي ماهية الزمن ولا كيف يكون الزمن أحدى وسائل منظومة العقل في ادراكه موجودات العالم الخارجي ولا نعرف ماهيته ولا كيف يعمل داخل منظومة العقل الادراكية؟
ماهية الزمن العقلية الادراكية هي توسيل وظيفي يشبه تماما توسيل الوعي كحلقة في منظومة العقل الادراكية لكننا نجهل تعريف ما هو الوعي.. أن ما يبدو لنا أن الزمن يتغير من حولنا نجده في ملاحظاتنا تمظهرات العالم المتغيرة من حولنا وملاحقة مدركاتنا للأشياء في ثباتها وفي حركتها وأنها هي والانسان محكومان بالقدم والشيخوخة والفناء، أنما الحقيقة في ادراكنا تغيرات الزمن أن المتغير هو إدراكاتنا العقلية في مواكبة تحولات الاشياء زمانيا - مكانيا من حولنا فالمكاني متغير بالنسبة للزمان الثابت الذي هو أدراك العقل للموجودات مكانا كيفما وجدت في حالتي الحركة والسكون وحتى في حالة السيرورة والتكوّن والعلاقات داخل الشيء.
نجد من المهم التنويه أن نيوتن أعتبر الزمان مطلقا ثابتا قبل تفنيد إنشتاين لنظريته في اثباته نسبية الزمن، ومطلق الزمان جاء من اعتبار نيوتن الزمن ثابتا في ملازمة إدراك العقل للأجسام والاشياء مكانيا، وهو ما سبق لكانط أن قال بذلك قبل نيوتن. وبالحقيقة يمكننا اعتبار الزمن مطلقا يكتسب الثبات في ملازمته لجميع موجودات الطبيعة وكواكب الكون في مجمل تغيراتها وتبدلاتها... بمعنى ثبات ملازمة الزمن لكل شيء ارضي وكوني يجعل منه قانونا ثابتا يحكم الاشياء في الطبيعة مثلما يفعل قانون الجاذبية في ثباته حكم الموجودات لكنه أي الزمن يبقى متغيرا (كونيا) يمتد ويتقلص في ماهيته وخصائصه الفيزيائية خارج سيطرة العقل ووصايته عليه خارج تحقق مدركاته الارضية فقط.
الزمن الارضي الادراكي للأجسام يكون في وصاية العقل عليه وتحكمه بالسيطرة عليه, وهذه الميزة للزمن الارضي يفقدها العقل في الزمان الكوني, أذ في الزمان الكوني لا يبقى وصاية عقلية على الزمن كيف يعمل؟ بل العقل الانساني يكتشف الصفات الفيزيائية التي تطرأ على الزمن ضمن اشتراطات مجالها الفضاء وليس الارض ذكرناها سابقا.
بضوء الفهم الكانطي يكون الثبات المكاني للأشياء هو في حقيقته وسيلة لإمكانية فهم العقل للصفات خارجيا زمانيا وليس ماهويا... أما ثبات الاشياء في ذاتها ماهويا التي لا تدركه الحواس ولا العقل، حينها يكون أدراك الزمن متوقفا معطلا أمام رغبة العقل معرفة تلك الاشياء ماهويا ومحدودية قدراته الادراكية لها في تحقيق هذه المعرفة..
فالأشياء بذواتها الماهوية هي (نومين) سواء عند كانط أو غيره من الفلاسفة وهي ماهيات وجواهر ليس سهلا أمام العقل أدراكها كمواضيع مدركة كما في أدراك العقل صفاتها الفيزيائية أو المادية المتعينة البائنة خارجيا.. والسبب في ذلك عجز كشف الزمان للماهية أدراكا عقليا من خلال إدراك الماهية كمتعّين مادي يعقله العقل كموضوع قائم بذاته..
فالعقل الادراكي يكون معّطلا تماما في غياب وتلازم أدراكات الزمان له كوسيلة معرفية... لكن كيف يعمل الزمان في ملازمته العقل إدراك الاجسام، الجواب غير محسوم؟ ولمن تكون الاسبقية في الادراك للزمن أم العقل؟ غير معلوم أيضا... هذا الاشكال يشبه تماما حين نقول الوعي هو جزء من منظومة العقل الادراكية وبدونها لا يكتمل الادراك، لكن لو سألنا أنفسنا ما هو الوعي بذاته فلا نجد لتساؤلنا جوابا؟؟ ويشبه هذا تساؤلنا أيضا أيهما له الاسبقية أدراك الفكر للشيء أم تعبير اللغة عنه؟
فالعقل يفكر ويعي وجود الموجودات مكانيا بواسطة أدراكها زمانيا.. بمعنى لا يتاح إدراك الموجود مكانا قبل أدراك الزمان العقلي المزامن له... وما يتاح أمكانية معرفته للعقل من موجودات أو كينونات بصفات خارجية بائنة لا يكون متاحا ولا ينطبق على وجود الاشياء بذاتها أي في ماهيّاتها وجواهرها.. فالجوهر حسب موسوعة لالاند الفلسفية هو كل ما هو دائم لا يتغير في أشياء وموجودات تتغيّر...
من المعلوم أن منظومة الادراك العقلية للأشياء في وجودها المادي تبدأ بالحواس لتنتهي بمنظومة الجهاز العصبي والدماغ لكنما يبقى الوعي الزماني الادراكي للأشياء وسيلة ادراكية معرفية وليس موضوعا للعقل... فنحن لا نستطيع اعتبار الوعي موضوعا للإدراك العقلي الحسّي وكذلك نفس الشيء عن الزمن، وإنما هما (الزمن والوعي) حلقتان ضروريتان ضمن منظومة الادراك العقلي، لفهم العالم من حولنا وموجودات الاشياء.. فالوعي والزمان لا يمثلان موضوعين للإدراك لكنهما وسيلتا استدلال ادراكي عقلي لا يمكن الاستغناء عنهما...وبغير الادراك الزماني – المكاني للأشياء لا يتحول الإدراك من أحساسات تستشعرها الحواس وتنقلها للدماغ الى مدركات حسية يستقبلها الذهن والدماغ للتفكير بها..


تنويه: تماشيا مع مبادئ المجلة المرجو التعليق باللغة العربية

0commentaires:

إرسال تعليق

فيلوبريس على الفيسبوك

المواضيع الأكثر قراءة

فيديوهات فيلوبريس