كيف نعي الزمن والوجود؟ ج2

فيلوبريس

كيف نعي الزمن والوجود؟ ج2


د علي محمد اليوسف



ملاحظة تمهيدية:
هذا الجزء الثاني من الدراسة التي ارتأيت تقسيمها جزئين لأخفف على القارئ وطأة التعبير الفلسفي فيها، والاجهاد الذي يتجشمه في محاولة النفاذ الى صلب ما ارغب توصيله في معالجة مبحث فلسفي شائك واشكالي ملتبس غامض تتوزعه الفلسفة من جهة في تضادها مع العلم من جهة أخرى، فما تذهب له الفلسفة في تجريدها المنهجي موضوعة كيف يعي الانسان الزمن؟ كما فعلت في تناولي الموضوع من جنبة فلسفية لا تتطابق ربما مع الفهم العلمي الفيزيائي.
بالتأكيد منهج الفلسفة التجريدي عن وعي الزمن يختلف عن منهجية دراسة الزمن الكوني فيزيائيا وعلاقته بالوجود الطبيعي والإنسان المحكوم بقوانين الفيزياء والرياضيات والكم وغير ذلك من نظريات علمية لها تداخل مع الموضوع، ويلاحظ أني لم أعتمد في الورقة بجزئيها الأول والثاني على مصدر توثيقي فلسفي ولا مصدر توثيقي علمي يسند وجهة نظري الفلسفية ويقي ربما الدراسة من الوقوع في الأخطاء العلمية في علم النفس وعلم وظائف الأعضاء - الجهاز العصبي تحديدا.. وتبقى حقيقة أن كل الأفكار الفلسفية وحتى النظريات العلمية حول ماهية الزمن وعلاقته بالوجود هي نظريات واجتهادات نسبية لا تحمل الصواب التام لكنها خطوة ممكن أن تفتح منافذ الطريق الصحيح في الإضافة وتصحيح الأخطاء.
الزمان والعقل
الزمان يحتاجه العقل في إدراكه الوجود والطبيعة والأشياء المادية الموجودة بالمحيط الخارجي، ولا يحتاجه في حالة تخليق الذهن للأشياء استبطانيا في الدماغ، الدماغ يفكر بتمثلات صور الأشياء ذهنيا في رمزية اللغة وتعبير الفكر عن الوعي العقلي بهما في تجريد لا زماني داخل العقل... ولا يقوم العقل بالتفكير الذهني بالأشياء كموضوعات زمانية تجريديا بل كموجودات مكانية في العالم الخارجي، أي الزمان ليس وسيلة من وسائل تفكير العقل وحسب بل هو وسيلة لإيصال مدركات الأشياء للعقل ونقلها من العقل الى الاشياء ثانية... والعقل يقوم بمعالجة مدركاته في تعينّها كمواضيع وأشياء والزمان ليس موضوعا لإدراك العقل ولا من ضمن اهتماماته، وعلاقة الإدراك الزماني للأشياء بالعقل التخليقي لها هو في توصيل الزمان مدركات العالم الخارجي له وإعادتها ثانية الى الموجودات بالوعي العقلي عنها وتعبير اللغة والفكر لها..
كما هو الحال في مشابهة وظيفة الحواس في تعالقها مع الاشياء من جهة ومع الوعي الادراكي العقلي بها من جهة اخرى..... العقل ذاته لا يدرك تداعيات صور الأشياء الذهنية في حلم الإنسان أثناء نومه في غياب تنظيم الزمان لاشعور الانسان من جهة واختلاطات الصور الذهنية مكانيا من غير تنظيم زماني لها من جهة أخرى.....
وسيلة العقل في التفكير بالأشياء في الذهن هو التفكير المجرد واللغة الصورية في تمثّلها تجريدا فقط وليس الزمان كوسيلة إدراك عقلي موضوعا يدركه العقل من ضمنها... تفكير العقل الذهني لا يحتاج الزمن الادراكي للأشياء بل يحتاجها موضوعات مكانية يجري تجريدها في الذهن عند معالجة العقل لها بمقولاته المعرفية والتفسيرية.
إن من المهم معرفة أن لغة تفكير العقل بالأشياء تكون لا زمانية بصرف الاهتمام أنها تستطيع التعبير عن الزمن كتحقيب توقيتي خارج زمانها العقلي وتكون عندها اللغة نتاج ذهني لم يأخذ حيّز التنفيذ في الواقع.. لذا تكون لغة العقل في الذهن تجريدا لا زمانيا قبل تعبيرها عن الأشياء كمواضيع ومدركات خارجية، ولغة الذهن الاستبطانية داخليا خاصية التفكير العقلي بشيء محدد وليست لغة الذهن هي ذاتها لغة تفكير عقلي عامة في التعبير عن الاشياء بالعالم الخارجي.
ومدركات تداعيات صور الأشياء أثناء نوم الحالم في غياب الوعي أنما يدركها عقل الانسان الباطني اللاشعوري في عشوائية تلغي تحقيب الزمان كقطوعات زمانية وليست قطوعات تاريخية أو في توقيتاته الزمنية المعتادة في تنظيم عالم الاشياء الخارجي الواقعي في مرجعية الزمان للعقل، كما وتلغي الذهنية في التفكير عشوائية تداعيات صور اللاشعور أثناء النوم، وعدم تنظيم صور المكان المتداخلة زمانيا - مكانيا في أستلام عقل النائم لها من ذاكرة الحالم فقط في أثناء لاوعيه...
مجمل وعديد صور الاشياء يتحرر فيها اللاشعور من وصاية أدراك الزمان والمكان لها في أشكال من تداعيات الموضوعات التي يستلمها اللاشعور عند النائم في إنسيابية ودون ترابط بينها أغلب الاحيان باختلاف أن فهم العقل للأشياء وأدراكها في وجودها المادي الخارجي واقعيا في حالة يقظة العقل يكون شعوريا منظّما لأن مدركات الزمان لها يكون منتظما، وهو غيره نجده في تراجع دور العقل الواعي الذي يكون مقيّدا وبلا وصاية مؤثرة أثناء مرور تداعيات صور الاشياء في اللاشعور الذهني عند النائم التي لا وصاية للعقل عليها في أدراكها منتظمة غير مشّوشة وعشوائية في انتقالاتها المكانية وأن كان عقل الحالم حاضرا أثناء تداعيات صور الافكار والاشياء بشكل أدراكي غير منتظم بسبب غياب الزمن الإدراكي المنظم الذي هو قرين الشعور وليس اللاشعور.
الانسان لا يدرك الزمان وجودا ماديا ولا مدركا حدسيا كموضوع في الذهن، في حيويته وأهميته في حالة وعيه الحدسي به في استدلال العقل لأدراكه موجودات الطبيعة في وجوداتها المستقلة، ولا يدرك العقل الزمان في اللاشعور أثناء النوم، كذلك الزمان لا يدركه اللاوعي في ثباته وسكونه أثناء النوم.... فالعقل شغّال من غير تنظيم أدراكي للأشياء في غياب الادراك الزماني اللاواعي أثناء النوم بسبب أن العقل لا يدرك نظام وتنظيم مدركاته من دون أن يقوم الزمان بهذه المهمة قبله أو بعده أو معه لا فرق بذلك فتنظيم الادراك بين العقل والزمان مشتركة وليس مهما معرفة الاسبقية الادراكية لأي منهما على الآخر...
كما أن العقل شغّال أيضا غير مفارق ذهن الانسان في حالتي الوعي واللاوعي، أي أن الزمان المنظّم لا يدرك حالة اللاوعي عند الانسان أثناء النوم في الاحلام، ولا يتدّخل بها كما هي الحال في تداخله مع وعي الانسان وأدراكه موجودات الطبيعة من الاشياء في اليقظة.
وحالة الوجود اللاوعي أو اللاشعور عند الانسان لا يدركها العقل ولا الزمان في نفس آلية أدراكهما المنظّم تجليّات وعي الانسان في أدراكه أشياء الطبيعة والوجود الواقعي باليقظة الذي تتظافر به مجتمعة معطيات الحواس، والجهاز العصبي الناقل، وتعبيرات اللغة والفكر والدماغ في أدراك الاشياء وإعطاء تفسيرات لها...
وكل هذه الفعاليات البيولوجية المعقّدة المعجزة تكون معطّلة في غياب فاعلية الزمان إدراكه الأشياء في وجودها المادي المستقل في الطبيعة وعالم الأشياء... العقل كما هي الحواس أيضا تحتاج الزمن الادراكي لنقل فعالياتها الادراكية الى ذهن الانسان...ولا أدراك للأشياء مكانا في غياب زمن إدراكها، والحواس لا تدرك الاشياء مكانا من غير أدراك زماني ملازم لها متطابق معها في الإدراك....
الزمان في حال كونه معطى إدراكيا قبليا ثابتا في الذهن كوسيلة أدراك العقل للأشياء كما يذهب له كانط, أو كونه ديناميكية شغّالة يعتمدها العقل ترتبط بالحواس والمعطيات الادراكية المنقولة الى العقل أو الذهن كما في علم نفس وظائف الاعضاء فهو في كلتي الحالتين يكون الزمان حدسا في ملازمته الضرورية الوعي في تجليّاته الفكرية وليس موضوعا للإدراك، ولا يدرك النائم الحالم الزمان في حالة اللاوعي عنده... كما أن الزمان لا يدرك ذاته باختلاف حالتي وعي الانسان أو اللاوعي الحلمي في محاولته أدراك ذاتيته المغيبّة وسط تداعيات مخيّلة الذاكرة التي يستلمها اللاشعور في عشوائية من التداعيات والانتقالات خارج الزمان والمكان المدركان في حالة وجود الانسان ضمن الطبيعة...أي أن النائم يخرق قوانين الطبيعة في أحلامه من دون وعيه وإرادته. وخرق قوانين الطبيعة لا يتم الا في تغييب الزمن لا شعوريا وهذا متحقق في غياب الوعي بالزمن عند الحالم....
وفعلا تبقى مقولة فرويد أن اللاوعي لا يحتاج الزمن أو هو متحرر منه صحيحة فالإنسان لا يتحرر من سطوة الزمان عليه الا في حالة اللاوعي أو اللاشعور أثناء النوم والاحلام التي تتداخل فيها صور الاشياء بالذهن من غير زمن ينتظمها، ويكون فيها اللاشعور في أوج فعاليته المتحررة في غياب وصاية الزمان التنظيمية لهذه الصور المتقافزة بالذهن في عشوائية نجدها في الاحلام مثلما لا نجدها في وصاية الزمان على الشعور والوعي في اليقظة وقيامه تنظيم المدركات الحسية والعقلية.
الزمان لا يشتغل الا مع وعي الانسان المتبادل معه حدسا أو إدراكا استدلاليا في معرفة الاشياء والوعي بها.... بفارق أن الزمان يدرك الانسان كوجود في الطبيعة حاله حال جميع أدراكات الاشياء المحيطة به كمواضيع إدراكية له، لكن الانسان لا يقوى على أدراك الزمان كموضوع له سوى من خلال حدس تجليّاته الاستدلالية في أدراكه الأشياء المنقولة للعقل عبر معطيات المدركات الحسية المادية للأشياء...
كما لا يستطيع الانسان أدراك الزمان في حالة اللاوعي أيضا كما هو الحال عند الانسان الحالم في تداخل المكان والقطوعات الزمنية غير المنّظمة المرافقة عنده من دون حضور الزمان المنظّم في تحقيقه وعي الانسان بذاته وفي محيطه في غياب لاشعور النائم وتداعيات صور الاشياء عشوائيا بالذهن الحالم.
إن اللاوعي في مفهوم علم النفس هو وعي مغيّب الحضور على مستوى تغييب الادراك العقلي له زمانيا، واللاوعي مرادف اللاشعور، لذا يكون اللاوعي أو اللاشعور الحلمي أثناء النوم وجود مفارق للواقع الزماني والمكاني، يلغي الحدود التي يضعها الشعور الافتراضي في تحقيب الزمن تاريخيا الى ماضي وحاضر ومستقبل وفي توقيتاته الوقائع الزمنية في التقويم الزمني المعتاد المتواضع عليه في تقسيم اليوم والساعة والليل والنهار والفصول وغير ذلك أيضا.
 في اللاشعور أو اللاوعي عند النائم لا يدرك الانسان ذاته ولا يدرك المحيط من حوله لأنه حالة ثبات في انعدام الزمن المنظّم الواجب في ملازمته صور تداعيات الاشياء مكانا عند الشخص الحالم, ولا يمكنه أدراك متغيرات صورية متداعية لا ينتظمها الزمان المنظّم للأشياء الصورية الحلمية في ترتيبه قطوعات المكان، بخلاف آلية الزمان الإدراكية في وعيه الاشياء والطبيعة كما هي في حالة اليقظة، عن طريق نقل الزمان الذي يعتبره كانط إدراكا مقولبا ثابتا في العقل وسابق على وجود الأشياء، ونقله معطيات المحسوسات للذهن التجريدي, فاللاشعور في ثباته لا يدرك الزمان منتظما توقيتا أو تحقيبا تاريخيا، ولا يدرك المكان وجودا منتظما لأنه محكوم بزمن غائب ومتغير ومكان خارق لقوانين الطبيعة في تداخله مع تداعيات صور الاشياء بذهن النائم الحالم , عليه يكون تداخل التحقيب الزمني غير وارد ولا حاصل مع أدراك اللاشعور لصور الاشياء بأشكال مختلفة عنها أثناء النوم بالمقارنة في حضور أدراك الاشياء المادي الواقعي في حضور وتأطير إدراك الاشياء بانتظام زمني وانتظام مكاني معا..
هنا نؤكد لما سبق أوضحناه أن المكان في غياب أدراك الزمان له غير موجود الا في وجوده المستقل في الطبيعة كمتعين مادي ولا وجود ادراكي له بالذهن قبل أدراك الزمان له وتنظيم الوعي به.... العقل عاجز عن أدراك الأشياء قبل أدراك الزمان لها أو برفقة الوعي بها... ووجود الشيء مكانا في الطبيعة لا يمنح العقل أدراكه له من غير أدراك زمني له يزامنه في تسهيل مهمة العقل إدراكه. واللاشعور يدرك وجود الاشياء واجترار الذاكرة الصور القصّية البعيدة والقريبة في عشوائية ذهنية مكانية حالمة لا يداخلها الزمني في حلم غياب الشعور أثناء النوم...
أدراك الاشياء مكانيا في اليقظة وحضور الشعور أنما هو (زمن) حدسي قبلي يأتي بعد وجود الاشياء في العالم الخارجي المحسوس، وبعد أدراك العقل لها واستقرارها في الذهن يعطي الذهن صحة مدركاته الاشياء في تنظيم الوعي المعرفي بها في تداخل الادراك بين الزمان والعقل. والانسان في وعيه الادراكي الشعوري الواقعي لذاته، وفي أدراكه وجود الاشياء من حوله في الطبيعة، أنما يتم له ذلك من خلال تحقيبه الزمن إدراكيا في وجود الاشياء وفي التوقيتات الزمنية بدءا من الساعة واجزائها وتعاقب الليل والنهار وليس انتهاءا بتعاقب الفصول الاربعة. وبذلك تكتسب الاشياء انتظام وجودها الزماني – المكاني في الطبيعة وليس في اللاشعور الذي يكون فيه حضور الزمن غير منتظم وغائب تقريبا.
أن أي تجزيء توقيتي للزمن أو تحقيب تاريخي أو وقائعي له أنما هو عمل افتراضي (تزمين) لا واقعي لزمن واحد يعيشه الانسان في وعيه الشعوري وأدراكه وجود الاشياء والتاريخ، ويتعذّر على الانسان تجزئة الزمان أو التقسيم أو التحقيب التاريخي في زمان مدرك كموضوع وإنما كقطائع تزامنية افتراضية واقعية، كما يعيش الانسان الزمن كوسيلة في تنظيم مدركاته الاشياء في الطبيعة وليس في أدراك الزمن (بذاته) أو معرفة الانسان ماهيته فالزمن ليس موضوعا للإدراك ولكنه وسيلة العقل في الادراك كما أشرنا له أكثر من مرة....
ألزمن لا يدركه الانسان ولا يحس به وإنما يحدسه عقليا فقط في أدراكه لنتائجه الاستدلالية وفي ملازمته الشعور فقط وليس اللاشعور...الزمن في تنظيم الانسان له على مدار الساعة وانتهاءا بالتحقيب التاريخي له ماض وحاضر ومستقبل، أنما هي عملية يقوم بها الانسان في تنظيم مدركاته للأشياء والوجود انطولوجيا وليس تنظيم الزمن في علاقته بالمكان في الطبيعة.
والزمن واحد في تداعيات صور الموضوعات غير المنتظمة في استقبال ذهن الانسان وذاكرته في انتظام أدراك الاشياء عقليا...فالزمن ثابت ولا يتغير لافي ثبات الاشياء مكانيا ولا في تغيراتها زمانيا بالنسبة لإدراك الانسان للأشياء وليس أدراك الزمان لها فالزمن مرصد واحد ولا يتأثر بحركة الأشياء...
والزمن لا يعي ذاته ولا يعي دوره في تحقيق مهمة العقل أدراك الاشياء...والزمن يدرك حركة الاشياء في سيرورتها ولا يدرك الاشياء في ثباتها المكاني الافتراضي كما ذهب له كانط, فالمكان تلازمه الحركة ويعيه الزمن , فثبات الاشياء المكاني في أدراك الزمان لها هو في واقعه الحقيقي أدراك الاشياء زمانيا فقط ليس بالنسبة لأدراك العقل وليس لأدراك الزمن، بمعنى الزمن وسيلة أدراك الموضوعات والاشياء في زمانية هي خاصيته في احتوائه الاشياء كمدركات مكانية ينقلها للعقل، وبالحقيقة المثبّتة صحتها علميا أنما يكون الزمن بهذه الحالة في إدراكه مكانية الاشياء في مهمة تسهيل أدراك العقل لها هي مدركات الزمان لذاته فقط ويكون وجود الشيء مكانا أنما هو مدرك زماني...أمام هذه الحقيقة العلمية ذهب برجسون الى تخطئته العلم بمنطق الفلسفة الخاطئ. (تراجع مقالتنا بعنوان كانط والمعطى القبلي للزمان والمكان ومقالتنا الثانية كانط وقالبا الزمان والمكان في الإدراك العقلي).
الزمان يدرك ذاتيته المرتبطة بالعقل ولا يدرك الاشياء في وجودها المكاني المستقل إلا باستثناء افتراضي أن يكون الزمان مدركا عقليا يسيّره العقل كيفما يشاء ويريد.. وأنه ليس هناك زمن لا تكون فاعليته من غير عقل أنساني يسيّره... وهذا خلاف المنطق الفلسفي والعلمي فالزمان وجود قبلي في ملازمته حدس العقل الانساني له، والزمن يعمل في الطبيعة كواحد من قوانين الطبيعة المستقلة التي لا قدرة للإنسان في السيطرة عليه سواء أدركه الانسان أو لم يدركه، فالزمن قرين وجود قوانين الطبيعة قبل أن يكون قرين وجود عقل الانسان والوعي في تكوين معارفه وتشكيل مدركاته... وبالعودة مجددا الى مقولة فرويد، نجد غياب الزمن في اللاوعي أو في اللاشعور لا يتم الا في فقدان الانسان شعوره المادي الواقعي بالحياة كوجود انطولوجي، كذات وموضوع معا, بمعنى أن حلم النائم هو موت مؤجل في الحياة يعيشه الانسان في لا شعوره به أثناء النوم بفارق بقاء العقل والنظام البايولوجي يعمل في الجسم أثناء اليقظة وأثناء النوم ولا يتوقف العقل عن حضوره الواعي والتفكيري إلا بعد ممات الانسان.
الأحلام واللاشعور
وفي غياب الزمن التوقيتي أو التحقيبي للتداعيات اللاشعورية أثناء النوم كما يجري في الأحلام، تتوفر أمكانية أن يجد الانسان نفسه كائنا خارقا لقوانين الطبيعة، ويستطيع بكل يسر وسهولة وبغير إرادة مسبقة منه القيام بالخوارق في كسر تلك القوانين الطبيعة في الزمان والمكان الذي نعيشه، والتي يستحيل على الانسان في عالمنا الواقعي القيام بأبسطها في وجوده الطبيعي الشعوري، والسبب في هذا هو غياب الزمن في تنظيم تداعيات اللاشعور في صور الاشياء المتقافزة عشوائيا في الأحلام ... .أن خرق قوانين الطبيعة في الاحلام عند الانسان ممكنة الفعل والتصديق بها من قبل الفرد الواحد صاحب التجربة الحلمية, ولا يشابه هذا خرق قوانين الطبيعة التي يحتازها الانبياء وينسبوها لأشخاص يمتلكون بعضا من المعجزات كما في الأساطير الدينية على الأرض، ويتم خرق قوانين الطبيعة عند غالبية الاشخاص زمانيا – مكانيا أثناء الاحلام, وبلا حدود واقعية فارقة تعودوها واستمدوها من وجودهم الارضي الواقعي الذي ينتظمه الشعور والإدراك الواقعي الحسي العقلي وتنظيم الزمان لمدركات الاشياء... كما يتحقق للانسان أثناء النوم أن يعيش الزمن في بعد واحد فقط تتداخل فيه الامكنة غير المترابطة ولا المنتظمة زمانيا فأدراك الاشياء منتظمة لا يتم من غير ملازمة الزمان أدراكها والوعي بها , ولا يوجد هناك أكثر من بعد زمني واحد عشوائي تتداخل فيه صور الأمكنة الماضية بالحاضر والمستقبل المتخّيل في الأحلام... وأن تقسيم الزمن وتحقيبه هو من ابتداع ملكة الانسان العقلية والخيالية على السواء في تنظيم إدراكاتنا وأساليب حياتنا المتواضع عليها عبر العصور في خضوع الإنسان لتحقيب وتوقيتات الزمن التي أبتدعها وأوجدها ملائمة لتنظيم حياته في حدس الزمان وليس في أدراكه، ولم يكن الانسان في يوم ما مسيطرا على الزمن في تحقيق رغائبه وأمانيه، بل العكس هو الصحيح تماما فلا يقدر الانسان الفكاك من سطوة الزمن عليه واستعباده له منذ الولادة وحتى الممات، فالإنسان في تحقيبه الزمن تاريخيا وتنظيم مواقيت التقويم الزمني له يدرك ماذا يفعل مكانا وليس زمانا في حقيقته.. فإدراكنا الزمان هو في حقيقته ادراكا مكانيا فالعقل يدرك الثبات والحركة خارج فهمه ماهية الزمن، بينما تكون سيطرة الزمان على الانسان عملية لا تعي ذاتها ولا تعي ما يفعله الانسان بها ولا تدرك أن الانسان عبد لزمانه وليس سيدا عليه.

تنويه: تماشيا مع مبادئ المجلة المرجو التعليق باللغة العربية

0commentaires:

إرسال تعليق

فيلوبريس على الفيسبوك

المواضيع الأكثر قراءة

فيديوهات فيلوبريس