توليدية جومسكي في فلسفة اللغة
يقترن مصطلح النحو التوليدي في فلسفة اللغة وعلوم اللسانيات باسم العالم الفيلسوف نعوم جومسكي 1928.. وهو يشير به الى بنية لغوية (فطرية) تتضمن تكوين وأنشاء بنيات مركبة جديدة للغة المستحدثة على الدوام في توليد جمل وعبارات لم يكن استعمالها موجودا سابقا في المعنى التداولي العام مجتمعيا، وليست هذه التوليدية الفطرية مكتسبة من المحيط والبيئة وإنما هي ترجع بالأساس الى ملكة يحتازها الانسان منفردا عن نوعه في امتلاكها كما يمتلكها غيره من الاشخاص لكن باختلاف جوهري أن كل انسان لوحده كائن اجتماعي يعبّر عن الحياة باللغة الخاصة به ويفهم العالم من خلالها بما تمّكنه وتسعفه مخيلته الفطرية توليد لغته الخاصة منذ الطفولة نظرا لما يمتلكه من استعداد فطري لغوي توليدي تطوري.. وبهذه العبارات نكون أمينين في نقل ما هو جوهري في فلسفة جومسكي في التوليدية اللغوية ولنا مداخلة معها خاصة في مفهوم هل اللغة حصيلة معرفية ينشؤها الفرد لتكون سلوكا مجتمعيا كما تذهب له المدرسة السلوكية الامريكية يجمع الكل أم تبقى اللغة منتجا فرديا يسعى كل شخص لوحده أيجاد لغته الخاصة في تعامله مع الحياة بمعزل عن لغة الجماعة كما يذهب له جومسكي في خلافه مع المدرسة السلوكية؟
وفي كتابه (البنيات المركبة للغة) يذهب جومسكي الى أن
البنية الفطرية التي يمتلكها الانسان تمكنه من تكوين جمل وعبارات وبناء تراكيب
لغوية تجديدية لم يسبق للفرد أن تعلمها من المحيط الاجتماعي من قبل، وهذه البنية
الفطرية التوليدية المركبة للغة هي بمثابة الآلة التي توّلد جمل وعبارات اللغة
باستمرار. (1)
في مقالة سابقة كنت أشرت الى أن تفكير الانسان العقلي
باللغة المجردة يمتلك دائما خاصية توليدية في إغناء اللغة باستمرار بما أطلقت عليه
(فائض المعنى) الذي يدّخره التفكير العقلي ويعود الى ضخّه ثانية بواسطة تعبير
اللغة عنه كأداة التواصل الاجتماعي واكتساب المعرفة. وفائض المعنى هو إمكانية
التفكير العقلي المتجدد على الدوام في تزويد اللغة بشكل ونوع الافكار التعبيرية الجديدة
التي لم يكن سبق للغة التعبير عنها...وفائض المعنى كمصطلح ورد عرضا في الادبيات
الفلسفية التي تناولت تحليل اللغة في التفكيكية..
وفي توليدية جومسكي كل تعبير لغوي جديد تضّخه ملكة
التفكير العقلي في عبارات وجمل وتراكيب هي ليست من اختراع ملكة التوليد اللغوي بما
هي لغة تقوم على الصوت والكلام والكتابة.. وإنما مصدرها يكون من اختراع مخيّلة
الانسان في القدرة على التوليد اللغوي المتجدد بما يحمله على الدوام من فائض
المعنى المدّخر بالعقل التفكيري كمفاهيم إدراكية متجددة في تفسير ظواهر الحياة
والسلوك والمحيط الاجتماعي يأخذ الافصاح عنها شكل تعبيرات اللغة..
أننا يجب علينا التمييز بضوء ما أوردناه عن التوليدية هو
وجوب التفريق بأن توليدات مفردات اللغة الجديدة الصادرة عن ملكة التفكير العقلي
التوليدي المجرد ليست هي خاصية من ابتداع العقل الفطري التجريدي بعيدا عن مؤثرات
البيئة والمحيط التي لها الأثر البليغ في تطور اللغة على مستوى الفرد والجماعة..
ونجد أيضا من المهم التأكيد أن اللغة والفكر كلاهما متلازمان
يتطوران سوية مع التطور الذي يحكم الحياة التي يعيشها الانسان ضمن مجتمع معيّن..
ويؤكد جومسكي (أن الدماغ البشري مبرمج بيولوجيا لتعلم اللغة، ولذلك فان القدرة
العقلية لتعلم اللغة تعد فطرية وليست سلوكية مصدرها البيئة، والانسان يمتلك لغة
فطرية وهي عبارة عن آليات وقدرات لغوية غريزية تنمو من خلال التفاعل مع البيئة
اللغوية المحيطة به من الطفولة). نقلا عن موقع الباحثون السوريون.
جومسكي في أدانته المدرسة السلوكية الامريكية في التحليل
اللغوي وصف: اللغة أنها أبعد ما تكون عن مجرد تسلسل عادات، كما أنها تختلف عن
وسائل الاتصال لدى فصائل الحيوان.. من جهة أخرى يرى جومسكي أن الآلات لن تقدر
مطلقا أن تستعمل الكلمات أو أي إشارات أخرى تؤلفها، كما نفعل نحن في تصريحنا للآخرين
عن أفكارنا.(2) بضوء ما مر بنا نستنتج:
-
لغة الآلات نمط من لغة صوتية مبرمجة لا تقوم على ملكة
الابداع التوليدي في الجمل والعبارات كما هي عند الانسان في تجريده الذهني.. وإنما
هي تلقين صوتي ببغائي لا يتمّكن من الربط الخلاق في علاقات الجمل ضمن السياق
الابداعي الممّيز بقدرات إنسانية لغوية في التعبير ...
-
اللغة التي تكرّس السلوك المتداخل فرديا - اجتماعيا
وتخدمه تصبح بمرور الوقت عادة من علاقات لغوية - مجتمعية تستحكم السلوك بعيدا عن
التوليد الابداعي في تجديد اللغة وهذا ما لا يقّر به جومسكي...حيث يرى أن تطورات
اللغة هي مجموع قدرات الافراد ضمن مجتمع معيّن.. ولا تكتسب اللغة صفة السلوك
الجمعي المتواضع عليه اجتماعيا برغبة مجتمعية هي أساسا تقوم على مجهودات لغوية
تعبيرية فردية, تكوينها من نتاج تكامل ملكة التعبير اللغوي الفطرية مع مؤثرات
البيئة والمحيط التي تختلف بتأثيرها من شخص لآخر..
-
اللغة عند الانسان تختلف عنها عند الحيوان كرابط تواصلي
في النوع لكليهما، فهي عند الحيوان غريزة متحكّمة، وليس كما هي عند الانسان ملكة إبداعية
تفهم الحياة وتحاول تطوير الوسائل والتعابير اللغوية بما يشبع التطور الحاصل
بالحياة ويغني اللغة ككائن عقلي حي متجدد.. بينما تكون لغة الحيوان مقيّدة بحاجة
التكاثر الموسمي وبعض الحاجات المتعلقة بالغذاء والتي لا يحتاج الحيوان في إشباعها
لعقل توليدي منتج للغة تتطور دائما كما يفعل الانسان لذا لا تحتاج اللغة عند
الحيوان الى التطور لأنها أصبحت غريزة صرف وليست فعالية متجددة على الدوام كما هي
عند الانسان..
كما نجد أيضا عند جومسكي أهم ميزة في لغة الانسان التي
يتوّحد بها الفكر السياسي والفلسفي واللغوي أن الانسان يمتلك جانبا فطريا يتميز به على أنه خالق للفكر واللغة... ونفهم
من هذا أن اللغة ليست معطى اجتماعيا مكتسبا من البيئة التواصلية، بل هي استعداد
فطري يمتلكه الانسان منفردا في تطوير أدواته اللغوية التي يرافقها على الدوام دخول
الفكر مع البيئة في علاقة جدلية تحكم الاثنين معا (الفكر واللغة) تكون نتيجتها لغة
ابتكارية متطورة باستمرار تنمو مع نمو مدارك الانسان في فهم الحياة من حوله وتلبية
حاجاته المجتمعية عبر التواصل اللغوي ..
أن اللغة تخرج من فضاء الابداع الفكري الشخصي الى الفضاء
المجتمعي العام وتصبح فهما مشتركا وسلوكا عاما مجمعا عليه مجتمعيا حين يكون تفاعل
الانسان مع محيطه البيئي يستلزم منه تطوير قدراته اللغوية التي تشكل بالضرورة
الاجتماعية التواصلية لغة مجتمعية مبتكرة في التقائها مع لغة المجموع....
أي بمعنى تصبح اللغة الشخصية قاموسا لغويا يفهمه ويتعامل
به المجتمع وليس خاصا بفرد أو مجموعة أفراد.. قيمة اللغة اجتماعيا وتطورها
التداولي لا يتم من غير صهر واندماج إبداعات الأفكار اللغوية الشخصية في مصهر
التداول الاجتماعي للغة كسلوك معرفي وتواصلي.. وتطور اللغة في تداخلها مع البيئة
والحياة لا تتم عن طريق جهود فردية معزولة كتوليدات ابتكارية فردية للغة بل في اندماجها
ضمن لغة جامعة لجميع أفراد مجتمع معيّن...أغلب علماء اللغة يدركون هذه الحقيقة
ويتعاملون معها على أن اللغة تتطور بتطور حياة الانسان..
اللغة في الوقت الذي تكون فيه قابلية إدراكية فطرية
تواصلية فردية فهي عاجزة عن التطور ما لم تتحول الى سلوك مجتمعي عام تنتظمه اللغة
الموحدة..(وقد نجحت البنيوية في جذب الانظار الى وجود بنية معقولة لنسق فونولوجي
(صوتي) قد يظن أنه نتاج فكري رغم أنه ليس ثمرة تفكير أي فرد لوحده)(3)...
أننا نكون مخطئين حقا حين ننطلق من أن اللغة وتطورها
يسبق ويوجه أفكارنا ومدركاتنا العقلية في فهم العالم من حولنا في حين يكون المطلوب
هو العكس أن الفكر هو داينمو ومحرك تطوير اللغة التي ندخل بها ومن خلالها معترك
فهمنا الحياة في سيرورتها الواقعية.. ولا نعتقد نكون مخطئين أذا ما أخذنا سلامة
تفكير المدرسة السلوكية الامريكية في فلسفة اللغة اعتبارها اللغة القانون العام
الذي يحكم السلوك المجتمعي.. فاللغة لا تنمو وتتطور قبل تطور الفكر الذي تعبر عنه
هي.. فالجانب الفطري الخلاق في توليدية اللغة أنما يتم عن طريق توليدية الفكر معرفة
الحياة ولا يكون سابقا عليه تعبير اللغة.. الفكر هو ملكة توليدية خلاقة مثابرة ولا
يمكن أن تكون اللغة تمتلك مقومات بناءاتها الانشائية بمعزل عن هذه الخاصية العقلية
التي تحكم الانسان فكرا ولغة متكافلين معا..
وإذا كان الكشف على النحو التوليدي في فلسفة جومسكي هو
الذي أكد على أهمية الجانب الفطري في الانسان، فان التحليل العميق للتواصل عن طريق
اللغة قد بيّن أن اللغة الى جانب القيم الاجتماعية والاخلاقية والثقافية تكون
تعبيرا عن واقع روحي يشمل جميع الافراد ويعني لديهم مصدرا وسببا لوحدتهم دون
المساس بتفردهم. (4). رغم أن تعبير مصدر وسبب لوحدتهم الروحية تمثل نظرة ميتافيزيقية
تكون لفظة توّحدهم الاجتماعي أخف وطأة من الأولى... (فليس مستبعدا أن نتصور اللغة
عضوا في الجسم البشري..) (5) وهي كذلك قطعا..
اللغة والاشياء
للشاعر الفرنسي بوالو مقولة تذهب (أن ما تتمثله جيدا تأتي
صياغته واضحة، والكلمات التي تقوله تظهر فينا طائعة) (6) وهي مقولة تعطي مؤشرا
واضحا في أسبقية وأولوية الفكر في توليد تعبيرات اللغة التي نعبّر فيها عن أفكارنا..
اللغة أداة طيّعة يقودها الفكر ولا تقود هي الفكر..
وبالرغم من مزاعم علماء اللغة من أن الكلمات والاصوات
الدالة تتصف بالعشوائية، الا أن المرجّح التأكيد أن اللغة تقوم في جوهرها على
تنظيم العلاقة الواقعية التي يفهمها جميع الاشخاص بين الكلمات والاشياء.. ويتمثل
هذا في تعبير هيجل المادي قوله (اللغة تعبير عن الواقع وعن الفكر، واللغة مكنّت
النفس من التشيؤ) (7) وهو تعبير مادي جدلي يتعارض مع جميع نعرات ومدارس تجريدات
اللغة ميتافيزيقيا المعتمدة تحت مباحث فلسفة اللغة التحليلية..
قد نجد فروقات بين الاصوات الانفرادية المعبرة عن معنى
أو لا معنى في مقطع صوتي أو كلمة منفردة معزولة عن سياقها التعبيري اللغوي، لكنما
هذا لا نجده في تعابير يكون التعبير اللغوي في سياق عبارة أو جملة تكون تعبيرا
دقيقا أمينا عن الاشياء في واقعيتها وتصوراتنا الذهنية المتعالقة مع ذلك الفهم
عنها... فالصوت العشوائي غير المعبّر عن معنى واضح كونه غير منتظم في نسق لغوي دال
هو الذي لا يعطينا تطابقا حسيا بين الشيء والتعبير اللغوي الصوتي عنه.. بينما تكون
العبارات أو الجمل ضمن سياقاتها المنطقية المتماسكة في التعبير لا يمكن أن تكون
عشوائية في عدم توصيل المعنى المطلوب.. وتكون تعبيراتنا عشوائية في حال عدم انتظام
العلاقة التي تحكم تداخل اللغة والفكر..
اللغة وقصدية الفكر
أن طبيعة تراكيب الجمل أو العبارات اللغوية الكاملة أنما
تكون طبيعة قصدية في توصيل المعنى الواقعي المطلوب عن الاشياء في وجودها الخارجي..
وهو ما لا يتوفر عليه نظام الاصوات الذي لا يكون معبّرا حقيقيا واضحا من غير اعتماده
خلفية الفكر التوليدية للغة.. بمعنى الصوت بلا لغة تؤطره مفهوميا تواصليا يكون
عملا عشوائيا لا معنى له... ففي التأملات السادسة لديكارت يقول (إنما انحصرت
ماهيتي في أني شيء مفكر أو جوهر كل ماهيته أو طبيعته ليست سوى التفكير).
فالإنسان تفكير عقلي قبل أن يكون لغة تعبيرية عن
الاشياء.. واللغة لا تستمد فاعليتها من الوجود الانطولوجي للأشياء فقط وإنما من
قابلية العقل امتلاكه ملكة التعبير الفطرية عن تلك الاشياء باللغة بما يراه العقل
لا بما تدركه الاحساسات فقط..
أن وضوح الافكار باعتبارها معيار اليقين الديكارتي- الذي
نجده عند فينجشتين ودي سوسير- هو مرفوض عند لايبنتيز، الذي يعتبر الوضوح منزلقا
نحو ارتكاب الأخطاء، أذ كثيرا ما نجد الشواهد الواضحة خادعة، لذا يقترح ليبنتيز أن
يحل محله ما يطلق عليه تحليل المفاهيم. (8) وفي أرجائنا الخوض في القاموس اللغوي
التحليلي الذي أبتدعه لايبنتيز في (تحليل المفاهيم) وكان فيه سيّد مباحث فلسفة
اللغة بحق, والذي أرسى وأصبح هذا المصطلح مرتكز جميع فلاسفة اللغة التحليلية من
بعده...
ونكمل مع لايبنتيز وعلينا الانتباه كم يتطابق ما قاله لايبنتيز
حول الوضوح في المعنى الذي كان أستعاره كما أشرنا سابقا عن ديكارت لكن بفارق جوهري
أن ديكارت كان واقعيا في تبسيط اللغة التعبير عن الاشياء والواقع المادي الذي تأثر
به ونقله حرفيا هيجل.. في حين وضع لايبنتيز هذا المصطلح تحت وصاية تجريدية اعتمدتها
مدارس وتيارات فلسفة تحليل اللغة الحديثة من دون استثناء وتسمية أسماء فلاسفة
بعينهم.. الذين تناولوا اللغة كمبحث فلسفي تجريدي وليس كعلم اللغة القائم بذاته
بعيدا عن الفلسفة...
يرى لايبنتيز(أن ما لا يمكن التعبير عنه بلغة العامة هو يكون
ضربا من الخيال والوهم خصوصا وأن الفيلسوف لا يختلف عن الانسان العادي بما لديه من
معرفة بقدر ما يمتلكه من منهج المعرفة نفسه )(9) ص 39
لا نعتقد لايبنتيز كان واضحا بما فيه الكفاية بما يقول،
فوضوح الافكار التي تساير السلوك المعرفي المجتمعي لا يمكن أن تكون لغة فلسفية
واضحة عند الجميع يفهمها المعني المختص وغير المعني من عامة المجتمع.. وأنها تختلف
معرفيا ليس بنوعية المعرفة بين العامة والفيلسوف ألا فقط بامتلاك (المنهج) المعرفي
حسب تعبيره.. هذا المنطق الفلسفي لا يمتلك القبول والتمرير بسهولة...
الا أن الشيء إلهام الجدير بالإشادة والوقوف عنده في
تعبير لايبنتيز هو ابتكاره مصطلح (تحليل المفاهيم) الذي أصبح من بعده أنجيل فلاسفة
التحليلية اللغوية واللسانيات رغم إرسائه نزعة التفلسف اللغوي التحليلي المجرد في
مراجعة وتفسير المفاهيم الفلسفية.. عندما جعلت تلك المدارس من متاهات العقل
الانساني الفلسفية تقوم على مرتكز متاهات التحليل اللغوي التي لا نعتقد وضوح
التعبير في حال تحققه فيها يعطيها مقبولية.. الغموض الفلسفي في تحليل لغة الفلسفة
طريق مسدود أمام كل رغبة جادة أو غير جادة في أن يكون للوضوح الفلسفي معنى التداول
العام..
التجريد اللغوي
يقول تيسوTissot 1767 كلما كان العلم مجردا أو معقدا كلما
كثرت مخاطر التردي في الجنون.. وكان لايبنتيز يرى أن ما لا يمكن التعبير عنه بلغة
العامة يدخل في نطاق الخرافة.. واللغة هي المرآة الحقيقية للعقل، فالواقع عقلاني
واللغة هي المعبر عنه (10). كما يرى برجسون: ليس طريق اللغة هو ما يجب أن نسلك أذا
أردنا أن نسبر أغوار الحياة.. فالواقع الحقيقي لا يمكن التعبير عنه باللغة وبريقه
يلمع من وراء الكلمات.(11) ص 42.
أمام هذه المتناقضات الفلسفية يتأكد معنا ما يلي على
الاقل:
-
أن الواقع المادي ليس تجريدا لغويا، بل هو تجريد فكري
معرفي مفهومي قبل أن يكون موضوعا لتعبير اللغة عنه تجريديا أيضا.. وفي كل الاحوال
هناك حقيقة علينا التسليم بها أن اللغة لا تنوب عن تمّثل الواقع في الذهن كما هو
الواقع على حقيقته خارجه. فالتفكير العقلي تجريد لغوي فقط..
-
أن العلاقة المتداخلة التي تربط ثلاثية الواقع والفكر
واللغة ليس من المتاح الميسور الاجتهاد الفلسفي في التعبير عنها من منطلقات
ميتافيزيقية، وعبارة برجسون تشير بوضوح لما ذكرناه.. فهو يرى الواقع الحقيقي لا
يمكن التعبير عنه باللغة وبريقه يلمع من وراء الكلمات..
-
هل أصبحت وسيلة فهم الواقع الحقيقي هي فهم ماهية الواقع
بعد أن تحوّل في الذهن الى ميتافيزيقا لا يصح الاستدلال عنها بوسيلة اللغة وإنما
بالحدس غير القاطع في التفكير به قبل التعبير تجريديا عنه؟
وهو ما يتطلب من برجسون الإجابة عن مسالتين متداخلتين
ترك توضيحهما: ما هو الواقع الحقيقي المختلف عن الواقع غير الحقيقي في مدركاتنا
التصورية العقلية؟ الواقع الحقيقي الذي لا
تستطيع اللغة التعبير عنه كيف يمكننا أدراكه وما هي وسيلة التعبير عنه في عجز
اللغة القيام بالمهمة حسب برجسون؟ وكيف نوّفق هذا مع عبارة لايبنتيز الذي يرى
الواقع هو كل ما هو عقلاني تستطيع اللغة التعبير عنه كمرآة حقيقية للعقل، ولم يشر
لايبنتيز الى وجود واقع حقيقي هو غير الواقع الذي لا تستطيع اللغة أدراكه في
التعبير عنه؟؟
القضية الثانية المتعالقة مع ما ذكرناه هو التساؤل أذا
ما كانت اللغة عاجزة عن فهم الواقع الحقيقي والتعبير عنه.. فبأي وسيلة يمكننا
معرفته والتعبير بغير اللغة عنه؟؟
عجز اللغة في التعبير عن الواقع هو تحول الواقع المادي
الى تجريد ميتافيزيقي يدركه العقل بالحدس وليس باللغة التي هي وسيلة العقل
الطبيعية في التعبير عن الواقع في تجلياته المدركة حسيا وليس الواقع عندما يتحول
الى ميتافيزيقا لا يستوعبها تعبير اللغة.. ويتحوّل الواقع الى ميتافيزيقا عندما
يكون موضوعا أو قضية تشغل العقل الادراكي في محاولة فهمها وتفسيرها قبل أمكانية
التعبير عنها كمدركات تجريدية باللغة مثلما يجري التعبير عن الواقع المادي بما هو
مدرك عقلي يمكن التعبير عنه باللغة..
الهوامش
1.
الفلسفة واللغة /د. عبد الوهاب جعفر/ ص 17/نقلا عن
المصدر الاجنبي.
2.
المصدر اعلاه ص 18
3.
المصدر اعلاه ص 21 نقلا عن المصدر الاجنبي
4.
المصدر اعلاه ص 19 نقلا عن المصدر الاجنبي.
5.
المصدر اعلاه ص21
6.
المصدر اعلاه ص 31
7.
المصدر اعلاه ص 41 نقلا عن المصدر الاجنبي
8.
المصدر اعلاه ص38 نقلا عن المصدر الاجنبي
9.
المصدر اعلاه ص 39 نقلا عن المصدر الاجنبي
10.المصدر
اعلاه ص 42
تنويه: تماشيا مع مبادئ المجلة المرجو التعليق باللغة العربية
0commentaires:
إرسال تعليق