الإصلاح
الفلسفي بين مأزق الانغلاق ومطلب الانفتاح
28 شتنبر 2019
الدكتور
/ عماد عبد الرازق- أستاذ ورئيس قسم الفلسفة-آداب بني سويف
تمثل الفلسفة المحور الحقيقي لتقدم الأمم والشعوب، وتعتبر الأساس الذي تنهض عليه الحضارات. لذا
يقول الفيلسوف الفرنسي ديكارت في كتابه (مبادئ الفلسفة) أن حضارة الأمة
وثقافتها تقاس بمقدار شيوع التفلسف الصحيح فيها. ونشير في هذا السياق إلى أن من أهم
قضايا الإصلاح الفلسفي في الوطن العربي، هي قضية تدريس الفلسفة في مدارسنا ومعاهدنا وجامعاتنا، والتي
تمثل إشكالية حقيقية في واقعنا العربي المعاصر. ومن الملفت للنظر و المثير للدهشة
و العجب أن نرى تراجعا لتدريس الفلسفة في مدارسنا و جامعاتنا في
الدول العربية، ومن مظاهر هذا التراجع تلك الحملة الشعواء والهجوم الشرس على
الفلسفة و تدريسها، ومحاربتها على مختلف الأصعدة، و السبب الرئيس في ذلك كما نرى
هو ذلك الانطباع الذي رسخ في الأذهان على مر العصور أن الفلسفة ليس لها أهمية، كما
أن دراستها عديمة الجدوى والنفع، كما أنها ضد الدين و متناقضة معه، و في هذا
المسار يوجد تيار ممنهج لمحاربة الفلسفة، و الاهتمام بالعلوم الدينية على حساب
الفلسفة، في الوقت ذاته يتم تحريم الفلسفة و الحد من حضورها في بعض الجامعات
العربية عموما، و الخليجية خصوصا. ومن هنا تعتبر قضية تدريس الفلسفة في الوطن
العربي من القضايا المحورية والمهمة المطروحة على الساحة، والتي ترتكز على سؤال
جوهري هل نحن بحاجة إلى تدريس الفلسفة أو دراستها في مناهجنا التعليمية؟ ومن الأهمية
بمكان أن نضع في الاعتبار أن هذه القضية يكتنفها عدة إشكاليات يفرضها الواقع
العربي المتأزم، كما أنه يوجد عقبات وعوائق تسيطر على تدريس الفلسفة وتقف كسد منيع يعوق انتشارها وحضورها في واقعنا
العربي المعاصر. ولعل من أهم هذه العقبات والعوائق سيطرة العقل السلفي بما يمثله
من جمود يعوق التفكير العقلي الحر، والوقوف الحرفي عند النص، ومصادرة الاجتهاد
العقلي الذي يعتبره من المحرمات أو التابوهات، وهذه هي الطامة الكبرى التي أدت إلى
تأخر الوطن العربي بوجه عام، والفلسفة بوجه خاص. أيضا من العقبات التي تعوق انتشار
الفلسفة وانطلاقها إلى آفاق رحبة هي عملية
النقل و التي ترفض كل تفلسف، وكل استخدام للعقل و التفكير، أيضا طغيان العلوم
التطبيقية و التقنية على العلوم الإنسانية. ورغم هذه العقبات و العوائق التي تقف
سدا منيعا من حضور الفلسفة و انتشارها، إلا أننا يجب أن نلفت الانتباه هنا إلى
حقيقة مهمة و هي الوعي بأهمية ودور الفلسفة في المجتمعات الإنسانية بوجه عام و
العربية بوجه خاص، إذا رجعنا إلى أبن رشد مثلًا الذي يمثل رائدًا من رواد التنوير
العربي، و الذي دعا في كل مؤلفاته إلى نهضة عقلية و تحرر عقلي عن طريق إعطاء
الفلسفة مكانة كبيرة، عندما رأى أن الحكمة (الفلسفة) هي صاحبة الشريعة والأخت
الرضيعة وهما المصطحبتان بالطبع، المتحابتان بالجوهر و الغريزة. و يجب أن نوضح ونضع
في الحسبان أن معركة تحرير عقول الأجيال العربية، لا تنفصم ولا تنفصل عن واقع إصلاح
التعليم الديني في الوطن العربي، بمعنى أن هناك ارتباط و ثيق وعلاقة لا تنفصم
عراها بين واقع إصلاح التعليم في الوطن العربي، ودراسة الفلسفة. بناء على ذلك نرى أن
تدريس الفلسفة و الاهتمام بها و العمل على انتشارها، يمثل ضرورة ملحة وحاجة ماسة
لا يمكن إغفالها أو غض الطرف عنها، لأن تدريس الفلسفة يؤدي وظيفة محورية وهي تشكيل
و تكوين العقل النقدي الذي لا يقف عند حدود الأشياء، بل يبحث عن حلول مبتكرة
للقضايا الشائكة، إن مهمة تكوين هذا العقل ترجع بالدرجة الأولى إلى الفلسفة، لما
تطرحه من عمق في التفكير، وفتح آفاقًا رحبة من الإبداع، كما تدعو الفلسفة إلى
الحوار المثمر وفتح آفاقًا واسعة من التعددية والاختلاف الذي يثري الحوار الهادف.
ومن هذا المقام ندعو إلى تدريس الفلسفة حتى في مدارسنا الابتدائية، لمحاولة غرس
التفكير النقدي في عقول النشء. ولما لا والفيلسوف يمثل ضمير عصره، ومرآته العاكسة
لكل ظروفها وأحوالها، وعلى عاتقه تقع مهمة التنوير، وتطوير المجتمعات، لأن الفلسفة
هي عصرها معبرًا عنه بالأفكار كما قال هيجل. ولعل من أهم عوامل الأمل في تفعيل
النشاط الفلسفي في الوطن العربي هو الديمقراطية، التي تشكل عاملًا محوريًا وأساسيًا
في تفعيل الفلسفة على مستوى التعليم. لذا يوجد علاقة وثيقة بين الديمقراطية و
الفلسفة، وليس هناك أوضح على تلك العلاقة من قول المفكر اللبناني نصيف نصار عندما
قال أنه يمكن التفكير في العلاقات بين الفلسفة والديمقراطية انطلاقًا من قضيتين
مركزيتين هما أن الديمقراطية تحتاج إلى الفلسفة، و الفلسفة تحتاج إلى الديمقراطية.
من كل ما سبق سواء كان هناك عقبات أو عوامل تدعو للأمل، فإننا بحاجة لإنعاش وتفعيل
الفلسفة في جميع مراحلنا التعليمية في الوطن العربي، من أجل خلق جيل واعي متحضر
يملك أدوات من التفكير المبدع الذي سوف يعود على مجتمعاتنا العربية بالتطور وأن
يلحق بالركب الحضاري، وأن يكون قادرًا على حل المشكلات التي تواجه، لأننا عن طريق
الفلسفة وتدريسها والعمل على انتشارها نستطيع التخلص من التقليد والإتباع، ونكون أكثر
قدرة على التفكير الإبداعي الحر ومن هذا المنبر أدعو إلى دراسة الفلسفة والاهتمام
بها والعمل على انتشارها، وتفعيل وجودها في مناهجنا التعليمية المختلفة من أجل غدًا
مشرق، ومستقبل أفضل لوطننا العربي. وفي النهاية يجب أن نشير إلى أن أزمة الفلسفة
في العالم العربي هي أزمة الإنسان العربي، فالمجتمعات العربية يجب أن تتخلص من
فكرة ضدية الفلسفة أو الضد العقلي، بمعنى الفلسفة الضدية التكفيرية على حد قول
عالم الاجتماع خليل أحمد أن أزمة الفلسفة في العالم العربي تمثل محنة العقل العربي
التكراري والتراثي، الذي يخاف من الانفتاح والتفكير. لذا يجب أن تدرس الفلسفة
بجميع أشكالها، و من حق الأفراد في كل مكان أن يدرسوا بحرية الفلسفة، و أن يتولى
تدريسها متخصصون متدربون ،كما ينبغي إلا تخضع الفلسفة لاعتبارات اقتصادية أو
سياسية أو أيديولوجية ، كما ينبغي ربط الفلسفة بالواقع المهني والأكاديمي. ولو تم
ذلك سوف يكون هناك جيلاً واعدًا قادرًا علي التفكير النقدي الإبداعي، و نتخلص من الإتباع
والتقليد.
تنويه: تماشيا مع مبادئ المجلة المرجو التعليق باللغة العربية
0commentaires:
إرسال تعليق