نص بليز وهويجز حول مفهومي الطبيعة والثقافة
نشأ مصطلح الثقافة عن الحاجة إلى وجود
مصطلح ملائم لوصف الجوانب المشتركة لبعض أنواع السلوك التي بلغت مراتب عليا من
التطور عند الإنسان، وإن تكن موجودة بدرجة أو بأخرى عند بعض الأنواع الأخرى1. فعلى حين تتميز غالبية الحيوانات – بما فيها القردة العليا – بأن
النوع الواحد منها يتبع أساسا نفس أنماط السلوك، فإن الإنسان يختلف عن ذلك، بل نجد
على العكس من ذلك أن نوع " الإنسان العاقل " يتميز بتنوع ملحوظ فعلا في
أنماط السلوك على الرغم من أن أفراده يتشابهون فزيولوجيا إلى حد بعيد، ويتمتعون
بأبنية جسمية متشابهة في جوهرها وبنفس الميكانزمات النفسية....
ولعلنا نستطيع أن ندلل على تنوع السلوك
الإنساني في كل نشاط تقريبا من ألوان النشاط التي يؤديها الإنسان. فعادات الطعام –
على سبيل المثال – تتباين بشكل لا نهائي. فنجد جماعات " الإسكيمو" التي
تعيش في القارة القطبية تكاد تقتصر في غدائها على اللحوم والأسماك وحدها، على خلاف
كثير من الشعوب الهندية المكسيكية، التي يقوم غذائها في معظمه على الحبوب والخضراوات.
وكذلك نجد الحليب ومشتقاته تعتبر غذاء فاخرا عند شعب " الباجاندا " في
شرق إفريقيا، في الوقت الذي تضعها فيه شعوب غرب إفريقيا فيلا مرتبة أدنى من ذلك...
إن قائمة الفروق في السلوك الإنساني قائمة
طويلة... فما هي الأسباب التي ترجع إليها تلك الفروق إذن؟ ولماذا يتباين الناس
بهذا الشكل في سلوكهم، رغم انتمائهم جميعا إلى نوع واحد؟
لعلنا نستطيع أن نجد إجابة جزئية على هذه الأسئلة،
في الحقيقة التي مؤداها أن الإنسان يتعلم قدرا من سلوكه يفوق بكثير القدر الذي
يتعلمه أي حيوان آخر. فالإنسان عند مولده ما يزال بعد – أغلب الثدييات الأخرى - في
مرحلة جنينية.
ويعني هذا أن بعض مظاهر النمو المورفولوجي
والفزيولوجي التي تحدث عند الحيوانات الأخرى قبل الميلاد تحدث عند الإنسان، أو تظل
مستمرة، خلال الشهور الأولى بعد ولادته فالرضيع العاجز يأتي إلى هذه الدنيا غير
مزود بأي أساليب مطورة تتميز بأنها متطورة فعلا. ولكنه يستطيع أن يطور لنفسه خلال
مرحلة ما بعد الولادة، قدرة فائقة على مرونة الإستجابة للظروف المحيطة به ويتحتم
عليه ان يتعلم إلى حد كبير كيف يأكل، وكيف يتكلم، ويمشي2 .
ويتم إلى جانب من هذا التعلم من خلال الخبرة
الشخصية أو الخاصة، ولكن الجانب الكبر من ها التعلم يتم عن طريق تقليد الآخرين الموجودين
في بيئته، أو من خلال عمليات التلقين... فمفهوم الثقافة، يدل إذن، على أساليب
السلوك التي تتصف بأنها تكتسب عن طريق التعلم.
ر. ل. بيلز. و. ه. هويجز، مقدمة في
الأنثربولوجيا العامة، ترجمة محمود الجوهري ومحمود الحسيني، نهضة مصر للطباعة والنشر.
القاهرة ط2..1990 ص.135 – 136.
1 « إن أصل الإنسان وتاريخه-
ككائن بيولوجي- يرتبط بأصل المملكة الحيوانية. فإذا نظرنا نظرنا إليه باعتباره
بناء بيولوجيا، لوجدناه يشترك مع الحيوانات في عديد من الخصائص. و تبدو هذه
الخصائص المشتركة واضحة مع بعض الحيوانات بالذات، في حين تبدو الخصائص المشتركة
بينه وبين حيوانات أخرى كالأسماك والطيور على سبيل المثال أقل بكثير… ومن
الملاحظات التي يوصي بها التقدير السليم أن الأشياء المتشابهة تلد الشياء
المتشابهة. فالبشر لا يلدون قططا أو قردة أو طيور... إن على كل كائن حي، لكي يعيش
أن يكون قادرا على الحصول على الغذاء والطاقة
من البيئة... ومن الطبيعي أن نجد نجد الأنواع التي تستطيع التكيف مع بيئتها
، على الوجه الأمثل تصبح أكثر قدرة على
البقاء والثكاتر»
2 « لولا وجود ثقافة والدور الذي
تلعبه في حفظ مكاسب الماضي وتكييف كل جيل لاحق مع نماذجها، لكان الإنسان العاقل
مجرد قرد .... يختلف عنه قليلا في البنيان ويتفوق عليه بعض الشيء في الذكاء، لكن
يرتفع به عن مستوى الشمبانزي والغوريلا»ر. لنتون. دراسة
الإنسان، ترجمة عبد المالك الناشف، المكتبة العصرية بيروت 1964 صفحات 111-
112.
تنويه: تماشيا مع مبادئ المجلة المرجو التعليق باللغة العربية
0commentaires:
إرسال تعليق