نص ليفي ستروس حول التاريخ وفكرة التقدم

نص ليفي ستروس حول التاريخ وفكرة التقدم
 إن أنواع التقدم التي تم تحقيقها من طرف إلا الإنسانية منذ المراحل الأولى واضحة جدا وباهرة، غير أنه ليس من اليسير أن نعتقد بأننا سنتمكن من ترتيب أنواع التقدم هاته حسب تسلسل منظم ومتصل. فقبل خمسين سنة، كان العلماء يستعملون خطاطات ذات بساطة جذابة لتمثيل أنواع التقدم مثل عصر نحت الحجر وعصر صقل الحجر وعصر النحاس... ونظن اليوم أن عصر نحت الحج وعصر صقله تزامنا، أحيانا، جنبا إلى جنب، فحينما تفوقت التقنية الثانية على الأولى وحجبتها نهائيا، فإن الأمر لم يكن نتيجة تطور تقني تلقائي انبثق عن المرحلة السابقة، بل كمحاولة لتقليد صناعة الأسلحة والأدوات الحديدية التي كانت تمتلكها الحضارات الأكثر" تقدما "، فأصبحت معاصرة لمن صنعها بواسطة الأحجار. وخلاف ذلك فصناعة الخزف، التي كنا نعتقد أنها مرتبطة ب "عصر صقل الحجر" فقط قد تداخلت، في الحقيقة مع النحت على الحجر في بعض المناطق الموجودة في شمال أوروبا.
وعلى الرغم من ذلك، فإن قولنا هذا لا يهدف إلى نفي حقيقة وجود تقدم إنساني، بل هو دعوة للنطر الى ذلك التقدم بحدر أكثر، إن تطور المعارف الماقبل تاريخية والأركيولوجيا تصبو الى ترتيب أشكال الحضارات مكانيا والتي حملنا على تخيلها كأنها مرتبة في الزمان، إن هذا يعني أن "التقدم"...ليس ضروريا ولا متواصلا، فهو ينشا عن قفزات ووثبات أو كما يقول علماء البيولوجيا عن الطفرات. وهذه القفزات والوثبات لا تكمن في الذهاب دوما، بعيدا في الاتجاه نفسه.. إن الإنسانية في تقدمها لا تشبه أبدا الفرد الذي يصعد سلما، حيث يضيف في كل حركة من حركاته خطوة جديدة لتلك التي حققها، بل يشبه لاعب النرد الذي يتوزع حظه على مجموعة من المكعبات التي يراها، كلما قام برميها، مبعثرة على السجاد، ومؤدية إلى حسابات مختلفة، فما يمكن أن نجنيه من ربح مكعب، يمكن أن نخسره في مكعب آخر، فتراكم التاريخ لا يتم سوى من فترة إلى أخرى، أي أن الحسابات ينضاف بعضها الى بعض لكي تشكل تركيبة ملائمة.
Claude Levi –Strauss, Race et histoire, denoel, 1987, pp,36-30.


تنويه: تماشيا مع مبادئ المجلة المرجو التعليق باللغة العربية

0commentaires:

إرسال تعليق

فيلوبريس على الفيسبوك

المواضيع الأكثر قراءة

فيديوهات فيلوبريس