المنهج البنيوي عند كلود
ليفي شتراوس
الدكتورة خديجة بوطالب*
04 فبراير 2019
ظهر المنهج البنيوي في سياق المرجعية
الفكرية الغربية للحداثة، غير أنه سعى إلى تقويض الأسس التي قامت عليها
الحداثة. تؤكد البنيوية على انفصالها عن أسس الحداثة، التي تتمثل في العقل، والذات، والتاريخ. وبالتالي تتوخى
البنيوية بتأكيدها على هذا الانفصال وضع منهج شامل يوحد جميع العلوم، ويفسر
الظواهر الاجتماعية تفسيرا علميا.
ترجع بداية ظهور البنيوية إلى أوائل القرن العشرين. تعتبر أفكار العالم اللغوي
السويسري فيرديناند دي سوسير الذي يدشن هذا التوجه، حيث تمثل محاضراته في الدراسات
اللغوية التي ألقاها على طلبته في جنيف
بداية المنهج البنيوي. ومن ثمة يعتبر دي سوسيرمؤسس المنهج البنيوي في علم اللغة.
ولقد اكتسب هذا المنهج شهرة مع الانثروبولوجي الفرنسي كلود ليفي شتراوس، الذي عمل
على نقل المنهج البنيوي من علم اللغة إلى الأنثروبولوجيا.
تعتبر البنيوية منهجا تحليليا، تفترض أن
الظواهر الملاحظة تخضع لقواعد عامة تحدد العلاقات بين عناصر البنية، فالبنيوي لا
يحلل الظواهر العيانية، بل يحاول أن يكشف العلاقات الكامنة خلفها، والتي تؤدي إلى
هذا الواضح أمامنا. يعتبر مفهوم البنية مفهوما مركزيا في المنهج البنيوي، حيث يؤكد
البنيوي على أن لكل شيء بنية، وينبغي التركيز على العلاقات التي تنشا بين مكونات
البنية، أي أنها تؤكد على الكل، فالجزء لا أهمية له خارج علاقاته مع باقي العناصر
المكونة للبنية. ومن ثمة سنتناول في البداية مفهوم البنية، ثم نتعرض لتطور
البنيوية من مجال اللسانيات مع فيرديناند دي سوسير إلى مجال الأنثروبولوجيا مع كلود ليفي شترلوس.
مفهوم البنية
يعتبر الأنثروبولوجي الفرنسي كلود ليفي شتراوس أن " لكل شيء ما لم يكن
معدوم الشكل بنية"(ليفي شتراوس، 1977، ص32)، فالبنية حجر الزاوية في التحليل
البنيوي، اذ تشكل "قاعدة أساسية من قواعد التحليل البنائي...وأنا أعني بذلك
أن التحليل لا يسعه أن يكتفي بتناول الألفاظ بل عليه أن يدرك من خلال الألفاظ ما
يوحد بينها من علاقات، إن هذه العلاقات وحدها هي التي تشكل موضوعه الحقيقي"(ليفي
شتراوس1990، ص، 79).
تؤكد البنيوية على أن لكل الظواهر بنية، وينبغي تفسيرها انطلاقا من تحليل
بنيتها. يعتبر البنيويون المجتمعات والعقول والأساطير بنى، ويجب أن تدرس كذلك. وفي هذا السياق، يعرف ليوناردو جاكوبسون البنية
بوصفها:" مجموعة الروابط بين الأجزاء في مجموعة من الأجزاء المرتبطة
معا")باسم علي خريسان، 2006 ص63)، فالبنية عبارة عن نسق من العلاقات والروابط التي تجمع العناصر
المكونة لها، والبنيوي يكشف عن هذه العلاقات، وبتأكيد البنيوية على العلاقة فإنها
تؤكد على الكل وليس الجزء، فالعنصر المكون
للبنية لا قيمة له خارج علاقاته مع باقي العناصر الأخرى.
تعمل البنيوية على دراسة الروابط التي تنتظم عناصر البنية، وهذه الروابط
تخضع لقوانين تتحكم في بناء العلاقات التي تجمعها، فهي تتسم بالثبات بالرغم من أن
العناصر قد تتغير فإن العلاقات تبقى نفسها، وبالتالي فإن البنيوية تلغي التاريخ
المتسم بالسيرورة، ونظرا لأهمية البنية في التحليل البنيوي، فإننا سنقدم قرائتين
بشأنها:
القراءة الأولى: قدمتها اديثكريزيول في كتابها" عصر البنيوية من ليفي
شتراوسإلى فوكو"، تعرف هذه القراءة البنية بأنها:" نسق من العلاقات
الباطنية له قوانينه الخاصة المحايثة، ومن حيث هو نسق يتصف بالوحدة الداخلية
والانتظام الذاتي على نحو يقضي معه أي تغير في العلاقات إلى تغير النسق نفسه، وعلى
نحو ينطوي معه المجموع الكلي للعلاقات على دلالة يغدو معها النسق دالا على معنى"
(باسم علي خريسان، 2006، ص 65).يتضح من خلال هذا التعريف أن البنية تتسم بالمقومات
التالية:
أولا: البنية تصور عقلي وبناء نظري، عبارة
عن صياغة منطقية من علاقات للأشياء لا الأشياء ذاتها،
ثانيا: التصور البنيوي حقيقة لاشعورية لا تظهر بنفسها بل تدل عليها آثارها
ونتائجها.
ثالثا: الحقيقة اللاشعورية حقيقة آنية تلتفت إلى تشكلها الآني لا إلى
تشكلها عبر التاريخ، وتميل إلى الثبات أكثر مما تميل إلى الحركة، وبهذا المعنى
ترفض التاريخ.
رابعا: الحقيقة اللاشعوية الآنية تلتفت إلى نفسها أكثر مما تلتفت إلى
فاعلها، وتكتشف عن نظام محايث، أكثر مما تكشف عن الذات الفاعلة، وبهذا المعنى فهي
تستبعد الذات(باسم علي خريسان، 2006، صص، 65.66).
أما القراءة الثانية، فقدمها عالم النفس
والمنطق السويسري جان بياجيه، الذي يعرف البنية بأنها:" نظام من التحولات
تنطوي على القوانين، باعتبارها نظاما خلاقا لخصائص العناصر التي تتكون منها،
فالبنية تحافظ على نفسها وتتغذى من خلال تحولاتها الذاتية"(باسم علي خريسان،
2006، ص، 66.65). والبنية حسب جان بياجيه تتسم بالسمات الآتية:
أولا: الكلية: البنية تتألف من عناصر خاضعة
للقوانين التي تحكم نظامها، هذا الأخير يتمتع بخصائص كلية إجمالية متميزة عن خصائص
عناصر البنية.
ثانيا: التحول: العناصر تتبدل ضمن البنية، المضمون يتغير والشكل يبقى نفسه،
ثالثا: التنظيم الذاتي: البنية تضبط ذاتهابذاتها،
حيث تنتظم داخليا(باسم علي خريسان، 2006، ص، 66). انطلاقا من هذه السمات يتبين أن
البنية:" مجموعة قائمة بذاتها، خاضعة لقوانينها الخاصة، بعيدا عن القوانين
التي قد تحكم عناصرها التي تتكون منها، فهذه العناصر قد تتحول لكن المجموعة تظل
محافظة على خصوصيتها، وشخصيتها"(باسم علي خريسان، 2006، ص، 66).
تركز البنيوية على العلاقات التي تنشا بين
مكونات البنية، وبتعبير آخر تؤكد البنيوية على الكل، فالجزء لا قيمة له خارج
علاقاته مع باقي العناصر المكونة للبنية .
البنيوية من فيرديناند دي سوسيرإلى كلود
ليفي شتراوس
عمل سوسير على بناء نظرية للسانيات مقتربا بها من العلمية.لقد انطلق سوسير
في بناء نظريته من التمييز بين اللغة والكلام، فاللغة هي شيء اجتماعي ومقيد في نفس
الوقت، عكس الكلام الذي هو متغير و لايمكن
إخضاعه للدراسة العلمية، وبالتالي اهتم سوسير باللغة واعتبرها بنية مكتفية بذاتها،
تتسم بالاستقرار والثبات، لأنها محكومة ببنى. تتكون اللغة من مجموعة من الفونيمات
خاصيتها الوحيدة هي الاختلاف، والمعنى لا يظهر إلا بهذا الاختلاف،وإقامة العلاقات
بينهما،فالمعنى ليس ناتجا عن الذات فقط، بل أيضايستنتج من النظام الدلالي للغة،
واللغة تتكون من دال ومدلول وهو ارتباط اعتباطي، فالدال هو صورة صوتية والمدلول هو
المفهوم وليست بينهما أية صلة ضرورية، والدال لا معنى له خارج علاقته بالدال
السابق أو اللاحق عليه. لقد حاول دي سوسير تقديم قراءة آنية تزامنية للغة تدرس النظام اللغوي كبنية وليس كجزء.
لقد عمل كلود ليفي شتراوس على نقل المنهج البنيوي من نظرية في اللغة كما عند دي سوسيرإلى نظرية في القرابة
والمجتمعات، حيث عمل على تطبيق المنهج البنيوي في دراسته للقبائل البدائية،إذيعتقد
شتراوسأن هذه القبائل تحكمها بنية لا واعية تتحكم بها، وبذلك يختلف مع المدرسة الانثروبولوجية
البريطانية، التي كانت تحصر اهتمامها على فهم الوقائع،والأحداث، والعلاقات التي
تقوم بين الأفراد والجماعات الاجتماعية عن طريق تتبع العلاقات المعقدة في تشابكها،
حيث يعتبر شتراوس أن مثل هذا الاهتمام لا يمثل سوى الحد الأدنىمن مستويات التحليل،
نظرا لالتصاقه الشديد بالواقع الملموس والظواهر الملاحظة.
يرى شتراوس أن الأحداث الظاهرة التي يمكن
ملاحظتها لا تمثل الحقيقة، لأنها محكومة ببنى خفية تتحكم فيها، وفي هذا الصدد، يرى
شتراوس أن المهم هو:" البحث عن البناء العميق الذي يكمن وراء الظواهر
والعلاقات الملاحظة أو المظاهر السطحية وتحليل الأبنية العقلية أو الذهنية، التي
تقدم لنا المبادئ العامة، فالأحداث والوقائع الظاهرية لا تؤلف الحقيقة، إنما هي
رموز زائفة خداعة تختفي وراءها الحقيقة البنائية" ( باسم علي خريسان، 2006، ص،
79).
يؤكد شتراوس على أن البنيوي ينطلق من الواقع ويتجاوزه ببنائه نموذج يوفر له
الأساس الذي يمكنه من الكشف عن البنية اللاواعية للظاهرة، فالواقع لا يمثل سوى
الخطوة الأولية في البحث. إذ يرى أحمد أبو
زيد في شرحه للبنيوية عند شتراوس أن على البنيوي أن: " يتجاوز ذلك المجتمع أو
الفاعلون الاجتماعيون، كما يسميهم شتراوس. وأن يهتم بالكشف عن ذلك النموذج
اللاشعوري الكامن أو المستتر، فالتنظيم الظاهر في المجتمع يخفي وراءه مبادئ هامة
لا تبدو ظاهرة للعيان، ووظيفة الأنثروبولوجي البنائي في نظره هي البحث عن تلك
المبادئ المستترة أو الخفية" (باسم علي خريسان، 2006، ص، 79).
تعتبر البينية أساس التحليل البنيوي، وهي نسق قائم بذاته ومكتف بنفسه،
وتسعى إلى الاقتراب من العلمية في تفسير الظواهر الاجتماعية، لذلك عملت على إلغاءالذات
مركزة على العلاقات التي تقوم بين عناصر البنية المغلقة على نفسها، والكشف على
المبادئ المستترة التي تحكم النظام البنيوي.
لقد عمل شتراوس على نقل المنهج البنيوي من
مجال اللسانيات إلى علم الاجتماع، وذلك عندما قام بتطبيقه في دراسته لبنية
القرابة، وهكذا، بعدما تناولنا مفهوم البنية سنتعرض لمفهوم القرابة.
تتجسد القرابة التي تتحكم في مختلف
المجتمعات البشرية في مختلف نماذج العائلة، وهي مجموعة من الناس توجد بينهم رابطة
الدم، والزواج أو التبني، ويسكنون معا، وهناك ثلاث أنواع من العائلة:
أولا:
العائلة الدرية أو البدائية، تتألف من الأم،والأب،والأولاد،
ثانيا: العائلة المركبة، تضم مجموع الأزواجوأولادهم في المجتمعات ذات
الزواج التعددي،
ثالثا: العائلة الواسعة، تضم أقارب الدم مع حلفائهم وأولادهم، وتمتد إلى
الجيل الثالث (لابورت، فارنييه2004، ص، 68).
يقول كلود ليفي شتراواس أن :" ما يسمى عادة منظومة القرابة يخفي في
الحقيقة نظامين مختلفين جدا في واقعهما، أولا هناك ألفاظ يجري التعبير بها عن
مختلف نماذج العلاقات العائلية، إلا أن التعبير عن القرابة لا يجري فقط بمصطلحات..فإلى
جانب ما نقترح دعوته منظومة التسميات، توجد منظومة أخرى ذات طبيعة سيكولوجية
واجتماعية نسميها منظومة المواقف"(ليفي شتراوس،1977، ص ص، 57.58).
يميز شتراوس بين منظومتين مختلفتين:
منظومة التسميات: أي المصطلحات التي يتم التعبير بها عن مختلف نماذج
العلاقات العائلية، العم، والأب، والخال.
منظومة المواقف: وهي ذات طبيعة سيكولوجية
نفسية، فالأشخاص الذين يستعملون ألفاظ القرابة عادة ما يحسون اتجاههم بسلوك معين،
إذ تنطوي عبارات القرابة على نماذج من العلاقات والمواقف كالاحترام والألفة.
يقترح كلود ليفي شتراوس لدراسة بنية القرابة ضرورة الأخذ بعين الاعتبار
مختلف العلاقات العائلية، بما فيها علاقة المصاهرة، التي تعتبر القاعدة الناظمة
لعلاقات القرابة، التي تستند إلى قاعدة تحريم
زواج المحارم، يقول ليفي شتراواس:" إن بنية القرابة بالغة ما بلغت من
البساطة لا يمكن بناءها على الإطلاق انطلاقا من العائلة الحيوية، البيولوجية التي تتألف
من الأب، والأم، والأولاد، بل إنها دائما تنطوي على علاقة المصاهرة التي هي معطاة
لنا مند البداية" (ليفي شتراوس، 1990، ص، 79).
يؤكد شتراوس في دراسة لبنية القرابة على
ضرورة الأخذ بعين الاعتبار مجمل العلاقات التي تشكل بنية القرابة، وتشمل علاقة
عصبة، وعلاقة زواج، وعلاقة نسب، وهو ما يتضح
من خلال تحليله لظاهرة الخؤولة.
ينطلق شتراوس في دراسته للخؤولة من الدراسات
السابقة عليه ممثلة في دراسة راد كليف براون لإحدى القبائل بإفريقيا الجنوبية،
إذيرىأن الخال ينطوي على منظومتي مواقف متنافرة:
الحالة الأولى: يمثل الخال سلطة عائلية، فهو
مطاع ومهاب ويتمتع بسلطة على ابن أخته.
الحالة الثانية: علاقة ألفة ومودة بين
الخال وابن الأخت.( ليفي شتراوس،1977، صص، 62).
يرى راد كليف براون أن هناك علاقة متبادلة بين الموقف من الأب والموقف من
الخال، فعندما تتسم العلاقة بين الأب والابن بالمودة، فان العلاقة بين الابن والخال تتسم بالسلطوية،
وعندما تكون العلاقة بين الأب والابن علاقة سلطة، تكون العلاقة بين الخال وابن الأخت علاقة ألفة، حيث
تشكل زمرتا المواقف كمزدوجتين من التقابلات (ليفي شتراوس،1977، ص، 62).
لتفسير هذه الظاهرة يقترح رادكليف براون أن النسب يحدد معنى هذه التقابلات،
ففي النظام الأبوي حيث يمثل الأب السلطة فإن الخال يعتبر" أما ذكرية"،
ويعامل عادة معاملتها، ويكون العكس في النظام الأمومي حيث يجسد الخال السلطة،
والأب الألفة. (ليفي شتراوس،1977، ص، 63).
إذا كان راد كليف براون اختزل تحليله للخؤولة في حدين فقط هما الأب/الابن،
والخال/ابن الأخت، فإن شتراوس يؤكد على أن تحليل مسألة الخؤولة تستلزم الأخذ بعين
الاعتبار مختلف عناصر البنية الأخ، والأخت، وابن الأخت، وزوج الأخت.( ليفي
شتراوس،1977، ص، 63). ويستدل على ذلك بأنه في جزيرة تروبرياند حيث يسود النظام الأمومي،
هناك علاقة مودة بين الأب والأبن، وعلاقة عداء واضحة بين الخال وابن الأخت، أما في
شراكس بالقوقاز حيث يسود النسب الأبوي، فإن هناك علاقة عداء بين الأب والابن، وعلاقة
ألفة ومودة بين الخال وابن الأخت(ليفي شتراوس،1977، ص، 64).
كما حظيت جزيرة تروبرياند بالدراسة من لدن الأنثروبولوجي مالينوفسكي، الذي
سجل أن الزوجين في جزر تروبرياند يعيشان في جو من المودة، وأن علاقتهما تسودها
المعاملة بالمثل، بينما تهيمن الصرامة والحرمة على علاقات الأخ والأخت، والعكس
سجله في القوقاز، حيث أن العلاقة بين الزوجين تعرف الحرمة، إذ يحظر سؤال الزوج عن
صحة زوجته، أما العلاقة بين الأخ والأخت
فتطبعها المودة والحنان (ليفي شتراوس،1977، ص، 64).
لفهم مسألة الخؤولة يؤكد شتراوس على أنه ينبغي
معالجتها كعلاقة داخل منظومة، والمنظومة
لكي تفهم ينبغي فهم بنيتها، وبنية القرابة تشمل ثلاث نماذج من العلاقات العائلية،
وهي علاقة عصبة، وعلاقة زواج، وعلاقة نسب. وبذلك يختلف كلود ليفي شتراوس مع براون الذي يؤكد على : "أن العلاقة الخالية ليست علاقة بين حدين بل
أربعة، فهي تستلزم أخا وأختا وزوج أخت
وابن أخت، إن تفسيرا كتفسير رادكليف براون يعزل على نحو كيفي بعض عناصر بنية إجمالية،
وينبغي أن تعالج بصفتها تلك" ( ليفي شتراوس،1977، ص، 63). تقتضي دراسة علاقة
الخؤولة دراسة بقية علاقات أفراد العائلة، وبتعبير آخر، دراسة العلاقات الآتية:
الأخ/ الأخت، والزوج/الزوجة، والأب/الابن، والخال/ ابن الأخت.
يؤكد شتراوس أنه: " عند التأمل في
مجتمعات من الطراز الشركسي أوالتروبرياندي لا تكفي دراسة المواقف المتبادلة : أب/
ابن، وخال/ ابن أخت، ذلك أن هذه العلاقة المتبادلة ليست سوى جانب واحد من منظومة إجمالية
تشتمل على أربعة نماذج من العلاقات ترتبط يبعضها ارتباطا عضويا، وهي أخ/أخت، و
زوج/زوجة، و أب/ابن، خال/ ابن أخت"( ليفي شتراوس،1977، ص، 64).
لقد ساهم كلود ليفي شتراوس في تطوير البنيوية، وذلك عندما قام بنقلها من
مجال اللغة إلى مجال الأنثروبولوجيا، إذ طبق المنهج البنيوي في دراسته للقبائل
البدائية، لأن هذه الأخيرة تتسم بالسكون وينطبق عليها هذا المنهج، وقد رأى شتراوس أن
القبائل البدائية تحكمها بنية خفية، وبالتالي فإن هدف الباحث يكمن في الكشف عن هذه البنية، لأن الظواهر البارزة على
السطح لا تمثل الحقيقة.
انطلاقا من تركيز شتراوس على البنية في
تحليل العقول والأساطير والمجتمعات، عمل شتراوس على تجاوز نموذج المجتمع كما يظهر
للعيان، وذلك عندما أكد ضرورة البحث على النموذج اللاشعوري المستتر. لقد استهدف
شتراوس من وراء تبني المنهج البنيوي دراسة المجتمعات دراسة علمية، إذ أن البنية
قائمة بذاتها، ومكتفية بنفسها، حيث تستبعد الذات، متناسية أنالذات هي التي أنشأتها.
كما تلغي من اعتبارها التاريخ، فالبنيوية تقدم دراسة تزامنية آنية تلتفت إلى نفسها
أكثر من تشكلها عبر الزمان.
إذا كان شتراوس استطاع تجاوز العديد من
الباحثين أمثال راكليف براون في دراساته للقبائل البدائية، عندما كشف عدم الاكتفاء
بدراسة حدين فقط: الأب/الابن،والخال/ ابن الأخت في تحليله للخؤولة، وضرورة اشتمال
الدراسة على مجمل علاقات القرابة أي جميع عناصر البنية، وكشف بالتالي عن أهمية
المنهج في دراسة المجتمعات المتميزة بالسكون أو البدائية، التي لا تشكل الأغلبية، فماذا
عن المجتمعات الساخنة، التي تبقى في حاجة إلى الدراسة والكشف عن العلاقات المتغيرة،
وكيفية الإمساك بها؟
لائحة المراجع:
_ كلود ليفي شتراوس، الأنثروبولوجيا، ترجمة د. مصطفى صالح منشورات
وزارة الثقافة والرشاد القومي، دمشق، 1977.
_ كلود ليفي شتراوس، الاناسة البنيانية، ترجمة حسن قبيسي، مركز
الانماء القومي لبنان، 1990.
_ باسم علي خريسان، ما بعد الحداثة، دراسة في المشروع الثقافي الغربي،
دار الفكر، دمشق،، 2006.
_ فيليب لابورت، جان بيار فارنييه، أثنولوجيا أنثروبولوجيا، ترجمة
مصباح الصمد ، مجد المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع، 2004.
تنويه: تماشيا مع مبادئ المجلة المرجو التعليق باللغة العربية