أخلاقيات التواصل في العصر الرقمي – هبرماس أنموذجًا

قراءة في كتاب :
أخلاقيات التواصل في العصر الرقمي – هبرماس أنموذجًا لأسماء ملكاوي
بقلم :كمال طيرشي
باحث في المركز العربي للأبحاث و دراسة السياسات
الكتاب: أخلاقيات التواصل في العصر الرقمي-هابرماس نموذجاً-.
الكاتب: أسماء حسين ملكاوي.
مكان النشر: بيروت، لبنان.
تاريخ النشر: 2017.
الناشر: المركز العربي للأبحاث و دراسة السياسات.
عدد الصفحات: 256.

صدر مؤخراً عن المركز العربي للأبحاث و دراسة السياسات كتاب يحمل عنوان: أخلاقيات التواصل في العصر الرقمي – هبرماس أنموذجًا-من منطلق أن هذا الفيلسوف الألماني ممثل الجيل الثاني للنظرية النقدية في مدرسة فرانكفورت،حيث عمد إلى الحد من غلواء النزوع التشاؤمي الذي منيت به طروحات أنصار الجيل الأول للمدرسة : مثل ماكس هوركهايمر، و ثيودور أدورنو، ماركوزه، منادياً بالأخلاقيات التواصلية و معتبراً بأن الحداثة مشروع غير مكتمل ، و أننا لا نزال نسير نحو الحداثة، كما أن أطروحة هابرماس كشف عنها بصورة مفصلة و موسعة في كتابه المركزي: نظرية الفعل التواصلي، و مؤلفة الكتاب أسماء ملكاوي تطرح إشكالية مركزية في كتابها مفادها :
إشكالية الكتاب المركزية:
هل الطرح الذي بلوره الفيلسوف يورغن هابرماس المتجسد في إتيقا المناقشة قابل لأن نعممه من خلال النقاش العقلاني، بالطريقة الكلاسيكية المباشرة أم من خلال مُكنات و تقنيات التواصل الرقمية المعاصرة.؟


1-نظرية يورغن هابرماس بين الفلسفة و تحولات العصر:
أكدت الباحثة الأردنية أسماء ملكاوي في الفصل الأول من الكتاب على قضية مهمة جدا مفادها أنه يجب على نظرية الفعل التواصلي الهابرماسية أن تنتهج سبيلاً تفرضه عليها معطيات العصر الرقمي التواصلي الجديد و أن تعمد إلى تحديث نفسها من خلال التقنية الحديثة، هذا بالإضافة إلى لزومية أن تحتكم نظرية الفعل التواصلية إلى التطبيق في الواقع العملي الممارساتي، و تبيح عن إمكانات التواصل الرقمي المعاصر في تطبيقية لنظرية الفعل التواصلي الهابرماسية ، كما أكدت كذلك على أن يورغن هابرماس ساهم بقوة في تجسير الهوة بين العلم و الفلسفة من خلال نظريته التواصلية.
2-خصائص التواصل الرقمي: تحول مفاهيمي وملامح نظرية تواصلية:
في هذا الفصل تطرقت الباحثة ملكاوي إلى أهم ميزات و خصائص العصر الرقمي و ما يتعالق به من تطور كبير في استخدام وسائل التواصل الاجتماعي مثل فايس بوك و تويتر، هذا العصر الرقمي الذي ستعمد فيه نظرية الفعل التواصلي تطبيق نهجها في اتيقا النقاس، فعصرنا الحالي شهد تغيرات و تطورات وجودية كبيرة ذات مفاهيم شكلت الوجود الإنساني ، ومن أهم هذه المفاهيم : التواصل، الإتصال، الجماعات، الأفراد، المجتمعات البشرية، الزمان، المكان، الهوية، صراع الهويات، اللغة و الآخر،الحريات العامة، حقوق الأفراد و الجماعات، الإعلام، الثقافة ، الدعاية...إلخ. إلا أن ملكاوي أكدت على ضرورة التحوير في هذه المفاهيم حتى تصبح متوافقة و منسجمة مع شبكات التواصل الاجتماعي الرقمية الرقمية و بمنهجية فكرية و إتيقية جديدة مجاوزة للطرائق الإتيقية الكلاسيكية و بالتالي تنفتح نظرية الفعل التواصلي على العصر الرقمي الجديد و تكتسب منه أهم ميزاته.
3-أخلاقيات التواصل : الأسس النظرية و المفاهيم المركزية :
عمدت ملكاوي في هذا الفصل إلى تتبع السياق الفكري و الفلسفي الذي تمخضت عنه نظرية الفعل التواصلي للفيلسوف الألماني يورغن هابرماس، أو إتيقا المناقشة و الحوار،كما تطرقت إلى أهم تصورات و معالم هذا الإطار الفلسفي و تمرحلاته التي بلورت في النهاية نظرية نقدية تواصلية لم تقطع وشائج القربى مع ما طرحته النظرية النقدية في جيلها الأول مع هوركهايمر و أدورنو و ماركوزه، و التي تعتبر بالنسبة ليورغن هابرماس الخلفية الفلسفية المشكلة لفلسفته و أطروحاته في مابعد، كما انفتحت الباحثة لأبرز الأدبيات السالفة التي تكلمت عن هذه النظرية و مكناتها التطبيقية العملية بداية طبعاً من محاولات الفيلسوف يورغن هابرماس، و بعدها محاولات أخرى متباينة في مجالات إبستمولوجية متنوعة و متعددة ، لتصل أخيراً إلى مجال التقنيات المعاصرة للتواصل الرقمي.
و بذلك اقتدر هابرماس في نظريته الإتيقية التواصلية إلى تشييد صرح عالمي كوني قابل للتعميم فيما يتعلق بصلاحيات الحديث في الفضاء العمومي ، واقترح في مقابل ذلك توصيف البراغماتية العالمية العامة أو المعممة و هذا بغية إعادة بناء التصورات العامة لعمل فعل كلامي تواشجي و توافقي بين البشر.
4-أخلاقيات التواصل في العصر الرقمي: ممكنات و تحديات :
في هذا الفصل عملت الباحثة الأردنية ملكاوي على المواشجة بين ماهو واقع في عالم التواصل الرقمي المعاصر و بين نظرية الفعل التواصلي و إيتقا المناقشة عند يورغن هابرماس ، كما ناقشت الإمكانات المتاحة للعالم التقني لاستيعاب المفاهيم التي تستعملها نظرية الفعل التواصلي لدى هابرماس و مبادئ إتيقا المناقشة عنده، و التي تسعى لخلق جو مهيب لإتيقا التفاهم بين البشر، و فتح مجال الحوار في الفضاءات العمومية و بالتالي الانفتاح نحو المشاركة للآراء و التصورات المختلفة و صهرها في بوتقة واحدة على أن يكون هذا النقاش ملتزم بالوضاحة و الصدقية و الجدية، مع الانفتاح كذلك على المناحي القيمية للنقاش و تحليل واقعها على وسائل التواصل الاجتماعي كالفايس بوك و التويتر، و هذا ما أكدته الباحثة ملكاوي حيث عملت إلى حصر الصفات التي تهتم بأخلاقيات النقاش و عمدت إلى احصائها، و كذا تحليلها بما يخدم الوصول إلى نتيجة نهائية في شأن فايس بوك و تويتر ي تفعيل النقاش و الحوار العقلاني التواصلي الاتيقي في شتى مناحي و المتفصلات.
خاتمة :
تخلص الباحثة ملكاوي في خاتمة كتابها إلى نتيجة مفادها أن رقمنة الفعل التواصلي الهابرماسي هو تمظهر من تمظهرات الحداثة أو بالأحرى يمكن القول منتج من منتجاتها و مع ذلك سيتأتى لنا من خلال اقحام العالم الرقمي التواصلي أن نمنح للحداثة فرصة أن تراجع ذاتها و تصلح مآلات شرودها و نكوصها بالاستعانة بأدواته هي و ليس بأدوات متخارجة عنها، فالحداثة سقطت في براثن غياب الأخلاق و القيم و احترام قيم الانسان الشخصية، و بهذا تكون الحداثة في مواجهة مع نفسها عبر تطبيقات التواصل الرقمي (فايس بوك و تويتر)، فتصلح و تنتشل ذاتها من براثن التشيؤ، أو تختار الأفول و النهاية الحدية لكل طموحاتها.



تنويه: تماشيا مع مبادئ المجلة المرجو التعليق باللغة العربية

فيلوبريس على الفيسبوك

المواضيع الأكثر قراءة

فيديوهات فيلوبريس