الغير Autrui

الغير Autrui
في الاشتقاق اللاتيني ALTER وتعني الآخر في مقابل الهوية، وفي اللغة العربية، يشتق مفهوم الغير من كلمة غير، المستعملة عادة للاستثناء (بمعنى سوى). ومن ثم يتخذ مفهوم الغير معنى التميز والاختلاف، ونلاحظ أيضا ترادفا بين معنيي الغير والآخر. أما في الاستعمال الفرنسي، فنسجل تمايزا بين كلمة الغير Autrui  والآخر autre، حيث يتخذ مفهوم الآخر معنى أوسع يفيد كل ما يختلف عن الموضوع والذات، ويشمل الاختلاف كذلك مستوى الأشياء والعالم، في حين أن كلمة الغير تكتسي معنى أضيق من كلمة الآخر، التي تنحصر في مجال الإنسان فقط، ويقصد به الناس الآخرين، لكن رغم هذا الاختلاف فقد جرى استعمال الغير للدلالة على الآخر.
ويشير معنى الغير/ الآخر بالنسبة إلى العديد من الفلاسفة إلى كل ما هو غير الأنا، لكن الاختلاف قائم بينهم في النظر إلى من يكون الغير وأشكال العلاقة بين الأنا والغير. يغلب على مفهوم الغير الطابع الأنطولوجي ويقابله الهوهو بصفته المبدأ المهيمن في الفكر الفلسفي اليوناني إذ يحدد أرسطو المبدأ منطقيا: الهوية. فالشيء إما أن يكون هوهو، أو أن يكون مخالفا لذلك، بمعنى أنه بالنسبة إلى كينونته هوهو، وبالقياس إلى الغير مخالف له.
في الإيبيستيمية الحديثة نلاحظ بروزا لمقولة الأنا/ الذات بما هي جوهر مفكر، ترفض حضور الآخر أو الاستعانة به في ما يخص البحث عن الحقيقة، بما يبرر التخلص من الموروث المعرفي على وجه العموم، وهذا ما دفع البعض إلى تصنيف التصور الديكارتي ضمن مذهب الأنا وحدي/ الأنانة  le Solpsisme، وفي ذلك تأكيد على المنزلة العرضية أو الدونية للغير. نقد هيجل كل تصور إقصائي لوجود الغير، لأن الذات في تقديره حينما تنخرط في الحياة، يتحقق وعيها بذاتها من خلال اعتراف الغير بها، وهي عملية مزدوجة يقوم بها الغير كما تقوم بها الذات. ولا بد أن ينتزع اعتراف أحد الطرفين الاعتراف من الآخر. هكذا تدخل الأنا في صراع حتى الموت مع الغير، وتستمر العلاقة بينهما في إطار جدلية العبد والسيد. هكذا يكون وجود الغير بالنسبة إلى الذات وجودا ضروريا.
إلا أنه يمكن أن يكون الغير أنا أخرى ليست أناي الفردية، وهو ما تراه الوجودية، لأن الآخر يعنى الشخص الإنساني الآخر بصفته الضد الذي يسلب ذاتي ويحد من حريتي. إن الغير حسب سارتر "هو ذلك الأنا الذي ليس هو أنا، ولست أنا هو". وهذا ما يترجم عن علاقة صدام بين الأنا والغير.
إن مفهوم الغير لا يطرح مسألة العلاقة بين الأفراد فقط، وإنما يشمل علاقة الأنا بالغير ككيان ثقافي، الأمر الذي يدفع نحو مساءلة طبيعة التواصل القائم بينهما من جهة والخصوصية والكونية من جهة أخرى. ومن ثمة لا أن تنشأ بين الأنا والغير علاقة من الاحترام المتبادل وبالتالي الاعتراف للغير بخصوصيته الثقافية ونوعيتها وتميزها.


تنويه: تماشيا مع مبادئ المجلة المرجو التعليق باللغة العربية

فيلوبريس على الفيسبوك

المواضيع الأكثر قراءة

فيديوهات فيلوبريس