كتاب "المنهج" la méthode" لإدغار موران

كتاب "المنهج" la méthode"  لإدغار موران
كتاب المنهج لإدغار موران

يتكون كتاب "المنهج" من ستة أجزاء (من الحجم الكبير) وردت تحت العناوين التالية: "طبيعة الطبيعة" (1977) و"حياة الحياة" (1980) و"معرفة المعرفة" (1986) و"الأفكار" (1991) و"إنسانية الإنسان" (2001) و"الإيتيقا" (2004). والخيط الناظم بين هذه الكتب هو المنهج، ولكن ليس "المنهج" كتابا في الميتودولوجيا أو أدوات يتبعها الذهن، بل مشروع فكري يعرض فيه موران مسار حياة كاملة من البحث والتفكير من أجل تأسيس رؤية نسقية للإنسان في أبعاده الطبيعية والمعرفية والاجتماعية والثقافية، وهي رؤية توحدت في أفق الإنسانية سعيا إلى تجاوز مظاهر لا إنسانية الإنسان المعاصر.
لقد أراد موران فهم وضعية الإنسان وما يحدث في العالم من كوارث فيزيائية وبيولوجية واجتماعية وسياسية، وباختصار فهم "بربرية" إنسان القرن العشرين وتجاوزها، ففيم تتمثل إنسانية الإنسان؟
المنهج هو تشخيص لأزمة العصر، هي أزمة الإنسانية ووقوعها في التبسيط والاختزال وتفقير الإنسان من كل معنى وتجريده من كل قيمة، هاهنا ينتقد موران المنهج التقليدي ويستعيض عنه بآخر يسميه المنهج "الدائري" أو "الفكر المركب"، ومن معانيه بناء معرفة متكاملة عن الإنسان من حيث هو كائن يفكر ويحيا وفق آداب سلوكية تحرره من "بربرية" القرن العشرين.
على هذا الأساس لم تعد الطبيعة ظواهر مادية منظمة توحدها قوانين ثابتة مستقلة كل الاستقلال عن وضعية الإنسان في هذا العالم، فثمة تداخل بين "الطبيعة" و"الطبيعة الإنسانية" يؤكدها موران بأسئلة، هل يمكن معرفة الإنسان في حالة استبعاد الفيزياء؟ وهل يمكن معرفة الإنسان في حالة استبعاد التفكير في الحياة؟
ويؤكد الكاتب أن الحياة ليست مسألة علمية محضة ولا يمكن اختزالها في مكونات عضوية-حيوية، وكهذا لم يستوف العلم البيولوجي المعرفة بما يسميه الكاتب "حياة الحياة"، أي إدخال ما هو إنساني في ما هو حيوي، وإدخال ما هو حيوي في ما هو إنساني، وبعبارة أخرى تتحدد الحياة داخل سياقات جد متنوعة، يتداخل فيها البعد البيولوجي مع الأبعاد الفيزيائية والاجتماعية والثقافية، فالبحث عن دلالة الحياة هو بحث في ماهية الإنسان. ولعل من معاني المنهج حسب موران هو الوعي بقيمة الأفكار في حياتنا وعلاقاتنا مع الغير، وتستمد تلك الأفكار قيمتها من انتظامها وتفاعلها مع الواقع في جميع مستوياته، وهي تموت حينما تتجرد من أصلها الإنساني.
ويرى الكاتب أن تطور المعرفة لا يعني بالضرورة فهما أكثر للإنسان أو الكينونة الإنسانية، فأقصى ما بلغته العلوم السائدة هو المعرفة بمعطى واحد، بينما لا يمكن النفاذ إلى هوية الإنسان، إلا بالعودة إلى ذلك "الكل المركب" من معطيات بيولوجية وفيزيائية وثقافية وأنثروبولوجية واجتماعية، وتلتقي كل هذه الأبعاد في مسألة مخصوصة هي الهوية، في كل مستوياتها، من قبيل الهوية الفردية والهوية الاجتماعية والهوية التاريخية والهوية الكونية والهوية المستقبلية وتعبر جميع هذه الأشكال من الهويات عن وضعية الإنسان. ويستدعي المنهج المركب التفكير في أشكال الهويات من جهة علاقتها بسؤال مركزي: ما هي الإنسانية؟
إن صلاح الإنسانية ليس رهين ثورة فكرية محضة، بالمعنى التقليدي للكلمة وإنما إبداع طريقة تعبر عن وفاق بين الإنسان وذاته من جهة والإنسان وغيره من جهة أخرى، ولا يستدعي هذا موقفا سياسيا بل ثورة ثقافية تشمل الفرد والمجتمع والنوع الإنساني، فالإيتيقا مشروع إنساني يعبر عن لقاء جديد بين الأنا والغير، لقاء بين "أن نفكر جيدا" و"أن نتصرف على نحو جيد". الإيتيقا مشروع الإنسان كفرد وفي الوقت نفسه مشروع الإنسان كغيرية، بحيث تتأسس علاقة مغايرة لما هو موجود من أشكال الإقصاء والهمجية، فيحل التفاهم والتحاور بين الذوات والمجتمعات، وهذا هو رهان الإيتيقا المركبة: أن نشارك معا في تكوين إنسانية كونية تحمل قيما كونية مثل احترام الغير والتضامن الإنساني. ولا يدعي هذا المشروع الإيتيقي تغيير العالم أو امتلاك حلول جاهزة، بل وضع أسئلة تخلصنا من غفوتنا وبربريتنا وتغذي فينا حب الإنسانية وإن كان الحب نداء الشعراء.


تنويه: تماشيا مع مبادئ المجلة المرجو التعليق باللغة العربية

فيلوبريس على الفيسبوك

المواضيع الأكثر قراءة

فيديوهات فيلوبريس