التنمية
المفقودة بفقدان وحدة المغرب العربي
الأستاذ عطاء الله أحمد فشار/الجزائر
الـدكتورة فاطمة
المومني/تونس
مقدمـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــة
التنمية المستدامة هي فلسفة برؤية جديدة٬ هي رؤية للبحث
عن حياة اجتماعية٬ ونشاط اقتصادي٬ و نمط إنتاجي واستهلاكي يتوافق مع المعطيات التي
يفرضها علينا عصرنا اليوم. و من شأنها تسعى لخلق نوع من الانسجام البيئي بين
الإنسان والطبيعة بشرط أن يكون الإنسان جوهرها. والقصد منها بلورة رؤى إستراتيجية
للتنمية المستدامة وتفعيل عمليات البحث والتطوير كمحرك للتغيير والتنمية.
لكن إذا نظرنا لما يشهده الإنسان من تغيرات جذرية أصبحنا
أمام شكل جديد من التغيير المجتمعي يعتمد في صيرورته على مدى تحكمه في المعرفة وأهمية
المعلومات في تنمية المجتمعات و استدامتها من أجل تأسيس حراك علمي مستدام ومتجدد و
تأسيس مجتمع المعرفة خدمة "للمشروع التنموي المستدام". فكلما أدركت المجتمعات والشعوب أهمية البحث
العلمي في مختلف المجالات نالت التميز وتوسعت مداركها وأثبتت وجودها في هذا العالم
الذي يشهد تطورا متسارعا.
كما
أن امتلاك وسائل المعرفة بشكل موجه وصحيح، واستثمارها بكفاءة وفعالية انطلاقا من دمج
المهارات وأدوات المعرفة الفنية والتقنية المتطورة، لا بد وأن يشكل إضافة حقيقية
لاقتصاد المغرب العربي وقاعدة للانطلاق نحو التحول إلى الاقتصاد المبني على
المعرفة.
إن الواقع بالمغرب العربي هو واقع مغلق لمجتمع بلا نقد
وإنسان فرد لا يعي إلا ما هو مباشر وواقعي، عالم عربي قد اغتيل فيه العقل النقدي
وطغت فيه حالة اللافاعلية. لكن العزم النظري الأهم الذي يحرك سؤالنا الآن هو أن
نقف على حروف الإشكالي التالي׃ ما حيلتنا اليوم أن نسأل عن التنمية المستدامة والحال أننا
نكاد نفتقدها في مغربنا العربي نتيجة غياب وحدتنا و غياب إستراتيجية واضحة. هو
سؤال عن المعنى، الرهان والأزمة.
المعــــــــــــــــــــــــــــنى
التنمية في أعم مفاهيمها تعرف بأنها
الموازنة بين تلبية الاحتياجات الإنسانية مع حماية البيئة الطبيعية. بحيث استخدم
مصطلح التنمية المستدامة على أنها « التنمية التي تعني باحتياجات الحاضر دون
المساس بقدرة الأجيال المقبلة على تلبية احتياجاتها». ومن
ثم، فمن الصعب تعريف التنمية تعريفا دقيقا؛ نظرا لتعدد مفاهيمه، واختلاف دلالاته
من دارس إلى آخر، حسب قناعاته وتوجهاته السياسية والاقتصادية والفكرية. وعلى الرغم
من أهمية ما طرح من تعريفات؛ "إلا أنها لم تحل غموض المفهوم. ومن هنا، كانت
أهمية التفكير في مفهوم التنمية بالصورة التي تمكننا من حصر دلالاته، لنتمكن من
إدراك جيد لما تطلق عليه التنمية، يمكن في ضوئها وضع إستراتيجية تنموية لها صلاحية
الاستمرارية، والتعبير عن احتياجات مجتمعنا بالمغرب العربي في إطار المتغيرات
الدولية، وتجاوز مخلفات الاستعمار، واستبدالها بمعطيات جديدة." ومنذ التسعينات من القرن
العشرين، ارتبطت التنمية بالعولمة من جهة، وبالثورة الرقمية والتكنولوجية من جهة
أخرى. وأصبح التنافس العلمي والتقني سيد الموقف، وأساس التنمية المستدامة،
والدعامة الأساسية لتحريك الاقتصاد.
الرهــــــــــــــــــــــــــــــــــان
نعلم جيدا إن من أهداف تأسيس اتحاد المغرب العربي هو تمتين أواصر الأخوة التي
تربط الدول الأعضاء وشعوبها ببعضها وذلك لتحقيق تقدم رفاهية مجتمعاتها والدفاع عن
حقوقها. ثم فتح الحدود بين الدول الخمسة لمنح
حرية التنقل الكاملة للأفراد والسلع و ورؤوس الأموال فيما بينها (العمل تدريجيا
على تحقيق ذلك). أضف إلى التنسيق الأمني و العسكري و الدفاع المشترك عن سيادة
البلدان الأعضاء في الاتحاد." ففي ميدان الدفاع : صيانة استقلال كل دولة
من الدول الأعضاء, أي اعتداء على دولة من الدول الأعضاء يعتبر اعتداء على كل أعضاء
الإتحاد
.في الميدان الدولي : تحقيق الوفاق بين الدول
الأعضاء وإقامة تعاون دبلوماسي وثيق بينها يقوم على أساس الحوار. نهج سياسة مشتركة
في مختلف الميادين السياسية و الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية. المساهمة في صيانة
السلام القائم على العدل والإنصاف .في الميدان
الاقتصادي : تحقيق التنمية الصناعية والزراعية والتجارية والاجتماعية للدول
الأعضاء واتخاذ ما يلزم اتخاذه من وسائل لهذه الغاية، خصوصا بإنشاء مشروعات مشتركة
وإعداد برامج عامة ونوعية في هذا الصدد. في الميدان الثقافي : إقامة تعاون يرمي إلى تنمية
التعليم على كافة مستوياته وإلى الحفاظ على القيم الروحية والخلقية والمستمدة من
تعاليم الإسلام السمحة وصيانة الهوية القومية العربية واتخاذ ما يلزم اتخاذه من
وسائل لبلوغ هذه الأهداف، خصوصا بتبادل الأساتذة والطلبة وإنشاء مؤسسات جامعية
وثقافية ومؤسسات متخصصة في البحث تكون مشتركة بين الدول الأعضاء."
لم يعد بإمكان المجتمعات بالمغرب العربي في وقتنا الراهن أن تضع خططا للتنمية
دون الأخذ بالاعتبار المعطيات التي يفرضها اليوم لتحقيق تنمية مستدامة تضمن حق الأجيال
القادمة وتكون عادلة اجتماعيا٬ منسجمة بيئيا٬ ممكنة اقتصاديا٬ مقبولة ثقافيا٬
وقابلة للتنفيذ سياسيا٬ بحيث يكون الإنسان هدفها النهائي وغايتها.
لكن وحتى يتسن لنا الوصول لهذه الأهداف ضرورة التأكيد بأن البحث والتطوير
يلعبان دورا رئيسيا في بناء مجتمع فكري
بمعنى أن المعرفة ركيزة التنمية المستدامة في العصر الرقمي وذلك نظرا
للعلاقة الحميمية بين المعرفة والحاجات التنموي للمجتمعات انطلاقا من تأسيس مجتمع
جديد. فالمعرفة إذن هي إحدى المكتسبات المهمة للاقتصاد والمحرك الأساسي للمنافسة.
الآن الوضع ببلادنا بالمغرب العربي دقيق ويهدد استقرارها
وتوازنا باستمرار ويستلزم منا أيضا هبة شعبية غير مسبوقة لمواجهته كما يتطلب منا
إصرار لا متناهيا على تكريس التنمية المستدامة التي لا يمكنها النجاح إلا
بالديمقراطية انطلاقا من التأسيس الديمقراطي التشاركي الجماعي والتجديد على كافة
المستويات. كما نأمل إلى إرساء نظام دولي اقتصادي أكثر عدلا نظاما يسمح لبلدان المغرب
العربي بنقل التكنولوجيا وتحسين قدرتها التنافسية كما يسمح بتنمية مستدامة تؤمن
إطار حياة أفضل لنا وللأجيال القادمة.
الأزمـــــــــــــــــــــــــــــة
بيد أن ثمة مجموعة من العوائق التي تحول دون الاهتمام بهذه المسألة،
أو الأخذ بها في التخطيط التنموي تدبيرا واستشرافا وتطبيقا وتقويما. ونذكر من بين
هذه المعيقات السلبية: البيروقراطية، وانعدام الديمقراطية، وغياب فلسفة حقوق
الإنسان. و التخلف الاقتصادي، والفقر، والجوع، والبطالة، وانتشار الفكر غير
العلمي، وسطوته على الجماهير البسيطة، وسيادة نظم التعليم التلقيني مقابل التعليم
النقدي، وانتشار الأمية بأنواعها الأبجدية، والثقافية، والتكنولوجية، وغياب
الإعلام النقدي الهادف والبناء، وقلة الموارد والإمكانات المادية والمالية، وعدم
تشجيع الكفاءات والأطر المبدعة، وغياب التحفيز المادي والمعنوي
لا تزال بلدان المغرب العربي تعاني من الانقطاع وعدم
التواصل لوجود ثلاث عوامل أولها يتمثل في الخلافات السياسية والثاني في وجود
الصحراء الكبرى والثالث في عدم وجود شبكات الطرق والبنيات التحتية التي تربط
بينهما. و إلى يومنا هذا لا تزال هذه الخصائص تمارس حضورها القوي على بلدان المغرب
العربي. و إلى الآن يمكن الإشارة إلى إن الإرادة والرغبة الحقيقية في الترابط بين
هذه البلدان لا تزال غير موجودة.
وتواجه
مجتمعاتنا بالمغرب العربي تحديات في سبيل إرساء جهودها التنموية الاقتصادية منها
والاجتماعية، ولعل من أهم هذه التحديات القدرة على استثمار الإمكانات والطاقات
البشرية الهائلة الموجودة في الدول العربية في كافة المستويات والأصعدة. ضعف نشاط البحث والتطوير وتخلفه عن الدول المتقدمة وبعض
الدول النامية.
وفي هذا السياق، وجب الإشارة إلى مؤسسات البحث والتطوير
التي تعنى بنشاطات البحث والتطوير، وتشمل على وجه الخصوص مؤسسات التعليم والمراكز
البحثية المتخصصة والمرتبطة ببعضها البعض، وفي محاولة تطوير الطاقات العلمية لإيجاد
منظومات ومؤسسات كفيلة بتنشيط البحث العلمي في مجالاته المختلفة.
بهكذا شكل فإن التجربة بالمغرب العربي في نقل وتوطين
التكنولوجيا لم تكن في المستوى المطلوب فقد عمدت هذه الدول على اقتناء التكنولوجيا
من خلال عقود لكراء وسائل إنتاج و تدريب العمالة المحلية، ومع اتساع الفجوة
الثقافية بين الدول المغرب العربي والعالم المتقدم لجأت بعض دول مغرب العربي إلى
تحرير الاقتصاد وتبني سياسة تشجيع الاستثمارات الأجنبية، وقد راهنت هذه الدول على
فكرة أن التبادل التجاري والانفتاح على الدول المتقدمة من شأنه أن يوجد بيئة جذب
الثقافة. ولكن الذي حدث هو أن الانفتاح لم يؤدي إلى النقل الحقيقي للثقافة، حيث أن
الشركات متعددة الجنسيات قد احتفظت بأجزاء من عملية الإنتاج ذات الكفاءة المعرفية
و المهارة البشرية العالمية
وتُعد عملية توزيع البحث العلمي وتوطين نتائجه في التنمية من المعايير
المعتمدة في مقياس مدى تحقيق مؤسسات البحث والتطوير لأهدافها، فعملية ترويج البحث
العلمي تواجه صعوبات أساسية في غالبية دول مغرب العربي نذكر منها: غياب النشاط
الابتكاري، ومحدودية الخبرة في مؤسسات البحث والتطوير في المجال الصناعي. تدني
مستوى المعرفة بالتقنيات الصناعية . افتقار مراكز البحث والتطوير إلى إمكانية
تصميم و إنتاج النماذج.
أن التنمية المستدامة لا يمكن أن تحقق نتائجها فقط بالاعتماد على
ما هو اقتصادي، فلابد من إدماج البعد الثقافي الذي يتمثل فيما هو معنوي وفكري
وروحي ووجداني، وإقناع صانعي القرارات السياسية والفاعلين الاجتماعيين المحليين
والدوليين بدمج مبادئ التنوع الثقافي وقيم التعددية الثقافية في مجمل السياسات
والآليات التطبيقية والممارسات العامة، سيما عبر الشراكات العامة والخاصة، وتشجيع
المجتمع المدني، وتمثل الديمقراطية، وتطوير التعليم، والإيمان بفلسفة الإبداع،
وتسريع وتيرة العمل، وتبني سياسة تنموية شاملة ومستدامة.
إن ابرز ما يحرك مساءلتنا لهذا الغرض هو في الحقيقة أن
نتعقب الفحص عن فكر يسعى للانعتاق من واقعه المأزوم استنادا على مفهوم
"العقل" من أجل تبرير مسلمات واقع وقع التسليم به مسبقا׃
فخطاب العقل هو خطاب كوني، حقيقة مطلقة، وهو ليس خاص بدين أو مجموعة أو بأي علم هو
عام للإنسانية من أجل تأسيس حراك علمي مستدام ومتجدد.
الخــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــاتمة
إن تحرير الإنسان من مكبلاته وتوسيع قدرته ومجال فعله. لكن توسيع المجال
والقدرة والفعل تهدده دائما منزلقات العنف و اللامعنى شأن ما تهدد الحرية إمساخات
الأنانية.
هكذا نكون قد وصلنا إلى نهاية هذا المبحث، بما هو مبحث
يساءل الكيان، اللسان والعقل بل هو انصهار كلي بما في واقعنا من تردي للوضع ببلدان
المغرب العربي ألا نحتاج لنصوص العلامة الجزائري الابراهيمي ونصوص العلامة التونسي
طاهر بن عاشور من أجل الانعتاق من سجن هذا الركود؟ ألسنا بحاجة إلى مراجعة نقدية
لإعادة البناء؟
وخير ما نختم بيه هذه الآبيات لنشيد اتحاد المغرب العربي
للشاعر الجزائري محمد الأخضر السائحي :
تنويه: تماشيا مع مبادئ المجلة المرجو التعليق باللغة العربية