أخلاقيــــــات مهـنــــة التدريــس بين الواقع والتحديات


أخلاقيــــــات مهـنــــة التدريــس بين الواقع والتحديات




بقلم: الدكتورة فاطمة المومني ــ تونس




"تقوم الأوطان على كاهل ثلاثة: فلاح يغذيه٬ جندي يحميه و معلم يربيه"
جبران خليل جبران

لقد شكل مبحث القيم هاجسا فلسفيا متواصلا منذ اللحظة السقراطية وصولا إلى اللحظة النيتشوية مع اختلاف في تنزيلها والتفكير فيها. لكن هذا المبحث ظل منظويا ضمن الاهتمامات الأنطولوجية والميتافيزيقية للنظريات الفلسفية. لذا وراء كل سلوك توجد قيمة تلعب دور المحرك بالنسبة للفعل وتفضي عليه صبغة المشروعية. ومن ثمة ليس عالم الإنسان عالم وقائع بل هو موضوعات الواقع لتلبية حاجاته وإشباع رغباته ويرتبط بقيم ومثل عليا توجه أفعاله وتحقق مصيره كإنسان.
بهذا فإن الفلسفة كتفكير كثيرا ما ساهمت في تغيير أوضاع الإنسان لان فعل التفلسف هو الذي يحرك النشاط الفكري عند الإنسان ليتناول بالدرس والتحليل كل المفاهيم كالتاريخ، المعنى، المعرفة و الأخلاق...من ثمة يتنزل مبحث الأخلاق ضمن سياق أكسيولوجي، يتحدد ضمن الفعل الإنساني استنادا للأفق الاجتماعي أو مرجعية الثقافية التي ينتمي إليها الإنسان. لذلك يمكن تعريف الأخلاق باعتبارها جملة من القيم وقواعد السلوك التي تستهدف الخير، هي جملة من النواميس الاجتماعية ينضوي تحتها الفرد. غير أن الوعي المفاجئ برتابة الزمن ورجات الحياة وصدماتها مبعث للتفلسف لموضوع الأخلاق. و نظرا لعمق  مسألة الإنسان في علاقته بالأخر وبالعلم فتظهر لنا أن المجال العلمي و القيمي هو المحدد لهذه العلاقات سواء كانت علاقات صداميه أو علاقات مصالحة.
أية علاقة تربط بين الإنسان والقيم؟ وأي إنسان هذا الذي تقوم حياته على أساس قيمي؟ هل هو الإنسان الفاعل المريد أم هو الإنسان الخاضع التابع؟
هل هو الإنسان في جوهره كما يجب أن يكون أم هو الإنسان المتواجد في التاريخ بتنويعاته وتناقضاته؟ و هل أن السؤال عن الأول يلغي السؤال عن الثاني أم هو يستلزم ويعقد وجوده ويطرح رهان تحرره مما هو كائن؟
وان كان مطلب التفلسف مطلبا متأصلا في الإنسان، وكان الإنسان هو الذي يعنيه التفلسف من جهة كونه المقصود بهذا المطلب والقاصد إليه، واللافت للنظر إن الكائن الإنساني  يجد في ذاته مصدر تفكيره الفلسفي وان التفلسف ينبثق من المصدر الأصلي للأنا ومن معايشته لتجارب قصوى ووضعيات عبثية، ويسمح للوجود الإنساني باجتياز سجن الأحكام المسبقة ويصبح الفيلسوف هو الإنسان المتأمل الذي يثير القلق في صميم طمأنينة العالم ويتطلع إلى الوجود بأسره ويستوعب الأزمنة كلها.
وهذا الإنسان حضوره في العالم وفي المجتمع يستلزم منه تكيفا اجتماعيا آليته الأساسية مبدأ الأخلاق. فالسؤال عن علاقة الإنسان بالأخر هو البحث عن كيفية تطبيق المفاهيم الأخلاقية وكيف نبرر ممارستها.
لكن العزم النظري الأهم الذي يحرك سؤالنا الآن هو أن نقف على حروف الإشكالي التالي׃ ما حاجتنا اليوم أن نسأل عن ميثاق أخلاقي؟ وعن أي نموذج للمدرس نتحدث؟
يحض المدرس قديما في المجتمع العربي باحترام و تقدير بحيث كان يلعب دور المرشد و الموجه و المؤطر لجميع الأنشطة كان بمثابة رسول ينشر المحبة والتسامح بين الأهالي باعتباره أمينا على القيم الأخلاقية بما هي قدوته التي يرتقى بها إلى مرتبة الرسول كما قال أحمد شوقي: قم للمعلم وفه تبجيلا   كاد المعلم أن يكون رسولا.
لقد اقترنت التربية بالقيم الأخلاقية إلا أن البعد الأخلاقي اضمحل في السنوات الأخيرة. فاهتزت مكانة المدرس في المجتمع وذلك نتيجة لصعوبة الجمع بين المبادئ والمصالح. ثم تراجع التوجه المثالي الأخلاقي أمام طغيان التوجه المادي البرغماتي وسيطرته على العقول والنفوس ومن ثمة٬ فان أخلاقيات المهنة تتجلى بالأساس في تأسيس علاقات ايجابية مع المهنة٬ مع المعلم والأولياء. بمعنى هي كل ما يتبادر إلى الذهن من سلوكات ومواصفات ومواقف وقيم أخلاقية التي يجب أن يتصف بها المدرس وهي جملة من المفاهيم الأساسية التي يوضحها الرسم التالي:

ما حاجتنا اليوم إلى ميثاق أخلاقي؟
دعوة لسن ميثاق:
  • توعية المعلم بأهميته المهنية ودوره في بناء مستقبل وطنه،
  • والإسهام في تعزيز مكانة المعلم العلمية والاجتماعية،
  • وحفز المعلم على أن يتمثل قيم مهنته وأخلاقها سلوكًا في حياته،
 ويتم تحقيقها من خلال الموازنة بين تدريب المعلم وتثقيفه وإعادة تأهيله، والعمل على حفظ حقوقه التي تعزز مكانته، واعتماد آليات تحفز المعلم على العمل والتمثل بأخلاقيات مهنته من ناحية، وتغيير مواقفه واتجاهاته من ناحية أخرى.
         هذه المبادئ والأخلاقيات التي نسعى لسنها في الميثاق اختصرناها في الأبعاد التالية هي:
  • البعد التعليمي،
  • والبعد التربوي،
  •  وبعد العلاقات الإنسانية.
      البعـــــد التعليــــــــــــــــــمي
  • تنمية معارفه منتفعًا بكل جديد في مجال تخصصه وفنون التدريس ومهاراته.
  • يبذل جهده في تعليم طلابه وتقويم أدائهم.
  • تعويد الطلاب التفكير السليم والحوار البناء.
  • تنمية التفكير العلمي الناقد لدى الطلاب
  • تقدير المسؤولية ثم تقبل التوجيهات و حسن التصرف
  • احترام قواعد السلوك والأنظمة وتنفيذها
      البعـــــد التربـــــــــــوي
  • الاعتزاز برسالة التعليم والانتماء لها.
  • نشر القيم الأخلاقية والمبادئ الإنسانية (الحوار، التسامح، التعايش...)
  • توسيع نطاق الثقافة وتنويع مصادرها التي تعين الطلاب على سعة الأفق ورؤية وجهات النظر المتباينة باعتبارها مكونات ثقافية تتكامل وتتعاون في بناء الحضارة الإنسانية (الانفتاح الواعي على الثقافات الأخرى)
  • الحرص على تنظيم النشاط المدرسي وتنفيذه.
  • الإلمام بالأسس التربوية.
  • المحافظة على أوقات التدريس.
  • اهمية تنوع طرائق التدريس واختيار الاسلوب والنموذج المناسب له
      بعـــــد العلاقـــــات الإنسانيـــــــة
  • احترام قواعد السلوك الوظيفي.
  • الالتزام بالأنظمة و التعليمات وتنفيذها.
  • غرس أهمية مبدأ الاعتدال والتسامح والتعايش بعيدًا عن الغلو والتطرف.
ما يمكن قوله أن أخلاقيات المهنة ليست علما قائما بذاته أو مادة دراسية وإنما هي ثقافة ذاتية ذات طبيعة سلوكية. لهذا يظل هاجس أخلاقية المهنة هو تكوين منظومة من قيم تحكم علاقات المدرس مع نفسه ومع الآخرين. والعمل على توجيهها نحو تحرير الذات الفردية وإبراز طاقاتها الخلاقة في مجال المهنة. إن أخلاقيات المهنة تتجاوز رهانات التربية بمعناها العام٬ سواء ما ارتبط منها بمجال المعرفة الخالصة  ( نتعلم لنعرف) أو بمجال الوجود (نتعلم لنكون) أو بمجال العمل (نتعلم لنفعل) او بمجال الوجود مع الآخر (نتعلم لنكون مع الآخر).
تتجلى أهمية هذا الموضوع في تعزيز الممارسات الأخلاقية التي ينبغي أن تنعكس بشكل أكثر ايجابية في منهجية التدريس وفي العلاقات التربوية بين مختلف مكونات الوسط المدرسي وتكوين عند المعلم اتجاهات ايجابية نحو المهنة وذلك بتوعيته بأبعاد الرسالة التعليمية التي يتحملها تجاه الفرد والمجتمع. و السعي لانتشار ثقافة جديدة مبنية على أساس احترام مواثيق حقوق الإنسان مع تفعيل روح التواصل والتعاون والتقدير المتبادل بين مختلف الأطراف.
يعد المعلم في المدرسة واحد من الأطراف الثلاثة الأساسية التي تنطوي عليها عملية التدريس،فهو يحاول بعملية التعاون الشاملة مع الطالب ان يضيف اليه خبرات و مهارات و معلومات و أساليب تنسج مع الوقف التعليمي الذي ينبغي أن تتكيف مع أساليب التدريس من خلال ادوار المدرس التعليمية و التربوية والإدارية و الاجتماعية و الإنسانية ،من بعد كانت مهنة التدريس في الماضي هي قيام بدرس أمام المتعلمين و نقل المعلومات إليهم .و في ظل هذه التغيرات و الأدوار يتطلب من المدرس أن تكون لديه مهارات و اتجاهات واهتمامات ايجابية و ممارسات فعالة ما تدفعه بقيام أدواره، بيان كيفية تقديم درسه الذي يكمن في بناء شخصية متكاملة في جميع الميادين و تربية الأجيال التي تتناسب بتغير متطلبات الحياة العصرية شريطة أن يواجه جبهات التوتر بين العالمي والمحلي ،وبين القديم والحديث ، وبين المعنى والمادة.و نظرا لتقدم النظرية التربية و تجارب تطبيقاتها ، فان دور المعلم متغير من خلال أدواره بقدر ما تضيفه التغيرات الاجتماعية و التربوية والحضارية و الإنسانية فينتج عنها إعادة النظر إلى إعداد و تأهيل المدرسين.

خـــاتـــــــــمـــــة
إجمالا٬ هدفنا هو أن نصل إلى تحديد أربعة مبادئ ضرورة أن تتوفر في كل معلم وهي: أساليب بناء الشخصية والثقة بالنفس والتعلم الذاتي عند الطلاب و مهارات التفكير المختلفة ومستوياتها وأساليب تدريسها والتدريب عليها. أضف إلى ذلك مهارات اتخاذ القرار وأساليب التدريب عليه ثم مهارات التواصل والعمل الاجتماعي وأساليب بنائها.
الغاية هي توضيح المبادئ والأسس والقيم الأخلاقية التي تحكم مهنة التدريس و إخراج الأخلاقيات من مجال الممارسات التربوية إلى مجال البحث العلمي













تنويه: تماشيا مع مبادئ المجلة المرجو التعليق باللغة العربية

فيلوبريس على الفيسبوك

المواضيع الأكثر قراءة

فيديوهات فيلوبريس