جلال الدين الرومي موسيقي على ربابة الروح
بقلم: ليلى الدردوري
أن تقرأ أشعار المعلم الروحي الكبير جلال الدين الرومي العالم الفقيه الداعية،
صاحب “المثنوي” الديوان الملحمي الروحي الشهير، القائم على الاتحاد والحلول، ومؤسس
الطريقة (المولوية) للدراويش الصوفية المعروفة بموسيقاها الجميلة، ورقصها الدائري
لشكر الله على نعمه، والمولود بـ(أفغانستان) سنة (604 ه / 1207م) يعني أن تقرأ
لعلم من فحول شعراء الصوفية في الإسلام، وشيخ الوقت في الأدب الصوفي الفارسي،
والعاشق الذي ضرب الخيمة بمحاذاة العرش بتعبير (الرومي ) الذي يضعه الإيرانيون في
مكان قريب من قلوبهم منذ قرون،
ولكن يعني على الأكثر أن تضع أقدامك على عتبة الشعر الروحي، وتشرع أبوابك على كنوز حديث الروح، وأنت قيد استجابة منك مطواعة لنبضك الوردي لدعوته على عبير سجاده الروحي البسيط، ولتكن من كنت، ولا يهم أن تنتمي إلى أية طريقة ولا من هو قطبك، لأن دعوة (الرومي) الجذابة النداهة مقدورها أن تستقطبك ليتكلم معك عن الله. وهو يشيد لك من الرماد كوناً آخر، ويحول طينك جوهرا، ولتكن فقط خطوتك الأولى سلك طريق الوجد التي تعبدها أشعاره في الحب الصوفي، والتوق اللانهائي للمحبوب لحظة تنتزعك من بحيرتك الراكدة، وتحتفر فيك مداميك الروح قبل أن يصهرك الشعاع المذهل من باب قلبك، وتلتحفك أمداء عطر التلاقي الروحي بين مهاوي الدراويش في ضياء الاستدارة، وأنت نسغك نجمة، إذاك تحل الجسد الوقيعة حيث حاجة الصوفي العاشق لطقوس الرقص والغناء في بلاقع المزن البهي، وقد أسرته سنابك غيم الحال، ولفه منطق لهيب الشوق المدلج، وانفجر طاقة هائلة لانهائية تخترق الحجب لتمتد في الأزمنة والثقافات والأجناس والأعراق حيث لا اختلافات، أو نذوب فروقات، وحيث قبول الآخر بكلومه بحر فلسفة، وأنهار محبة، وحيث موسيقا الروح والرقص النشوان في عز الرمضاء خمور الروح، وحيث سهام الأشعار تصيب كبد الحياة، بل لربما هي صدى أعشاب برية روحية ظليلة نسجها الإنسان في أزمنة البراءة، وعصور الحب،
ذاك سر شعبية (الرومي) الشاعر الصوفي الرحالة الجوال المنتصب الأثير بعمارة إشراقه في العصور والحضارات العالمية وبشموس روائعه الخالدة، وبريقه الروحي الذي يعكس استقلاله الواضح عن المذاهب الصوفية بمعاني دعوته الخلق إلى الخالق من دون حواجز ولا حدود. ولئن اتسم شعر الرومي بالنزعة الصوفية الخالصة فلأنه أدب صوفي كامل المقومات الأدبية بميزة الإصابة في الأخيلة وتنويعها، في عمق شعور ورصانة فكرة على سعة علم (الرومي) بأحوال الصوفي في مجمرة الفؤاد، وكشاعر من الطبقة الأولى من قوة البيان، وفيض الخيال، وبراعة التصوير وتوضيح المعنى وتوليده في صور مختلفة، وبراعة في انتقاء اللفظ الروحاني البواح، واختيار بحور الشعر وتسخير اللغة لخميلة الأسرار، ولقد أنشد كلاماً مورقاً في مزهريات الغيوب في ديوانه (شمس تبريز) حيث توهج المرايا التي صار لها هو مرايا في قوله:
ولكن يعني على الأكثر أن تضع أقدامك على عتبة الشعر الروحي، وتشرع أبوابك على كنوز حديث الروح، وأنت قيد استجابة منك مطواعة لنبضك الوردي لدعوته على عبير سجاده الروحي البسيط، ولتكن من كنت، ولا يهم أن تنتمي إلى أية طريقة ولا من هو قطبك، لأن دعوة (الرومي) الجذابة النداهة مقدورها أن تستقطبك ليتكلم معك عن الله. وهو يشيد لك من الرماد كوناً آخر، ويحول طينك جوهرا، ولتكن فقط خطوتك الأولى سلك طريق الوجد التي تعبدها أشعاره في الحب الصوفي، والتوق اللانهائي للمحبوب لحظة تنتزعك من بحيرتك الراكدة، وتحتفر فيك مداميك الروح قبل أن يصهرك الشعاع المذهل من باب قلبك، وتلتحفك أمداء عطر التلاقي الروحي بين مهاوي الدراويش في ضياء الاستدارة، وأنت نسغك نجمة، إذاك تحل الجسد الوقيعة حيث حاجة الصوفي العاشق لطقوس الرقص والغناء في بلاقع المزن البهي، وقد أسرته سنابك غيم الحال، ولفه منطق لهيب الشوق المدلج، وانفجر طاقة هائلة لانهائية تخترق الحجب لتمتد في الأزمنة والثقافات والأجناس والأعراق حيث لا اختلافات، أو نذوب فروقات، وحيث قبول الآخر بكلومه بحر فلسفة، وأنهار محبة، وحيث موسيقا الروح والرقص النشوان في عز الرمضاء خمور الروح، وحيث سهام الأشعار تصيب كبد الحياة، بل لربما هي صدى أعشاب برية روحية ظليلة نسجها الإنسان في أزمنة البراءة، وعصور الحب،
ذاك سر شعبية (الرومي) الشاعر الصوفي الرحالة الجوال المنتصب الأثير بعمارة إشراقه في العصور والحضارات العالمية وبشموس روائعه الخالدة، وبريقه الروحي الذي يعكس استقلاله الواضح عن المذاهب الصوفية بمعاني دعوته الخلق إلى الخالق من دون حواجز ولا حدود. ولئن اتسم شعر الرومي بالنزعة الصوفية الخالصة فلأنه أدب صوفي كامل المقومات الأدبية بميزة الإصابة في الأخيلة وتنويعها، في عمق شعور ورصانة فكرة على سعة علم (الرومي) بأحوال الصوفي في مجمرة الفؤاد، وكشاعر من الطبقة الأولى من قوة البيان، وفيض الخيال، وبراعة التصوير وتوضيح المعنى وتوليده في صور مختلفة، وبراعة في انتقاء اللفظ الروحاني البواح، واختيار بحور الشعر وتسخير اللغة لخميلة الأسرار، ولقد أنشد كلاماً مورقاً في مزهريات الغيوب في ديوانه (شمس تبريز) حيث توهج المرايا التي صار لها هو مرايا في قوله:
ولقد شهدت جماله في ذاتي/
لما صغت وتصقلت في مرآتي/
وتزينت بجماله وجلاله/
وكماله ووصاله خلواتي/
أنواره قد أوقدت مصباحي/
فتلألأت من ضوئه مشكاتي/....
على أن لقاءه بالصوفي الكبير والدرويش الأمي الجوال شمس الدين التبريزي حدث
مركزي عظيم الأثر في حياته العقلية والأدبية، ودخول إلى بهو البشارة، خاصة وأنه
انقطع عن التدريس في (قونية) التركية، واعتكف محراب التصوف، ونظم الأشعار
المتوهجة، وقد أنشد بعدها للبشرية أجمل وأرق أناشيد الحب الإلهي الخالدة في
“المثنوي” الذي يعد بحق أكبر ديوان في تاريخ الإنسانية، وإبداعا صوفيا عالميا أغمض
حقه في الاعتراف به، بمضامينه التي تعكس مناحي الشخصية الإنسانية، وهو عمل روحي
يتكون من (27) ألف بيت، يفتتحه بأشعار شوق الروح إلى خالقها برمزية الناي الذي يئن
ويحن إلى منبته بقوله:- أنصت للناي كيف يقص
حكايته إنه يشكو آلام الفراق، إذ يقول:
إنني منذ قطعت من منبت الغاب/
والناس رجالا ونساء يبكون لبكائي/
إنني أنشد صدرا مزقه الفراق/
حتى أشرح له آلام الاشتياق/
فكل إنسان أقام بعيدا عن أصله/
يظل يبحث عن زمان وصله/
كل من فارق الدنيا اقتسارا/
يطلب الوصل ليله والنهار /....
والناس رجالا ونساء يبكون لبكائي/
إنني أنشد صدرا مزقه الفراق/
حتى أشرح له آلام الاشتياق/
فكل إنسان أقام بعيدا عن أصله/
يظل يبحث عن زمان وصله/
كل من فارق الدنيا اقتسارا/
يطلب الوصل ليله والنهار /....
على أن “المثنوي” رائعته الخالدة، وقمة شاعريته، وبيان وشرح لمعاني القرآن
الكريم، ومقاصد الشريعة المطهرة، وبناء للشخصية الإسلامية، وزادها في الصراع مع
قوى الجبروت والشر، وعونها على مقاومة شهوات النفس، والتحكم في أهوائها و”المثنوي”
يكشف أيضا عن عمق ثقافة (الرومي) الشاسعة، وفكره وروحه الإنسانية السامية، وقد وظف
في متنه فن الحكاية بإتقان بارع من مكونات الحركية والحوارية وتطور الشخوص، بتوظيف
يناظر الفن الروائي المعاصر، بميزة شخوصه الثرية المتنوعة في تساميها وعجزها
وتناقض قيمها وحيرتها، وتعلقها بين الأرض والسماء.
أما نصوصه النثرية فقد عكسها كتابه (فيه ما فيه) وهو ذكريات على مجالس إخوانه
في الطريقة، وقصص ومواعظ وأمثال وطرائق وأخبار وخطاب إلى عامة المثقفين، ومجمل عمق
نظرته للناس والتاريخ حول الاجتياح المغولي للبلدان الإسلامية وهي نكسة إسلامية
عاصرها (الرومي) وكانت باعث أسرته على الهجرة إلى تركيا. وكتاب (المجالس السبعة) في المواعظ الدينية، وخطب ألقاها خلال اشتغاله
بالتدريس، ومجموع رسائل وجهها إلى شيخه (شمس الدين التبريزي) وهي صورة للعروة
الروحية البهية الوثقى من الحب المتسامي الماسي بين المريد والقطب بلهبه الخلاسي
الذي تمدد في روح (الرومي) بوابة إلى هوادج الملكوت، وفي مطر عناق التوحد، هكذا ناحت أسرار (شمس) ماء للوصل في صلب أشعار (الرومي) الذي ما فتئ جمره
يقتحم الحدود والقارات فقبل سنوات غزا الولايات المتحدة بترجمة (كولمان باركس)
وحققت دواوينه ومؤلفاته أكبر المبيعات، على قدر لفته اهتمام المستشرقين بآثاره،
فقد فتحت في الغرب تخصصات أكاديمية عكفت على دراسته.
تنويه: تماشيا مع مبادئ المجلة المرجو التعليق باللغة العربية