جوهر الفلسفة المثالية في مراتب المعرفة الكمالية..

جوهر الفلسفة المثالية في مراتب المعرفة الكمالية..! (2/2)




بقلم: يونس عاشور*




إذا أردتم أن تقدموا فكرة ما فاطرحوا معارفكم البرهانية التي تستند على الدليل العقلي وضمنّوا ذلك بمعرفة أخرى هي المعرفة الجمالية التي تُخبر عن معرفة الشيء من بواطنه وجواهره أو دوافعه وبواعثه وأسندوا ذلك أيضا إلى معرفة أخرى هي "المعرفة الكمالية" التي قد تطرقنا إليها في المقالة السابقة وهي تعني الوقوف على هدف الشيء وغاياته ومن ثمة ستكونون بذلك قد أصبتم هدفكم الذي من اجله طرحتم فكرتكم وهنا سيتجلى معالم الصيرورة الحقيقية للمعرفة الباطنية التي تنطلق من جواهر الكلام وفنونه وقواعد البرهان وألوانه الجمالية المُعدة سلفاً التي يحتكم إليها العقل والمنطق والقول الفصل لجوهر النص الفصيح المراد طرحه أو قراءته على الجمهور.
كونوا على ثقة بأن توظيف الخطاب الفصيح والبليغ تكمن جذوره في الجانب الجمالي والإبداعي لنظام المعرفة الكمالية التي تقوم بإظهار المحسنات البديعية لأداء الخطاب ومن ثمة إيصاله   للطرف الآخر بنحو الإقناع والقبول والرغبة في الطواعية لآليات الخطاب المنبثق من المعرفة الواقعية التي تقوم على الدليل والبرهان القاطع الذي يحتمل الصوابيّة بتوجهاته ومساراته الأدبية والثقافية والفلسفية منها حيث أن هذا النوع المعرفي هو من يعمل على تأسيس وحدات منطقية يكون لها التأثير في نفس المتلقي للخطاب فيكون بذلك خاضعاً للحجة والقول الفصل والبيان لذلك البرهان.
وفي هذه المقالة سيتمحور حديثنا حول كيفية الوصول إلى أُصول المعرفة وما ينحدر منها أو ما يتصل بها من حيث التسلسل التراتبي لمباني الفصول التي تحويها كمنطلق رئيس في تحويلها إلى إدراكات واستدراكات لمعرفة كنه الشيء أو القفز على إحراز سرعة البديهة أو القدرة التي تتمثل في الاستيعاب والاستدراك للميتافيزيقيات والماورائيات بحيث تتمظهر القوى العقلية في إعمال الحواس نحو الأشياء لاكتشاف مجهولاتها وسبر أغوارها ومعرفة مدخلاتها من مخرجاتها المتلبسة بلبوس الإبهام والغموض.
يمكن لنا الحديث عن إعمال المنهج التجريبي عند الرغبة في الوصول إلى مباني المعرفة الكمالية والتكاملية فهو منهج يعتمد على منطق الملاحظة والتجريب والصياغة الرياضية والتكميم الحسابي الأداتي الذي ينطلق من ماهية الحساب والأداتية إلى عقلانية الخطاب والموضوعاتية التي تتضمن العقلانيات والفرضيات والنظريات والتجارب والاستنتاجات للمدخلات والمخرجات الخطابية أو النظرية المراد بحثها أو مناقشتها أو تقديمها كحجة قابلة للأخد والرد أو كمنطق يقبل التساؤل والتداول أو كمنهاج تأويلي يستعرض النماذج والمناهج المبنية على أساس معرفي ينطلق من جذور البحث المعرفي ذاته الذي يتأسس على الملاحظة والفرضية والتجربة والاستنتاج وبالتالي يكون قد أنجز أداة من أدوات البحث المعرفي والعلمي الذي ينقلنا من جوهر مباني الفلسفة المثالية التكاملية إلى مراتب المعرفة العلمية والكمالية.
من هنا يقتضي على الباحث كباحث والمفكر كمفكر والفيلسوف كفيلسوف الاشتغال على تأطير النص بما يتضمنه من قوانين ومفاهيم أو مضامين وعناوين أولية تتصدر ماهية النص أو الدفاع عن النص أو إبعاد الباحث عن أساسيات النص الحقيقي والفعلي الذي قد يكتنفه الغموض أو الإبهام للمضمون الفعلي الذي يرتكز عليه النص من هنا يجدر بالقارئ فهم الإشكال للنص أو دراسة مفهوم النسق لذاتية النص حتى ينطلق القارئ من منطلق الدستور والقانون المعرفي البنيوي الذي يتشكل ويتغير بقدر ما يتبدل ويتحول نحو إمكانات جديدة للقراءة الخصبة والفاعلة التي تستأثر بالتحول في إنشاء شبكات علائقية وفكرية تقوم بتوالد معرفي وفلسفي يتجه نحو الكمالية والتكاملية التي نحن بصددها.
يلزم في كيفية الوصول إلى مباني المعرفة الكمالية أن نستوعب قيمة النص الذي يبرز تجاوزه للمنهج التجريبي الكلاسيكي في اكتشاف القوانين والحقائق وتأكيده على نسبية الحقائق العلمية التي تقوم على صيرورة التوالد والتزاوج في الأفكار والمعارف أو في النصوص والمناهج أو في فصول مناهج البحث المعرفي كما هو مطروح من قبيل المذهب الذاتي في المعرفة أو لأصل المعرفة بما هي معرفة نطمح للوصل إليها عبر إمكانات وطاقات ذهنية متجددة في القول والمنطق أو عبر قدرات عقلية متعددة في منطلق عمل شبكات فكرية تنبع من واقع النظرة البُعدية للأمور وهنا يكمن جذر المعرفة الحقيقية المراد ممارستها ممارسة خلاّقة بحيث تتغير معها روابط وعلاقة مميزة تغنيها بعوامل ومرتكزات معنوية تجعل من القارئ أن يبحث عن صاحب النص أو المؤلف أو الكاتب للبحث ومن ثمة يوظف التأطيرات كما أسلفناه ويقوم بدراسة الإشكالات وكافة الأطروحات والأفكار الأساسية لتلك الأطروحات وعلى ضوءها يمكن تقديم منطق الحجاج أو إعمال فكرة الاستنتاج لقيمة النص المطروح.
من هنا ايضاً تكمن معالم الحداثة المعرفية في جوهرها الفلسفي والمعرفي على أنها معرفة تتسم بقيم معاني الحداثة وبأصول مباني الفكر ومن نتاج مرتكزات العلم الذي يخدم هذا السياق المستوحى من القفزات الذهنية الهائلة للعقل بما أنه عقل قابل للإنتاج والابتكار أو مساحة فاعلة في التفكير والتغيير أو أداة يمكن لنا الاستفادة منها على نحو التحويل والتبديل الذي من خلاله يطوي مراحل عديدة فيما يخص الوصول إلى كيفية مباني الأصول التي تعتمد على إيصال الباحث إلى أرقى درجات المعرفة اليقينية عبر إجراءات وعطاءات تقفز فوق أُطر الهشاشة والهامشية التي تعمل على تعطيل هيئة المنطلقات وجوهر الفوارق والمعطيات بين الباحث عن كل ما هو جديد في ميادين العلم وتطبيقاته العملية والمعرفية وبين ما هو ساكت لايقبل الزحزحة أو الحركة القابعة تحت أطر تقليدية ومفاهيم تراكمية قد أكل عليها الدهر وشرب.


* متخصص في الشأن الفلسفي المعاصر.





تنويه: تماشيا مع مبادئ المجلة المرجو التعليق باللغة العربية

فيلوبريس على الفيسبوك

المواضيع الأكثر قراءة

فيديوهات فيلوبريس