جدلية العلاقة بين
الفلسفة و الايدولوجيا
بقلم
الدكتور / عماد الدين ابراهيم عبد الرازق أكاديمي مصري
إن
العلاقة بين الفلسفة و الايدولوجيا هي علاقة متشابكة و متداخلة و هامة في نفس
الوقت ولا نستطيع أن نغض الطرف عنها أو نتجاهلها . و هذه العلاقة محورية لكون
الفلسفة و الايدولوجيا تركزان علي المعرفة و توثران في الإنسان و مستقبله. والسوال
المطروح بقوة ما طبيعة العلاقة بين الفلسفة و الايدولوجيا ؟ هل هي علاقة تنافر و
صدام ام علاقة انسجام و توافق؟ الإجابة هي علاقة تداخل و تشابك لا غني عنها بعض
الفلاسفة يروا أن الايدولوجيا عندما تدخل في الفلسفة تفسدها ، و البعض الآخر يري
عكس ذلك. و هناك عبارة مشهورة لدينيس ديديروا توضح طبيعة هذه العلاقة و هي ( لم
يسبق لفيلسوف أن قتل رجل دين (مؤدلج) لكن رجل الدين المؤدلج قتل كثيرا من الفلاسفة
. فالايدولوجيا بناء علي ذلك هي فكرة قاتلة أو تودي في النهاية إلي القتل، في حين أن
الفلسفة هي فكرة مسالمة محبة في النهاية. و الحقيقة أن هذه العبارة ليست دقيقة كل
الدقة لان بعض الفلسفات قد تحولت الي أيديولوجيا قاتلة . و يجب أن نشير إلي ملحوظة هامة و هي إذا كانت
الفلسفة صعبة المراس و لا تسلم بالتحول إلي أيديولوجيا بيسر إلا أنها قد تتحول إلي
أيديولوجيا بأسرع مما يتحول العلم، فهي معرفة و المعرفة لا ضابط من نظرية علمية أو
عدة نظريات يحكمها بل المعرفة خاضعة للخطابات و لنظام توزيعها و استهلاكها في
المجتمع.كما أن الفلسفة تفكير في التفكير و لذا فالنقد جزء منها لذاتها أو غيرها و
من ثم فهي بطبيعتها تنقض أدلجتها كل ما بدأت تتادلج ، ولكنها تتادلج كلما ابتعدت
عن المفاهيم و اقتربت من تناول المفاهيم و توظيفها.و نلفت الانتباه هنا إلي حقيقة
هامة و هي إذا نظرنا إلي الميتافيزيقا التي كانت عليها الفلسفة برمتها و استمرت إلي
العصر الحديث حتى هايدجر و هوسرل و فوكو ، فأننا سنحكم لأول وهلة علي الفلسفة بأنها
ليست إلا نمطا من الايدولوجيا، و ليس ما قام به أولئك الفلاسفة إلا نقض أيديولوجيا
الفلسفة بايدولوجيا بديلة. و لكن بمحاولة الفلسفة الأوروبية التخلص من الميتافيزيقا
القديمة ( الايدولوجيا) علي مستوي فعل التفلسف لم تستطع أوروبا التخلص في أفق
الفلسفة المتحولة الي أيديولوجيا متجسدة التي تحولت فيها الماركسية إلي أضخم أيديولوجيا
نافية للأخر و منتهكة لكرامة الإنسان.و يشبه مونرو علاقة الايدولوجيا بالفلسفة
بعلاقة التبسيط بالعلم ، و عندما يري العلم عبر التبسيط لا يعرف غالبا و إن كان
التبسيط مدينا للعلم بأصله و يكتب في مكان آخر ( الايدولوجيا تشكلت في الفلسفات) .
أما (ميشيل سير) فيري إمكانية كون القول الفلسفي أيديولوجيا فيما يكتب ، ويجوز أن
يكون القول الفلسفي أيضا أيديولوجيا. ومن أكثر المخاوف التي تطرح ضد تفريغ الفلسفة
من الايدولوجيا أن فعل التفريغ يودي إلي انتشار الفلسفات العدمية و الفوضوية. من
هنا نري أن العلاقة بين الفلسفة و الايدولوجيا هي علاقة متداخلة و مركبة لا نستطيع
أن نفصلها أو نتجاوزها. و هذا العلاقة هي من الأهمية بمكان حتى أننا لا نستطيع أن
نغفلها.
تنويه: تماشيا مع مبادئ المجلة المرجو التعليق باللغة العربية