الفلسفة الرياضية و وظيفة الاندماج الاجتماعي

الفلسفة الرياضية و وظيفة الاندماج الاجتماعي


بقلم الأستاذ نعمان عبد الغني


 هناك مسافة بين ما يتم عمله وما يجب عمله هذه المسافة تمثل طموح الإنسان ورغبته فى الوصول للكمال وهذه المسافة ليست ثابتة بل متطورة ومتغيرة تتفاعل مع كل عصر حسب منجزاته وتطلعاته وإمكانياته وتقنياته . والتربية الرياضية لإحدى المجالات التربوية التى تتضح فيها بشدة هذه الظاهرة وهى أن ما يجب عمله هو المنهج وما يمكن عمله هو التطبيق العملى للمنهج ، كلما ضاقت المسافة بين المنهج والتطبيق كلما كان الآداء متميزاً والإنجاز رائعاً من خلال تحقيق أهداف المنهاج وفى حالة اتساع هذه المسافة فإن الواقع العملى التطبيقى يكون متدنياً بشدة وذلك بسبب احتمالات كثيرة منها المبالغة المثالية فى الهدف { ربط المنهج بالأدب والفنون أثناء تطبيق الحصة}.
  ويدرك العاملون بمجال التربية الرياضية من خلال تناولهم لتطبيق المناهج المعتمدة لهم أن هناك الكثير من المشكلات التى تعترض التطبيق العملى المناسب لهذه المناهج لذلك يحتاج هذا الوضع إلى تحليل علمى مناسب يتناول كل المفردات بشمول ولا يترك أياً منها بدون بحث وتحليل لأن مثل هذا التناول والحل الأمثل المؤدى إلى التطور الإيجابى فى المناهج وتقليل المساحة بين النظرية والتطبيق.
 الفلسفة الرياضية هي الفلسفة التي تهتم بالتحليلات التصورية و الافتراضية للرياضة ، كذلك بإستنتاج و بحث أفكار القضايا الرياضية و ما يتعلق بممارستها. كما يمكن القول بشكل عام أنها الفلسفة التي تتناول توضيح و تفصيل طبيعة و أهداف الرياضة.
الفلسفة الرياضية لا تقتصر فقط على التطبيقات الفلسفية المختلفة بتنوعها على واقع الممارسات و التجمعات الرياضية، بل و تقدم مواضيع فلسفية مستقلة بما يتعلق بالرياضة و الممارسات الرياضية. موضوع الفلسفة الرياضية ليس بموضوع ذو نمط أو شكل معين، و لا يمكن أن يكون كذلك  نسبة لكون طرائقه البحثية و المنهجية تتطلب تلازم فكرة النقد الذاتي للنشاط الفكري؛ تلك الفكرة التي تواجه التصورات المسبقة و المبادئ المرشدة بشكل دائم، ذلك بالنسبة لطبيعة و أهداف كل من الفلسفة و الرياضة على حدى ، أو  باجتماعهما و بالتالي : الفلسفة الرياضية.
تقوم الفلسفة الحديثة علي الفرض القائل (إن التربية هي إعداد للحياة ، وان التربية البدنية كجزء من التربية العامة تلعب دورا حيويا في هذه المهمة) وذلك من خلال تحقيق الأهداف الاتية:                                            
1-هدف التنمية البدنية : اللياقة البدنية – التأثير الوظيفي للياقة البدنية – مساوئ نقص اللياقة البدنية – العوامل المؤثرة في اللياقة البدنية – البناء التكويني للياقة البدنية – تنمية الصفات البدنية – السيطرة علي البدانة – القوام الصحيح – التوافق الشكلي والجمالي لجسم الإنسان – التركيب الجسمي ونمط الجسم)
2-هدف التنمية الحركية: المهارة الحركة وأهميتها – الكفاية الإدراكية الحركة وأهميتها – الطلاقة الحركية)
3 - هدف التنمية المعرفية والعقلية : المعرفة الرياضية وأهميتها - الحركة كمصدر للمعرفة – الحركة والمهارات الدراسية المعرفية – البصيرة الثاقبة والرياضة –
4 - هدف التنمية النفسية : تشكيل الشخصية – التأثيرات النفسية الايجابية للرياضة – تحقيق الذات عبر الأنشطة الحركية
5- هدف التنمية الاجتماعية :النشاط الحركي كمناخ اجتماعي ثري – القيم الاجتماعية للنشاط الحركي – التكيف الاجتماعي – القيم الاجتماعية لأنشطة الفريق)
6 - هدف الترويح وأنشطة الفراغ :الترويح وأهميته – التأثيرات الايجابية للترويح – الرياضة للجميع)
7- هدف التنمية الجمالية والتذوق الحركي : أهمية تقدير جماليات الحركة وتذوقها – القيم الجمالية للحركة – فرص التعبير عن الجمال عبر الحركة)
أ- وظيفة الاندماج الاجتماعي: للرياضة دور مهم في خلق نوع من التحام النسيج الاجتماعي, فدوره في تقوية الاندماج بين الفئات الاجتماعية intégration أصبح يتجاوز دور المؤسسات التقليدية كالأسرة والمدرسة,خصوصا مع إفلاس هذه المؤسسات وإخفاقاتها المتكررة. كما أن الأنشطة الرياضية تساهم في تأطير وتفريغ العنف في قنوات مقبولة اجتماعيا, مما حدا ببعض الباحثين إلى اعتبارها إحدى أدوات التحكم في العنف. لقد تجلى استعمال كرة القدم كإحدى وسائل ومحفزات الاندماج الاجتماعي بشكل كبير في كيفية توظيف فرنسا لفوزها بكأس العالم سنة 1998, إذ تم تقديم هذا الفوز من طرف وسائل الإعلام كانتصار لقيم التعددية والتسامح والاندماج بين القوميات. وقد تم استعمال الألعاب الأولمبية كأداة تحكم في الفئات الاجتماعية الأكثر صعوبة على الانقياد وهي فئات المراهقين والشباب إذ كان تنظيم هذه الألعاب في كل مرة مناسبة لإذكاء الحس الوطني وثقافة الانتماء إلى الوطن.
ب‌- وظيفة تكريس الوحدة السياسية:إن الأبعاد الحقيقية للرياضة هي أبعاد اقتصادية وإستراتيجية وتاريخ المنافسات الرياضية عموما بين الاعتبارات الإستراتيجية لم تكن غائبة في هذه الألعاب. لقد كانت الألعاب الأولمبية المنظمة بستوكهولم سنة 1912 مناسبة لبعض الدول غير المستقلة للمطالبة بالمشاركة في هذه الألعاب ككيانات مستقلة ( هنغاريا وفنلندا وتشيكوسلوفاكيا), ولعل القيمة السياسية للمشاركة في هذه الألعاب هو حضور وتسويق رموز السيادة الوطنية"النشيد الوطني والعلم" ,كما تمثل مناسبة للظهور لدولة أو كيان ما visibilité وإشهار الإمكانيات التقنية والبشرية التي تتوفر عليها في مجال التنظيم.
إن دور الرياضة في تكريس نوع من الهوية الجماعية البديلة ليس إلا حلا مؤقتا للمعضلة الاجتماعية والإحساس بالتهميش بل إنه يتحول إلى مناسبات للاحتجاج على هذا التهميش والإقصاء.
الفلسفة الرياضية كما ورد سابقا، تتمثل بالبحوث التصورية التي تتناول طبيعة الرياضة و المفاهيم المتعلقة بها على كافة المجالات و التنوع الوظيفي. و هي (الفلسفة الرياضية) تستقدم و تطور عدد من فروع الفلسفة باختلافها و تنوعها، و تقدم دراسات جديدة مستقلة  ضمن بعض تلك الفروع و التي من أهمها:
الجماليات (aesthetics) : هل الرياضة تعتبر نوع من الفنون؟ الاحداث الرياضية تعتبر مناسبات فنية؟ هل نستطيع تقييم النشاطات الرياضية بطريقة جمالية موضوعية؟
المعرفة (epistemology) : هل من المناسب تسمية الادراك الرياضي بمعرفة؟ ما هي طبيعة معرفتنا الرياضية بدقة عند ممارسة الرياضة؟ هل يتوجب على المدرب الالمام بمعرفة على مستوى النخبة، إذا أراد التدريب بفعالية على مستوى النخبة؟
الاخلاقيات (ethics) : هل الرياضة بالضرورة تعمل على تطوير شخصية جيدة؟ مالذي بالفعل بإمكاننا الاتفاق عليه عندما نتفق على لعب مباراة؟ هل يوجد حقيقة ما يسمى بالاخلاق الرياضية؟المنطق (logic) : هل الرياضة منفصلة بطبيعتها عن مجالات المنطق؟ هل للمباريات الرياضية منطق خاص بها؟
الميتافيزيقا (metaphysics) : هل الالعاب الرياضية و المجهود البدني ذو صفة حيوانية؟
الفلسفة التربوية (philosophy of education) : هل بالامكان التعلم و أكتساب الخبرة و النمو الاخلاقي عن طريق الرياضة؟ هل العمل بمنطلق الرعاية الابوية أمر محتم عند التدريب؟ ما الذي نعنيه بدقة بمصطلح "مهارة رياضية"؟
فلسفة القانون(philosophy of law) : هل يستطيع الاطفال الالتزام بحرفية الرياضة؟ هل القوانين تحكم التصرف الرياضي؟
فلسفة العقل (philosophy of mind) : هل التدريب الذهني نوع من أنواع التخيل؟ هل اللاعبين الرياضيين مجرد أليات صناعية؟
فلسفة العلوم(philosophy of science) : هل يوجد طريقة منهجية واحدة لكل العلوم؟ ما اللذي يعنيه العلماء أو الاختصاصيون الرياضيون عند قولهم أن للدراسة الاحصائية قوة توضيحية؟ لماذا الاخصاء النفسيون الرياضيون يتجاهلون التقاليد الفرويدية(Freudian Tradition) ؟
الفلسفة الاجتماعية و السياسية (social and political philosophy) : هل المباريات الرياضية بطبيعتهاذات صبغة و طابع رأسمالي؟ هل المؤسسات الرياضية تعمل على تخريب معنى و مغزى الرياضة الحقيقي؟
هذه القضية تمثل طرفين متناقضين، يبدو أن أحدهما لا يثبت إلا بزوال الآخر. فنحن حين ننظر إلى الفرد، لا يمكن أن نجرده من المجتمع البشري، وينمو النمو البشري الصحيح، بل لابد أن يعيش في مجتمع، وأن يتأثر بكل ما في هذا المجتمع من مؤثرات، كما لا يمكن أن نتصور إنسانا مجردا من القوى الطبيعية العقلية والجسمية التي تكوٌن فرديته المتميزة له والتي تستجيب للمؤثرات المختلفة التي تحيط به. إذن فالإنسان، في نموه، خاضع لهذا التفاعل المستمر بين المجتمع والبيئة المادية من ناحية، وبين قواه ومواهبه الطبيعية الفطرية من ناحية أخرى. غير أن عوامل أو أطر التربية المقصودة (الأسرة والمدرسة)، يمكن توجيهها، بحيث تهدف، في تربية الطفل، إلى أغراض معينة، هي من وضع المجتمع ولمصلحته وخدمته، بغض النظر عن ميول الفرد ورغباته ونموه الطبيعي التلقائي الحر. وهذا يأتي بإشراف المجتمع على التربية عن طريق مؤسساته، وقد حدث هذا في الماضي ولا يزال قائما الآن في بعض الأمم.
أما أنصار الغايات والأهداف الفردية، منهم كانط الفيلسوف الألماني الذي يقول :" إن مهمة الحكومة هي مساعدة الفرد على النمو، لا أن تستبد به وتستعبده وتستغله. واحترام كل فرد واجب باعتباره غاية مطلقة في حد ذاته ". وكان نيتشه الفيلسوف الألماني أيضا، يؤمن بالإٌنسان كهدف نهائي للتربية، حيث يقول: " إن غاية الإنسان هي تحقيق الإنسان الأعلى (سوبيرمان) لا الجنس البشري بأسره، وآخر ما ينبغي للمفكرين أن يهتموا به هو تحسين الإنسانية وإصلاحها، فلا صلاح للإنسانية، بل ليس للإنسانية.


تنويه: تماشيا مع مبادئ المجلة المرجو التعليق باللغة العربية

فيلوبريس على الفيسبوك

المواضيع الأكثر قراءة

فيديوهات فيلوبريس