شهيد الفلسفة
الدكتور
/ عماد الدين ابراهيم عبد الرازق اكاديمي مصري
هو الفيلسوف و الحكيم اليوناني (سقراط) أبو الفلسفة
القديمة. ذلك الرجل الذي مات و تجرع السم من أجل مبادئه و أفكاره ، و ضرب المثل
لكل من جاء من بعده، في تحمل الشدائد و الصبر علي المكاره من أجل ما يعتنقه و يعتقده
من أفكار و قيم و مبادئ. هذا الرجل الذي حرك المياه الراكدة في المجتمع الأثيني .
وقف بشجاعة و ثبات ضد كل ما هو قديم من القيم و العادات الموروثة و التي تتناقض مع
العقل. هذا الفيلسوف الذي حاباه الله بعقل مبدع رغم خلقته الدميمة ، لكنه كان يحمل
قلب متسع و منفتح علي كل ما هو خير و حق. كان يتجول في شوارع أثينا يسال و يحاور و
يظهر جهل الآخرين و عدم معرفتهم. حتى صار منهجه مشهورًا بالمنهج السقراطي أو منهج
الحوار. كان مقتنعا أن الأفكار تولد و تنبت و تترعرع في بيئة الحوار و المناقشة. و
أن الأفكار مثل النبات تنمو بالحوار ، فالحوار بالنسبة للأفكار كالماء للنبات.هذا
الرجل الذي وقف ضد العادات القديمة و حارب من اجل القيم و العدل. و لم يترك لنا
سقراط مولفاته و كتب مثل معظم الفلاسفة بل جل ما نعرفه عنه و عن أفكاره مستقي من
خلال روايات تلاميذه عنه ، و تعتبر محاورات أفلاطون من أكثر الروايات الماما
بشخصية سقراط و حياته و كذلك أفكاره. لقد ترك لنا هذا الرجل أفكارا تصلح لان تطبق
الآن ، و لا نبالغ في القول انه كان مصلحًا و حكيمًا و فيلسوفًا .لقد قدم لنا
منهجا هو من أهم المناهج التي يمكن استخدامها في العلوم الحديثة و خاصة علم
البيداجوجيا( علم التربية ) و هذا المنهج يسمي الحوار السقراطي أو منهج التهكم و
التوليد. يسخر ممن يحاوره و يظهر له جهله و يستخرج ما بداخله من معرفة ، حتى انه
يقول عن منهجه ، انه يشبه طريقة أمه التي كانت تعمل قابلة أي تولد النساء ، و يقول
أن أمه تستخرج الرجال من أرحام النساء ، و هو يستخرج الأفكار من عقول الرجال. بحث
هذا الحكيم عن قيم الحق و الخير و الجمال . دافع عن أفكاره و مبادئه حتى الرمق الأخير
لم يهرب من الموت رغم العروض الكثيرة من تلاميذه و أصدقائه بالهرب. و هذا ليس
بعجيب علي هذا الرجل الذي عاش من اجل مبادئه و مات من اجلها . حارب الظلم و
الاستبداد في عصره، لم يتراجع رغم التهم التي رماه بها أهل أثينا و حكماها من
إفساد الشباب ، و السخرية من ديانتهم . و
رغم ذلك لم يتراجع و يستسلم و يضعف ، بل صمد و حارب من اجل ما يعتقده و ضرب
النموذج الطيب لكل ما هو خير و حق و عدل. بل و قف في المحاكمة كما يحكي لنا أفلاطون
في محاوراته يدافع عن مبادئه في قاعة المحاكمة ، و يقول أنه إذا كان هناك في هيئة
المحلفين من يعتقد انه يجب ان ينسحب و يتخلي عن الفلسفة ، فينبغي لهذا الشخص أن
يفكر أيضا في انه لابد للجنود أن تنسحب من المعركة عندما يبدوا لهم أنهم سيقتلون
فيها. و من أجمل و أروع ما و صف لنا أفلاطون في محاوراته عن اللحظات الأخيرة في
حياة أعقل و أحكم الناس في أثينا كما قالت عرافة معبد دلفي عنه. كانوا يدخلون عليه
في سجنه يجدوه مبتسما هادئ عليه علامات الرضا ، و لما لا و هو يعرف ان الحياة
الدنيا ورائها حياة اخري و هناك العدل و ليس الظلم . عرضوا عليه الهرب رفض ، و
تجرع السم في شجاعة منقطعة النظير ، و مات هذا الرجل الذي ستظل كل أقواله و أفعاله
خالدة علي مر الزمان، تحكي بطولة نادرة و تضحية كبيرة في سبيل المبادئ و القيم و الأفكار،
إنه بحق شهيد الفلسفة.
تنويه: تماشيا مع مبادئ المجلة المرجو التعليق باللغة العربية