الوضعية المنطقية
و موقفها من الميتافيزيقا
الدكتور
/ عماد الدين ابراهيم عبد الرازق اكاديمي مصري
الوضعية المنطقية أو التجريبية الوضعية هي حركة فلسفية
ظهرت في ألمانيا و النمسا في العقد الثاني من القرن العشرين ، و تهتم هذه الحركة
الفلسفية بالتحليل المنطقي للمعرفة العلمية ، حيث تؤكد أن المقولات الميتافيزيقية
، أو الدينية أو القيمية ، فارغة من أي معني ، و بالتالي لا تعدو كونها تعبر عن
مشاعر و رغبات.و من أهم أعلام هذه الحركة( رودولف كار ناب) ، و كيرت جريج ، و هانز
هان. كما تمثل الوضعية المنطقية احدي فلسفات العلوم التي تستند إلي رأي يقول أنه
في مجال العلوم الاجتماعية كما في مجال العلوم الطبيعية ، فان المعرفة الحقيقية هي
التي تستمد من التجربة الحسية.و لقد كان لنظرية اينشتين في النسبية تأثير كبير علي
تيار الوضعية المنطقية و فلاسفته. علي سبيل المثال كتب ( موريس شيليك ) مقالتين عن
النسبية. وتعود جذور هذا المصطلح إلي الفيلسوف و عالم الاجتماع (أوجست كونت) في القرن التاسع عشر ، و هو يعتقد
أن العالم سيصل إلي مرحلة من الفكر و الثقافة سوف تنتفي معها كل قضايا الدين و
الفلسفة و سوف تبقي القضايا العلمية التي تم إثباتها بالحس و الخبرة الحسية. ويقف أنصار
الوضعية المنطقية موقف عداء و كراهية لقضايا الميتافيزيقا ، و يرون أن هذه القضايا
زائفة و خالية من كل معنى، لذا يجب استبعادها. و جاء رفض أنصار الوضعية لهذه
القضايا بناء علي مبدأ التحقق، فكل قضية لا يمكن التحقق منها في ضوء التجربة
الحسية فهي قضية زائفة و خالية من المعني و يجب استبعادها، لأنها قضية كاذبة. ومن
هنا جاء استبعاد قضايا الميتافيزيقا لأنها قضايا لا يمكن التحقق منها ، و لا يمكن إثباتها
بالتجربة الحسية. و لما كان من المتعذر ربط قضايا الميتافيزيقا بالواقع الحسي
كطريقة تحدد بها معاني القضايا و دلالتها ، فان هذه القضايا فارغة لا معني لها. و
يستند اثنين من أقطاب الوضعية المنطقية و هما رودولف كار ناب و اير في رفضهما للميتافيزيقا
علي نظرية المعني ، فالجملة التي لها معني عنده هي الجملة التي نعرف كيفية التحقق من
القضية التي نعبر عنها ، أي إذا عرفنا الملاحظات التي تقودنا و فقا لشروط معينة في قبول القضية بوصفها صادقة
أو رفضها بوصفها كاذبة. و يقسم ( آير)
القضية إلي نوعين أولهما يشمل تلك القضايا التي يمكن التحقق منها او رفضها
بواسطة الاستعانة بالخبرة الحسية ، و هذا التحقق قد يكون مباشرة او بطريقة غير
مباشرة ، علي سبيل المثال القضية القائلة ( منزل جاري ذو لون أخضر ) هي قضية يمكن
التحقق منها مباشرة بمقارنتها بالوقائع المشاهدة للون الباب الأخضر. بينما القضية
توجد جبال علي الجانب الأخر من سطح القمر ، هي قضية لا يمكن التحقق منها مباشرة ، إذ
لا يمكننا مشاهدة الجانب الآخر للقمر. أما النوع الآخر فهو يشمل القضايا التي لا
يمكن التحقق منها او رفضها بالاستناد إلي معناها فقط ، إذ يمكننا أن نتبين إذا ما
كانت صادقة أم كاذبة بالتأمل في معناها ،
و هذه القضايا بمثابة تحصيل حاصل او قضايا تحليلية، و من أمثلة هذه القضايا قضايا
الرياضة. و بناء علي هذا فان القضايا التي لا يمكن التحقق منها بهاتين الطريقتين
هي قضايا لا معني لها . و بناء علي ذلك جاء رفض الوضعية المنطقية للقضايا الميتافيزيقية
و التي لا يمكن التحقق منها بأحدي الطريقتين السابقتين ، و من هنا فهي قضايا لا
معني لها و يجب استبعادها.
تنويه: تماشيا مع مبادئ المجلة المرجو التعليق باللغة العربية