مفهوم المجتمع المدني عند محمد عثمان الخشت
د . محمود كيشانه
إن محمد عثمان الخشت واحد من كبار رواد دارسي
الفلسفة الحديثة والمعاصرة بمصر، و العالم العربي ؛ لأنه استطاع من خلال بحوثه و
مؤلفاته أن ينقل البحث في الفلسفة نقلة
نوعية ، فقد كان همه وكده الدراسة الموضوعية التحليلية المقارنة، فكان اعتماده
بالدرجة الأولى على النصوص الفلسفية ؛ إذ كانت المعول عليه في التحليل والمقارنة
والتقويم انطلاقًا إلى تأسيس وجهة النظر الموضوعية التي تنمحي معها كل مظاهر
النمطية والتقليدية.
لقد قدم الخشت حياته على محراب الفلسفة
والعلم، فكانت تجول في أمرين لا ثالث لهما: الدراسة والبحث، وهو في ذلك يمتلك
القدرات التي تجعله ينطلق من الفلسفة المحلية والإقليمية إلى مصاف الفلسفة الدولية،
وقد كان وسيلته في ذلك فكره ومنهجه، فكره الذي ينطلق إلى آفاق العالمية، ومنهجه
الذي يحيل هذا الفكر إلى واقع ملموس. وقد كان الفكر والمنهج اللذان استند إليهما
الخشت الأساس الذي ارتكز إليه في ترسيخ أي فكرة أو نقدها أو تصحيحها أو تحليلها
وإجراء المقارنات من خلالها .
ومن هنا فقد كان نموذجًا فريدًا لما يجب أن
يكون عليه الفيلسوف الحق المتمكن من تخصصه، جمع فى جعبته قدرة على الجدل و دحض
الحجة بالحجة، و قدرة على الدخول و التعمق فى القضايا صعبة المراس، و الخروج منها
بالحل الذي يشفي غليل الحيارى، من خلال منطق جلي فى الإبانة، و أداء قوي فى
الإقناع، و يظهر هذا المنهج أشد ما يكون وضوحًا فى دحضه لعقيدة التثليث عند ليبنتز
باعتبارها تحط من قيمة العقل، وفي تأكيده على تساقط الأقنعة العقلية عند ديكارت،
وفي غيرها من الموضوعات.
كما كان الدكتور الخشت يمتلك عقلية جبارة، و
موهبة فى المناقشة، و قدرة على النقد البناء، على نحو ينقد معه بسهولة الفلسفة
الحديثة أو الفلسفة الإسلامية أو حتى الفلسفة المعاصرة من داخلها، دون أن يكون
هدفه من ذلك التعصب البغيض للمذهب أو الملة، أو محاولة الانتصار لكل ما هو إسلامي،
أو لمجرد الانتصار الزائف على الخصوم، أو حتى التظاهر بالعبقرية و التنوير.
لقد كانت دراسات الخشت دعوة صريحة إلى البحث
والتأمل والتدبر والتفكر في جوانب أساسية في الحياة، دعوة صريحة إلى الانقضاض على
كل التصورات الخاطئة التي علقت بكثير من القضايا الفلسفية على نحو ربما أصاب
صورتها بالتشوه عند خاصة الناس قبل عامتهم، ولذا فقد كانت جهوده الفلسفية محاولة
جادة وهادفة لإعادة الصورة الحقيقية التي ينبغي للفلسفة أن تكون عليها، حتى تكون
عامل بناء في المجتمع الذي يرنو بعد ثورته إلى الارتقاء في مدارج التقدم العلمي
والأخلاقي، وربما فسر لنا هذا السبب الذي من أجله كان الخشت على صلة وثيقة بالفقه
الإسلامي.
ربما تشعر للوهلة الأولى أن هناك علاقة وثيقة
بين فكر الخشت وشخصيته، فهو يدعو إلى الأخلاق ويتمسك بها، يهفو إلى التمسك بصحيح
الدين ويجعله نبراسه، ولذا تعبر كتاباته عن سلفية تنويرية تحمل مبادئ الدين في
صورة عقلانية، ومن ثم فلم يكن التشدد دربه ولا الانغلاق الفكري سبيله، في حين وقف
غيره عند حدود فكرهم التنظيري، ولم يرتق إلى ربط هذا الفكر بحياته وواقعه، ففصل دون
أن يدري بين النظرية والتطبيق، أو بين القول والفعل. ومن ثم حمل الخشت في جعبته
الوسطية والحيادية التي نفتقدها عند الكثيرين ممن ارتضوا لأنفسهم أن يغيروا
مبادئهم وأفكارهم بتغير الظروف، أو بناءً على المصالح الشخصية .
لقد
ظهرت ديمقراطية الخشت في أسمى معانيها عند حديثه عن المجتمع المدني، وما يجب أن
يشكله من نواة أساسية في بناء أي نظام ديمقراطي، والحق أن الديمقراطية التي نادى
بها هي الديمقراطية التي وضعها الإسلام، ومن ثم وجدناه ينادي بالشورى في الحكم
والثورة على النظام الاستبدادي الفردي، الذي أثبت أضراره الكثيرة على الأمة
الإسلامية، وينادي بضرورة إفساح المجال للشعب في صنع مستقبله وحياته السياسية هادفًا بذلك إلى توثيق أواصر التعاون بين
البلاد الإسلامية سياسياً واقتصادياً وثقافياً؛ بل في المجالات المختلفة، لقد كان
المجتمع المدني عند الدكتور الخشت يمثل ثورة على النظام الطبقي في البلاد العربية
، حيث تقسيمها إلى حكام وأعوانهم وإلى طبقات الشعب الكادحين الذين أذلهم الجهل
والفقر والجبن من سطوة الحكام المستبدين، لقد أرادها الدكتور الخشت مساواة كما حث
عليها الإسلام، مساواة لا فرق فيها بين حاكم ومحكوم، رئيس ومرءوس.
خرج
لنا الدكتور الخشت بثوب جديد، هذا الثوب هو ثوب المدني المبتكر، فخرج علينا بالكشف
عن نوع من الاجتماع المدني، الذي يتخذ من العقل طريقاً له، فكتب لنا: كتاب المجتمع
المدني ، وكتاب المجتمع المدني والدولة والمجتمع المدني عند هيجل . غير أن الدكتور
الخشت رغبة في ارتداء هذا الثوب الجديد، لم يتنازل عن أولوياته الفكرية، وإنما حمل
مشروعه معه أينما حل أو ذهب، حمل عقله ومنهجه ، فكان حمله له وولوجه به هذا البحر
الخضم إيذاناً ببدء نوع مبتكر من الدراسات السياسية في وطننا العربي والإسلامي،
لقد لفت نظر الباحثين إلى مدنية ذات بناء عقلاني منهجي بعد ما احتلت في نظر الناس
مكانة مغلوطة رسختها فيهم أفعال من يدعون انتمائهم إلى هذه المدنية في وطننا، حتى
أظهرتهم هذه الأفعال في صورة الذي يكره العقل ويتسم بالتناقض، ويأتي بأقوال مرفوضة
لا تمت لعادات مجتمعنا وثقافته بشيء. كما لفت نظر هؤلاء إلى أن السياسة الحقيقية هي
تلك السياسة التي تعمل في صالح الوطن، لا من أجل انتماءات حزبية، أو رغبة في تطبيق
أجندات خارجية لا تهتم بغير مصلحتها هي .
لقد وجد الخشت في المجتمع المدني الحل
الوحيد في عصر تمت فيه تجربة معظم الحلول وتم فيه أيضًا إثبات فشلها،
فالمجتمع المدني عنده يقدم نفسه كحل لم يتم تجريبه بشكل شامل ، وليس المقصود
بالمجتمع المدني عند الخشت كما هو في الواقع المشاهد الآن، أي المجتمع الموجود
بالفعل ، بما فيه من سلبية وارتزاق وعدم شفافية في كثير من الأحيان، وإنما المقصود
المجتمع المدني كنظام ومنهج أيديولوجي لمجتمع مفتوح وتعاوني وحر .
وربما كان من أهم الدوافع التي أملت عليه
الدخول في هذا المعترك السياسي القائم على مؤسسات المجتمع المدني ما يلي :
الأول،
إيمان الخشت غير المحدود بأن العبء الأكبر يقع على المثقفين في زماننا في تطبيق
أهداف المجتمع المدني والترويج له كنظام ومنهج لمجتمع عصري، وهذا العبء لن
يستطيعوا القيام به إلا إلا بتخليهم عن المناقشات العقيمة والأفكار غير القابلة
للتنفيذ .
الثاني،
للتأكيد على أن حلول مشاكلنا ليست في بطون الكتب ولا في الصالونات الثقافية، وإنما
في العمل الفعال بين الناس .
الثالث،
إيمانه بأن الحديث عن خيارات الماضي لا يجدي نفعًا ، في حين ينبغي الحديث عن
خيارات المستقبل ؛ لأن الخيارات الماضية أصبحت خارج التاريخ .
ومن ثم كانت دعوته الجادة إلى المثقفين
والمفكرين والسياسيين بشق طريق جديد يتجاوبون فيها مع روح العصر ويجابهون به بشكل
عملي مشكلات المجتمع وأزماته ومتغيرات ما بعد سقوط الاشتراكية وانتهاء الحرب
الباردة وأحداث سبتمبر متجاوزين الاختيارات العتيقة التي ثبت فشلها جزئيًا وكليًا
، لقد أراد الخشت أفكارًا قابلة للتنفيذ على أرض الواقع عبر تأسيس طريق جديد
للتنمية الشاملة والمستدامة ، لقد كانت هذه الخطوة عند الخشت ضرورية، لكنها غير
كافية ؛ إيمانًا منه بأن أحد أهم مشاكلنا أننا لا نريد أن نعمل ، ومن ثم نراه
يتساءل مستنكرًا : ما قيمة الأفكار الخلاقة مع أناس يرتعون في السلبية ، ويدخل
الإهمال في بنيتهم النفسية ؟
لقد هال الخشت المرض النفسي الذي يعتور
الشخصية العربية التي تنتظر الحل من الأعلى أو من الخارج ، بينما كان يؤمن إيمانًا
جازمًا بفلسفة التاريخ التي تقول بأن الحل لا يأتي إلا من الأسفل أو من الداخل ،
أي من المجتمع المدني وهو الحل الذي ارتآه لأمة تترنح وسط عالم لا وجود حقيقي فيه
إلا للأقوياء . وقد أملت على الخشت في ذلك دوافع عقدية ومنطقية في الوقت ذاته :
أما العقدية فتأثره بقوله تعالى : " إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما
بأنفسهم ." أما الدوافع المنطقية فإيمانه أن التنمية الشاملة والمستدامة كحل
لن تتحقق إلا بتفعيل المجتمع المدني ، وتفعيله لا يمكن أن يكتمل إلا بتعميق
الديمقراطية والشورى الملزمة ، وتقديم وتنفيذ تصورات جديدة مركبة تنشأ بحكم الظروف
المجتمعية المتجددة ، واتساع رقعة الفكر الحر ، وانتشار المد الديمقراطي .
وإذا كان مفهوم المجتمع المدني لا يزال غير
معروف أو غامضًا في كثير من الأحيان ، وإذا كانت كتب الفلسفة السياسية ترتكز على
مفهوم الدولة وتهمش مفهوم المجتمع المدني فإن جهود الخشت تأتي كمحاولة لجعل مفهوم
المجتمع المدني مفهومًا مركزيًا ، بحيث ينقله من الهوامش إلى البؤرة ومن الظلام
إلى النور ، والانطلاق منه كنقطة بدء أولى . وما ذلك إلا لإيمان الخشت العميق بأن
المجتمع المدني هو الأصل والأساس العقلي المتين لأي شرعية سياسية ، وأنه المسئول
عن سلامة أو فساد الحياة السياسية .
لقد كان يؤمن إيمانًا جازمًا بأن القيادة
السياسية تعبير حقيقي عن حقيقة الشعوب، أو مرآة تعكس ما عليه الناس ، فكان يرى أنه
إذا كانت الديمقراطية مزيفة والناس سلبيين، وغير عابئين بما يحدث، وغير مشاركين في
الحياة السياسية فإن ذلك في نظره يرجع غالبًا إلى عدم سلامة وفعالية البنية
التحتية في الحياة السياسية، أي المجتمع المدني ، لقد أراد أن يبصر بأمر مهم مؤداه
: أن أحوال الناس وطريقة حياتهم وأخلاقهم وأساليبهم الاجتماعية يترتب عليها
منطقيًا أسلوب الحكم الذي يتلائم معهم ، فالمجتمع الصالح يضع نظام حكم صالح ، والعكس
بالعكس ، والمجتمع الديمقراطي عنده يتمخض عنه حكم ديمقراطي ، والمجتمع غير
الديمقراطي ينشأ عنه بالضرورة نظام غير ديمقراطي ، ومن ثم كان الوضع الطبيعي الذي
يجب البدء به هو المجتمع المدني باعتباره الأصل من الناحية الزمنية بحكم التطور
التاريخي للنوع الإنساني ، وهو الأصل من الناحية المنطقية .
ومع أن هذه القضية تبدو واضحة فإنه مما كان
يألم له الخشت أن أغلب البحوث في الفلسفة السياسية تتوجه إلى الدولة كمفهوم مركزي
، بينما تهمش سائر المفاهيم الفلسفية السياسية، ومن أهم هذه المفاهيم المهمشة
مفهوم المجتمع المدني، حتى مع وجود بعض البحوث التي كانت تناقش مفهوم المجتمع
المدني فإن هذه المناقشة كانت تنطلق في نظره من مفهوم الدولة ؛ إذ كانت تسير من
الدولة إلى المجتمع المدني معتبرة الدولة هي الأصل والمجتمع المدني هو الفرع. في
حين نفض الخشت يده عن نفسه كل هذا النهج الخطأ ، ومن ثم كانت دراسته وجهوده في
بناء المجتمع المدني تنطلق من المجتمع المدني – لا الدولة – باعتباره الأساس
والروح لأي حياة سياسية .
ومن ثم فالمجتمع المدني عند الخشت لا يكتفي
بعرض الأفكار السابقة للفلاسفة والمفكرين والسياسيين ، وإنما يسعى لتقديم وجهة نظر
حرة وناقدة للأفكار ذات الطابع الشمولي، وهي تلك الأفكار التي تنادي بدولة شمولية –
وهي الدولة التي لا تسمح بحرية تبادل السلطة ، ولا بوجود أية مؤسسات مستقلة :
كالقضاء والجامعات والنوادي والجامعات والجمعيات ، وتنظر لأفكارها الأيديولوجية
على أنها الوحيدة التي تملك الشرعية وتعبر عنها ، ومن ثم فلا تعدد ثقافي ، ولاتنوع
أيديولوجي ، وتلغي الفرد لصالح الدولة .
ومن ثم فإن المجتمع المدني عند الخشت لا
يكتفي بعرض أفكار الفلاسفة والسياسيين عن المجتمع المدني ، بل يهدف إلى الآتي :
أولاً
- يسعى لتقديم وجهة نظر ناقدة للأفكار ذات
الطابع الشمولي ؛ بغية تدعيم الفكر الفردي الحر ، وترسيخ قيم ومفاهيم الديمقراطية
، ودعم استقلالية المجتمع المدني كحل لا يقبل الشك للإشكاليات العالقة بين السلطة
والمجتمع والفرد .
ثانيًا
– يسعى إلى الكشف عن المغالطات التي تقع فيها الأنظمة الشمولية المتطرفة ،
والأنظمة الليبرالية الجذرية ، باعتبار التطرف – أيًا كان مصدره جهة اليمين أم جهة
الشمال – يدل على وجهة نظر أحادية الجانب ، وعلى الانحياز لفئة اجتماعية دون أخرى
.
الثالث
– القضاء على مظاهر التطرف القائم على السعي نحو تأكيد الهيمنة المطلقة للدولة ،
كذلك القضاء على التطرف القائم على السعي نحو المنادة بتلاشي سلطة الدولة ،
باعتبار هذه المظاهر جميعها قد ثبت فشلها
الرابع
– التأكيد على أن المجتمع المدني إذا كان لا يعمل دون رقيب ؛ لأن ذلك نوع من
التهور فإنه من المغالطة كذلك فرض الهيمنة الشاملة عليه
الخامس
– تقديم الحل الأمثل في فك لغز العلاقة بين الدولة والمجتمع المدني والقطاع الخاص
، وهو الحل الذي يقوم على الشراكة القائمة بدورها على التوازي والتكافؤ ، وليست
الشراكة القائمة على الهيمنة والابتلاع لطرف دون آخر .
ومن الجدير بالذكر أن المجتمع المدني جزء من
المجتمع العام الذي يتشكل من : الأسرة والمجتمع المدني والدولة أو السلطة ،
والأسرة عند الخشت تسبق المجتمع المدني وإن لم تكن جزءًا منه ، في حين كان المجتمع
المدني عنده يتمثل في : النقابات، واتحادات العمال، والمؤسسات، والهيئات،
والجمعيات الخيرية، والنوادي، ومجموعة المنظمات غير الحكومية ، والغرف التجارية ،
والاتحادات المهنية ، ومن ثم فإن المجتمع المدني يتسم بالآتي :
أولاً
– الرابط بين أعضائه رباط اجتماعي فقط .
ثانيًا
– المجتمع المدني لا يقوم على القرابة أو الدين .
ثالثًا
– المجتمع المدني ليس قائمًا على أساس وراثي أو قبلي .
رابعًا
– المجتمع المدني لا يقوم على أساس طائفي أو عقدي .
خامسًا
– المجتمع المدني لا يهدف إلى تحقيقي مصالح شخصية أو نفعية برجماتية .
ومن ثم فهناك علاقة واضحة ووثيقة بين المجتمع
المدني والديمقراطية ، فكل من ينحاز إلى الناس عند الخشت لا بد أن يفتح المجال
للديمقراطية ، ويعطي المجتمع المدني المساحة والدور اللائقين به ، ولا يمكن أن
يوجد مجتمع مدني حقيقي عنده إلا بتفعيل الديمقراطية ، وإذا كانت الديمقراطية هي الأسلوب
الأمثل في إدارة المجتمع المدني ، فإنها لا يمكن أن تحقق أغراضها ، بل لايمكن أن
تكون ديمقرطية حقيقية دون أن تعم سائر القطاعات من أسفل إلى أعلى ، بداية من حقوق
الفرد، مرورًا بحرية الصحافة ، واستقلال القضاء والمؤسسة التشريعية وصولاً إلى
كافة مؤسسات الدولة التي تتشكل وتعمل هي الأخرى وفق إليات ديمقراطية صارمة ،
فالديمقراطية عند الخشت يجب أن تكون كاملة وليست مبتورة بمعناها الغربي التقليدي
أو بمعناها الشرقي المزيف ، ومن ثم فقد كان عليه أن يكشف أزمة الديمقراطية
المعاصرة في العالم وفي الوطن العربي ، ومن ثم فقد كان حل أزمات الديمقراطية عند
الخشت لا يكون إلا بمزيد من الديمقراطية ؛ إذ هي الآلية الملائمة للحكم وتداول
السلطة ، كما أنها تمثل عنده أكبر ضامن للسلام الدولي .
وإذا كان الخشت قد بدأ فكره السياسي بالتمسك
بالديمقراطية كحل ومنهح ، وإذا كان قد أردف ذلك بحديثه عن المجتمع المدني في
مؤلفاته :المجتمع المدني عند هيجل ، المجتمع المدني والدولة فإن ثالث الثالوث الذي
أكمل به مشروعه السياسي هو دراسته عن المواطنة من خلال كتابه الأحدث فلسفة
المواطنة في عصر التنوير ، حيث صاغ الخشت تعريفه للمواطنة وسط بحر خضم من الاختلافات
العالمية والمحلية حول هذا المفهوم بما يتضمنه من قضايا فرعية تندرج تحته ، ومن ثم
فقد تعامل الخشت مع المفهوم بشيء من الاتساع ، فالمواطنة عند الخشت مفهوم قد يضيق
وقد يتسع ، ، قد يضيق ليقتصر على نخبة ، وقد يتسع ليشمل عدة نخب ، وقد يزداد
اتساعًا ، فيشمل كل المنتمين إلى دولة ما أو أمة ، وفي أحيان قليلة ربما يشمل
مفهوم المواطنة كل الجنس البشري في إطار دولى عالمي قد يكون له شكل الدولة الواحدة
، وقد يكون له شكل التكوين الفيدرالي الذي يجمع عدة دول في إطار حكومة عالمية أو
عصبة أمم .
ويعد مفهوم الخشت هنا دليلاً على ما يكتنفه
هذا التعريف من إشكالية ، وهي الإشكالية التي كان يدرك أنها نتيجة اختلاف
التحليلات الفلسفية ، وتعارض النظريات الاجتماعية ، كما أنه نتيجة عدم انتهاء
النظريات السياسية إلى رأي أخير يوضح ماهيته ، ومن ثم كان محصلة هذا كله التباين
الواضح الذي عليه الأنظمة السياسية عبر العالم ، بل عبر أحزاب الدولة الواحدة في
تحديد معالمه ومضمونه .
ومع هذا فإن الخشت لم يقف عند مجرد التعريف
الاصطلاحي لمفهوم المواطنة ، بل تعامل معه ككائن حي له ماض وحاضر ومستقبل ، ينشأ
وينمو ويتطور ، ويتراجع ويتقدم ، ويقوى ويضعف ، ويتداخل ويتخارج مع مفاهيم أخرى .
وهو بذلك لا تزل قدمه في اقتطاع المفهوم من وضعيته التاريخية وجذوره ، وما آلت
إليه صيرورته في الوقت الراهن . ومن ثم فقد توقف الخشت كثيرًا عند عصر التنوير
باعتباره العصر الذي حمل معالم الارتباط العضوي بين المواطنة والحداثة ؛ إذ كل
عناصر الحداثة الماثلة في أعمال طائفة كبيرة من فلاسفة وكتاب التنوير ترتبط – عند
الخشت – ارتباطًا نظريًا مع مفهوم المواطنة عندهم ؛ حيث يعكس هذا المفهوم أسمى ما
قدمه هذا العصر .
ومن ثم فقد كان الخشت معنيًا في دراسته
بالآتي :
-
معنى
المواطنة .
-
أبرز
سماتها وأسسها.
-
ارتباط
المواطنة بفكرة الحداثة .
-
المواطنة
تشكل الأساس الركين في بناء الديمقراطية .
ومن ثم نفهم – في التحليل الأخير – أن النظام
السياسي الصحيح يقوم عند الخشت على أسس
ثلاثة :
-
الديمقراطية
في الحكم .
-
المجتمع
المدني .
-
المواطنة
.
تنويه: تماشيا مع مبادئ المجلة المرجو التعليق باللغة العربية