ما الذي يجري بجامعة الحسن الأول؟



بقلم : يوسف عشي

ما الذي يجري بجامعة الحسن الأول؟
تعرف جامعة الحسن الأول في الآونة الأخيرة مجموعة من الأحداث المثيرة للجدل بلغ حد التناقض الذي يدفع إلى الإستغراب والاستهجان.. تمثل بعضها في مهرجان التجمهرات والمسيرات الاحتجاجية والإعتصامات للطلبة بسبب ملف السكن الجامعي قبل أن يعرف هذا الملف التسوية، وبعضها الآخر في تنظيم عدد من الندوات والتظاهرات العلمية والمعرفية التي تمس مواضيع بالغة الأهمية والتي تسهم في تأطير الطلبة وإغناء فضاء البحث العلمي على اعتبار الدور المنوط بالجامعة عموما.

وهاهي الأنباء الآتية من كلية الحقوق كلية الحقوق عن صراع دائر بين الأساتذة الذين يبدو أنهم قرروا أن يضيفوا هشيما آخر إلى النار، وملحا في الزيت.. بما يروج عن ما يدور في كواليسهم من ما يعتبره البعض حركة تطهيرية ذاتية، ويصفه آخرون بحركات إقصائية  ومؤامرات تهدف إلى إحكام القبضة على الكلية من طرف عناصر بعينها..
الغريب في الأمر أن الطلبة وهم العنصر المعني بالدور والإنتاج الجامعي، تحولوا إلى ما يشبهه الأشقاء في مصر ب"الأطرش في الزفة" وإذا كان رب البيت للدف ضاربا.. فشيمة أهل البيت الرقص، علما أن من يفترض فيه تأطير الطلاب عوض أن يتفرغ لمهمته العلمية، ألهى نفسه في صراعات داخلية لن تعود بالنفع لا على الفضاء الخاص بالمطبخ الداخلي للجامعة ولا على الفضاء العام الذي يقيض  للجامعة أن تشكل منار المعرفة ومركز تأطير لكل ما يمثله محيط الجامعة من هامش..
ويبدو أن الأمور لا تسير في الاتجاه الايجابي خصوصا وأن الصراع داخل كلية الحقوق بين الأساتذة بدأ يأخذ منحى إداري أو قانوني إن صح القول بعد تقدم مجموعة من الأساتذة بشكاية في حق مجموعة أخرى من زملائهم إلى السيد عميد الكلية، تضرب في العمق المعرفي و الكفاءة التربوية لهم.. واللافت في الأمر أن الطرف المشتكي هو نفسه الطرف المشتكى على اعتبار أن الأمر يخص نفس الفئة علما أن المعهود في الصراعات داخل الجامعات أنه كان دائما بين أطراف متباينة تشكل دائما فئة الطلبة أحد أطرافه والإدارة طرفا ثانيا ويدخل عنصر الأمن الجامعي في وسط الصراع كطرف غير مرغوب فيه، وأيضا كأحد المكتسبات الطلابية التي يجري الإلتفاف عليها..
وما يحز في النفس هو أن تدخل الدولة يبدو أبعد ما يمكن تصوره. وكأن هذا البلد لا يعنى القائمين على أمره، إذ المفروض أن الفضاء الجامعي خط أحمر لا يمكن بأي حال من الأحوال التفريط في الدور الريادي المنوط به، هذا إذا كانت هناك رغبة حقيقية في أن يلعب هذا الفضاء الدور الحيوي والتاريخي المنوط به كمنارة للمعرفة ومنبع للتأطير العلمي وصنع الكفاءات والنخب.. إلا أن ما يتم تداوله {والكارثة عظمى إذا صح فعلا} حول ما يروج بنفس الكلية داخل كواليس الماستر والدكتراه قد يندى له الجبين حتى أن البعض يتحدث عن دكاترة أشباه أميين ومنهم من ضم على هيئة التدريس.. والواقع أن فداحة الأمر وشدة وطئه على هذا البلد السعيد لا يأتي من الفساد نفسه بل من القطاع الذي يستشري فيه الفساد.. فقد نقبل على مضض ارتفاع نسبة الجريمة بمنطقة شعبية نظرا لشضف العيش وارتفاع تكلفة الحياة لكن لا يمكن بأي حال من الأحوال أن نقبل الفساد حيث يفترض صناعة الكفاءات،وإلا سقطنا في المثل الشعبي المبتذل {باك طاع في السوق.. من الخيمة خرج مايل} لأن فاقد الشيء لا يعطيه..
إن الواقع التعليمي عموما والتعليم الجامعي خصوصا ليس مجالا للمزايدات، ومن يظن أن له الأهلية للتعامل داخله بنوع من الزبونية وبالروح النفعية بالمعنى السلبي للمفهوم، فهو شخص أو جهة واهمة.. فالمغرب ليس وطنا بدون مواطنين.. واهم من يظن أن المغاربة سيفرطون في وطنهم.. فبالقدر الذي نهيج ونرغي ونزبد عندما نسمع عن من يمس وحدتنا الترابية في قضية الوطن الأولى.. بالقدر نفسه قد نتجاوز حدود الشجب والتنديد إلى العمل الحقوقي الميداني والمستند على النظرة السوسيو- ثقافية لواقع البلد من خلال مقاربات قانونية وحقوقية تحاسب جميع مكونات المنظومة التعليمية من أعلى هرمها إلى حضيض قاعها.. وواهم من يعتقد السذاجة في المواطن المغربي.. فهو قد يصمت أو لا يكترث لأمر بسبب جهله بعواقبه لكنه أبدا لا يفرط في مصيره.. وقد أثبتت العديد من المحطات التاريخية مواقفا في غاية الروعة للمواطن المغربي إلى الحد الذي حدا ببعض المتربصين بالمصلحة العليا للوطن وللأمة عموما إلى محاولة الضرب في عمق هويتها، ووحدتها الثقافية، معتقدين بسذاجة ورعونة المعتدي وعماه النرجسي أن بمقدورهم تكليس دفة الحضارة وجعلها متصلبة في اتجاه الغرب.. وهذه قضية تستلزم لوحدها دراسة متنحية..
إن ما يروج بجامعة الحسن الأول لشي يدعو للأسف ويحز في النفس.. ففي الوقت الذي نترحم فيه على روح المرحوم إدريس البصري لا لإنجازاته الباهرة التي لم نشهد منها شيئا على الإطلاق، ولكن لدوره الكبير في قرار منح هذه المدينة العتيقة (كما لا يعرف الكثرين)، منحها فضاءا جامعيا يفيد منه أبناءها وأبناء جميع مكونات هامشها القروي..
والآن ربما النعمة التى نحمد الله سبحانه عليها ربما هي في طور تحولها إلى نقمة.. بعدما باتت في نظر العديد من الساكنة معقلا للدعارة والنخاسة البشرية، ومجال الإنحلال الأخلاقي إلى الحد الذي حدا بالعديد من الآباء وأولياء أمور الطلبة وتحديدا الطالبات إلى العزوف عن تسجيل بناتهم بهذه الجامعة، على اعتبار أن المفاسد في الجامعة في نظرهم أعظم من المكاسب.. فإلى متى سيبقى الفضاء الجامعي مرتعا للمزايدات..
 إن هم الوطن الأكبر بعد قضيته الوطنية الكبرى لا يحيد عن مصير أبنائه.. فما الذي نريده لنخبتنا المستقبلية؟ سؤال تجيب عنه برامجنا التعليمة المتهالكة، وسياساتنا الإرتجالية.. واستهتارنا بالفضاءات التي تعتبر منبع صنع الموارد البشرية اللازمة للنهوض بالبلد وبنائه.. إلى متى سيظل مستقبل أبنائنا بين أيدي من لا يقدر قدر المسؤولية الرهيبة الملقاة على هذا الفضاء العلمي والتربوي؟
لا نتهم أحدا لكننا نسائل الجميع..

تنويه: تماشيا مع مبادئ المجلة المرجو التعليق باللغة العربية

فيلوبريس على الفيسبوك

المواضيع الأكثر قراءة

فيديوهات فيلوبريس