مغرب التعدد و تحديات الوحدة الوطنية.



بقلم: سعيد توبير


من دون شك ان المغرب هو بلد الهوية المتعددة بامتياز، و هو يناضل بقوة للدخول إلى الحداثة دون أن يفقد روحه العربية، الأمازيغية و الصحراوية و الإفريقية. فغني عن التعريف أن المغرب، يوجد في تقاطع قارتين، الإفريقية و الأوربية، في تقاطع محيطين، المحيط الأطلسي و البحر الأبيض المتوسط، و عليه كانت المملكة المغربية (1)  دائما أرضا للتبادل و التعارف. لقد استطاع المغرب ان  يتأثر، و يدمج مساهمات عدد من الحضارات( الفنيقية، الرومانية، الإسلامية و المتوسطية) في المجال الاجتماعي و أشكال البناء المعماري، التي تم ترسيبها و إغناؤها في ترابط جدلي بسلط ملكية تاريخية. و التي نعتقد أنها هي التي منحت للمغاربة مشاعر الانتماء، و التنوع داخل بوثقة وحدة يمكن أن نسميها "مغرب التعدد" والذي يتجاوز فيه الاغتناء مجموع المكونات الجزئية، و لذلك يحظى المغرب بتراث ثقاقي تاريخي و معماري منقطع النظير، يجد تجلياته في العمران و المآثر التاريخية والمدن الإمبراطورية العريقة. كما نصادف على مستوى إيقاعات التراث المغربي الأصيل، الذي تدخل فيه إيقاعات إفريقيا و الأندلس، و العربي الإسلامي و العبري، تناغما شديدا مع المعطيات الأطلسية و المتوسطية التي تتقاطع فيما بينها لتشكل لوحة هوية متعددة.
 يمكن ان نضيف(2) إليها التعدد اللغوي - الأمازيغي، العربي، العبري، البرتغالي، الانجليزي و الفرنسي، ناهيك عن التنوع في العادات و التقاليد، و في الوقائع الجغرافية من ثلوج صامدة على قمم الأطلس وزرقة البحار و سراب الصحاري. إنها تعابير الاندماج الحضاري و الثقافي ل "مغرب التعدد" ، الذي تؤكده وقائع عدد من المواقع التاريخية الضاربة في القدم، من القصور و القصبات المنتشرة على ضفاف الأنهار الصحراوية، و التي تم ادراج بعضها ضمن التراث العالمي من طرف اليونسكو. إلا أن ما سمى في أدبيات النهضة العربية "بصدمة الحداثة" حيث الاستعمار احتل الأرض واستغل الشعب، قد عمل عل نفت سموم الشك و التشويش على مشاعر المغاربة عن طريق الظهير البريري، الذي كرسته نظرية الفلكلور (الثقافة الشعبية) المبني(3)  على أسس المدرسة التراثية، التي لها تاريخ يعود إلى بداية الاحتلال الاستعماري، بحيث أن العلماء الاستعماريين هم من بدؤوا البحث في اللهجات، الفنون الشعبية، التقاليد المحلية، و الصناعات المحلية في الجزائر والمغرب لمواجهة الأصالة العربية الإسلامية بأصالة أكثر عمقا و أعرق جذورا، و بالتالي  فالسياسة الثقافية يجب أن تحلل الأصالة اللسنية و الإثنلوجية للبحث عن المضمون القومي أو الوطني لمواجهة المدرسة الانقسامية، ذلك أن القوة تكمن في الكل الذي يتضمن الأجزاء لمواجهة الأطماع الخارجية.
إن أهم ما يمكن ان يلاحظ اليوم  بكل موضوعية، على الساحة الفكرية و السياسية، من خلال الدراسات الجامعية و الكتابات الصحافية، ومواقف بعض الأحزاب السياسية و المنظمات المدنية، أنها تدافع عن التعدد اللغوي و الثقافي و هي مسألة  صحية تقف حاجزا أمام أنواع التطرف و النظرة الأحادية البعد. غير أننا لا نصادف من يمكن أن يفكر في الخيط الناظم لهذا التعدد، سيما وأن بعض التيارات الثقافية أو السياسية تدافع عن أطاريح استعمارية انقسامية، تجزيئية بطريقة لا شعورية، دون ان تتبين خلفياتها العنصرية و الاستعمارية، التي غالبا ما تتحصن وراء النظرية العلمية الموضوعية كالبنيوية مثلا. و هذا ما يطرح مسألة الثقافة الوطنية الوحدوية، أي ذلك الخيط الذي ينظم فيه اللؤلؤ و نحوه أو تنتظم فيه الأمور. ولعل هذا النقاش قد طرح عندما رد العروي في بداية التسعينات مارس 1971 على علال الفاسي بقوله: على المغربي أن يصالح ذاته، أن يصالح أخاه، و أن يصالح الحكومة الشرعية و عليه فإن كل فئة اجتماعية عليها أن تعي أن الدولة هي دولتها لكي نبني دولة و مجتمعا متوازنا، لكي نعيش عيشة عصرية، لابد من أن ننسى أثار الماضي السلبية و أن نتعالى عن الفوارق المذهبية، الطرقية، المحلية و اللغوية.
إننا اليوم مطالبون كمثقفين و سياسيين وفاعلين جمعويين بضرورة الانتباه إلى ما يمكن ان يترتب عن غياب العدالة المجالية و تكافؤ الفرص، التي تتنج عنها أنواعا من التراتبية بين الناس، أي خلق اللاعدالة في الثروة و السلطة مما قد تؤثر على طبيعة التنافس ليتحول إلى قتال لا نهائي. كما نريد ان ننبه بعض الزعماء السياسيين للتخلي عن النزعة الحزبية الضيقة، التي تزيد من منسوب الاحتقان الاجتماعي و السياسي أو التشهير بالمشاكل الداخلية لكسب ود الخارج. بل يجب دفع الطاقات الشبابية "الاحتياط الانتخابي أو الكم الاحتجاجي" في الأحزاب و الحركات الدعوية الى التحرر من وصاية الآباء و المشايخ و الكاريزمات التقليدية للتفكير في مستقبل مغربي واعد و ديمقراطي تحت القيادة الرشيدة لصاحب الجلالة الملك محمد السادس الذي قال في خطاب عرش 1999: (بفضل تماسك المغاربة بقيم التعايش و التضامن على امتداد أربعة عشر قرنا، تسنى لبلدنا العزيز أن يكتسب مناعة أتاحت له أن يصمد لشتى الزوابع ويتجنب الوقوع في مزالق التاريخ ومهاوي أحداثه).
هوامش:

 _ Said mouline_ le site du maroc pluriel1
2_ ibid
3_ عبد الله العروي: _ العرب و الفكر التاريخي_، المضمون القومي للثقافة،ص112، دار الحقيقة، بيروت، 1973.
4_عبد الله العروي_ محاورة فكر العروي، بسام الكردي، حوار في مجلة أبحاث، كتب السياسة و المعرفة 1991، المركز الثقافي العربي.


تنويه: تماشيا مع مبادئ المجلة المرجو التعليق باللغة العربية

فيلوبريس على الفيسبوك

المواضيع الأكثر قراءة

فيديوهات فيلوبريس