دروس المفكر سالم يفوت : النشاط الفلكي في الأندلس





إعداد: هشام آيت باحسين



الحصة الثالثة   بتاريخ   05/03/2006
عرفت الأندلس نهضة كبرى في علوم الرياضيات ترافقت مع بحث كبير في النشاط الفلكي وتجدر الإشارة إلى محافظة كتاب "السند هند" على مكانته المهيمنة ويؤكد صاعد الأندلسي على انجازات ومن بينها الترجمة اللاتينية للقوانين التي كتبها ابن معاد الجياني من أجل جداوله المعروفة بالزيج (الجدول الفلكي) الجياني المرتكزة على نظام السند هند والمحسوب نسبة لإحداثيات مدينته خان باسبانيا.. إنها الجداول التي ابتدع العمل فيها تحت إشراف صاعد الأندلسي تبدو نتيجة عمل جماعي اشترك فيه أبو إسحاق ابن الزرقاني وهو أهم عالم فلكي أندلسي عبر كل العصور. لكن خلاصة هذه الجداول أصابت خيبة كل الباحثين حيث أظهر أحد الباحثين في تحليل له أن ما هو أصل في هذه الجداول هو فقط ما يتعلق بالحركة المتوسطة بينما الباقي مشتق إما من جداول الخوارزمي التي شرحها مسلمة أو جداول البتاني لكن بعض الجداول المنسوبة إلى هذا الأخير قد تكون مشتقة بشكل مباشر من بطليموس الذي يمكن الوقوف عليها تحت تأثيره المباشر في الفلك القديم ، لقد درس الزرقاني حركة الكواكب وظل ربع قرن من الزمان وهو يرصد الشمس وقد بدأ أولا في طليطلة ثم في قرطبة وكانت نتائج هذا العمل موجودة ضمن كتاب مفقود حول النظرية الشمسية، تمكن الباحثون المعاصرون من إعادة بناء موضوعه ومعطياته وقد برهنوا خاصة أن الزرقاني حدد في 1470 ميلاد ثم وضعية  (الأوج الشمسي) وقدر حركتها الخاصة بدرجة موحدة خلال 279 سنة شمسية ومن جهة أخرى فقد رسم الزرقاني نموذجا شبيها بنموذج بطليموس حيث تتعرض فيه الكواكب لحركتي الإقبال و الإدبار.
         يعتقد المؤرخون حاليا أن جداول طليطلة التي تضمنت اجتهادات الفلكيين الأندلسيين ساهمت بشكل كبير في الانقلاب العيني الذي عرفه علم الفلك على يد كوبرنيكوس سنة 1543. يبدو أن ابن رشد كان مهتما بالأرصاد الفلكية تلك التي أجراها على النجل سهيل في جبال الأطلس الكبير بمراكش (دران) سنة 1053 م وهو نجم لا يرى من شبه الجزيرة الإيبيرية وتجدر الإشارة هنا إلى أن ابن رشد كان مسايرا لأرسطو في آراءه الفلكية لذا رفض الفرضيات و النظريات التي أقحمها بطليموس في كتاب الماجسطي على النظام الفلكي الأرسطي كما قام ابن رشد بأرصاد فلكية للشمس شأنه شأن ابن باجة وهي أرصاد كانت ذات أهمية كبرى، وقد علل الفلكيين ابن رشد وابن باجة الكلف وفسره بمرور الكوكب عطارد وكوكب الزهرة أمام الشمس وهذا تعليل يؤدي إلى حسب هذين العالمين إلى نقد مواقف بطليموس ومواقف جابر ابن الأفلج وهو أندلسي حاول ترتيب الكرات الفلكية وهي قضية كانت موضوع نقاش طويل في الأندلس القرن 12 م وبالفعل فقد كان تعليل بطليموس لعدم مرور هذين الكوكبين أمام الشمس يرتكز على كونهما  يوجدان أسفل المنظومة الشمسية لذا لا يمكن أن يمر بين الخط الذي يجمع بين الشمس وأعيننا. ولقد كان تعليل بطليموس هذا موضوع نقاش جدي من قبل جابر ابن الأفلج  والبطروجي  ولكن جابر اقترح ترتيبا مغايرا للكواكب حيث اعتبر أن كلا من عطارد والزهرة يقعان فوق الشمس إضافة إلى غياب مرورهما أمام الشمس كانت صحته الأساسية أن هذين الكوكبين لا يقعان على زاوية اختلاف مرئية عندما يكونان أقرب للأرض أما البطروجي المتوفى سنة 601 هـ يقدم الترتيب التالي: القمر-الشمس-الزهرة-عطارد ويرفض حجة  المرور المذكورة اعتقادا منه أن لعطارد كما للزهرة ذوقهما الخاص بهما فلا يمكن بالتالي أن نلاحظ مرورهما أمام الشمس وقد انقسم فلكي الأندلس في القرن 12م  بين مؤيدي و معارضي نظرية باطلميوس الفلكية فالمؤيدون كأبي السلط الداني  (1067-1134م) وابن الكمان عاش في أوائل القرن12م وابن الهائم توفي سنة 1205م اتبعوا تقرير الزرقاني. أما منتقد باطلميوس فمنهم من انتقده من مواقع بطليموسية أي دون أن يخرج عن جوهر النظام البطلمي مثل جابر ابن الأفلج في كتابه إصلاح الماجسطي ومنهم من فعل ذلك انطلاقا من مواقع أرسطية مثل ابن رشد و البطروجي وابن طفيل.


تنويه: تماشيا مع مبادئ المجلة المرجو التعليق باللغة العربية

فيلوبريس على الفيسبوك

المواضيع الأكثر قراءة

فيديوهات فيلوبريس