العبث السياسي : ما بين تحديات الوحدة الترابية و الأزمة الحكومية.

بقلم : سعيد توبير

امام عجز حكومة الحزب الأغلبي "العدالة و التنمية"، عن اقناع المواطنين بانجازاتها الاجتماعية و الاقتصادية، و ترجمة وعود حملاتها الانتخابية، على ارض واقع المعيش اليومي لعموم الشعب. فإن المتتبع للشأن السياسي المغربي لن يحيد عن الاعتراف إن ضمنا أو صراحة، بوجود عبث سياسي، يجد تبريره الأول في صراع أحزاب الأغلبية الحكومية فيما بينها حول مشروعية اتخاذ القرار، و الذي توج بموقف انسحاب حزب الاستقلال من الحكومة، بسبب الخلاف العميق، حول القرارات المصيرية، التي همت قرار الرفع من ثمن المحروقات، و تحيين مشروع اصلاح صندوق المقاصة و صناديق التقاعد و معالجة اشكالية الاطر المعطلة الموقعة على المحضر. أم المبرر الثاني للعبث فيمكن رده الى طبيعة مفارقة تعدد مكونات المعارضة بسبب غياب الخيط الناظم، لتوحيد الرؤية السياسية و الاستراتيجية الحزبية للقيام بدورها السياسي و التاريخي. 
و الواقع المؤلم، هو ان تجليات هذا العبث السياسي، يمكن تلقفها على مستوى الخطاب، اللغة و طبيعة التواصل و الحوار بين ممثلي الامة في جلسات البرلمان و مجلس المستشارين العمومية و الإعلام السمعي البصري. إنه الخطاب السياسي و الاخلاقي، الذي لا يليق بمكتسبات الحراك السياسي وحجم الاصلاحات الدستورية و انتظارات الشعب. وعليه ففي الوقت الذي نعجز فيه عن تبرير هذا العبث بشكل عامي و بسيط، نجد ان مرجعية المفكر المغربي عبد الله العروي العلمية او الأكاديمية في "ديوان السياسة"، تؤكد على أن العبث السياسي، لا يمكن ان يرتفع عن تجربتنا السياسية الديمقراطية الناشئة: (إذا لم يحصل عندنا بعد الفطام الضروري بين الغريزة و العقل. بين الإتباع و الاستقلال. وإذا لم ننتقل مثلا من التواكل الى الهمة، من المبايعة الى المواطنة. و ما يجعل السياسة بئيسة هو بالضبط شموليتها. فلا تتكون نخبة سياسية تتأهل و تتجدد باستمرار) . 
و في سياق هذا العبث السياسي، الذي ما فتئت بعض الأحزاب السياسية تكرسه، من تقاعس اتجاه القضايا الوطنية المصيرية، في مقابل الاخلاص للعمل الحزبي الاستقطابي الضيق، و التفاني في تأطير القواعد الانتخابية في صراع جهنمي ضد الزمن. فإن الوضعية المؤلمة التي عاشتها الدبلوماسية المغربية، في الفترة الأخيرة، قد كشفت بما لا يدع الشك عن مظاهر عجز المؤسسات الحزبية، و قصور الديبلوماسية الحكومية و غياب شبه تام لديبلوماسية المجتمع المدني الموازية في اتجاه الضغط على الولايات المتحدة الأمريكية لتطويق مقترح مجلس الأمن الدولي، والقاضي بتوسيع صلاحيات بعثة الأمم المتحدة "المينورسو" لتشمل مراقبة حقوق الإنسان في الصحراء. ماذا كان سوف يكون عليه وضع المملكة، دون تدخل العاهل المغربي الحاسم و الاستباقي لدى الدول العظمى، لتعود الأمور إلى نصابها ؟ هل اقتنع المتربصون بحاكمية و صلاحيات الملكية الديمقراطية التنموية، بأهميتها و جاهزيتها في درء الأخطار و المصائب على الأمة؟
وفي اطار هذا السياق الوطني الدقيق و الحساس، نسائل بكل روح وطنية وحدوية، شبيبة حزب العدالة و التنمية، التي طالبت في مؤتمرها الأخير بالملكية البرلمانية للتخلص من ازدواجية السلطة، و كذلك حركة التوحيد والإصلاح كذراع وظيفي لحزب العدالة و التنمية، التي تتهم الدولة العميقة بصنع الأزمة الاقتصادية، كيف يمكن للتأويل السلفي للدستور الذي يتبناه "ربيع حراك الاسلام السياسي" في الوطن العربي بصفة عامة و المغربي بصفة خاصة، والذي يعتبر الدولة المغربية دولة إسلامية. فيترجم حسب العروي العبارات و الألفاظ على المتعارف لدى الفقهاء الاصوليين. فيصير الدستور نتيجة وثيقة محررة مبسطة منسجمة، و الملك امام، الحكومة وزارة، المراقبة حسبة، الخزينة بيت المال، الضريبة معونة، التشريع اجتهاد، البرلمان شورى، التصويت نصيحة، الانتخاب تزكية، الخ)، ان يحمينا هذا التأويل السلفي للدستور في اقصى درجات دقته ووضوح براهينه أن يخلصنا من المراقبة الدولية للشأن الحقوقي و الحكومي؟ أو يقوي من مواقفنا التفاوضية بشأن القضية الترابية و الصيد البحري و التجارة الخارجية، و ان يفيدنا في جلب الاستثمارات و الترواث و الدفاع القوي عن المصالح الحيوية للبلاد؟ 
أليس من العبث، و الصدفة و العشوائية ان لا نجد تشخيصا علميا دقيقا و تحليلا عميقا لدى الأغلبية الحكومية، للمسيرة التي عرفتها مدينة العيون مؤخرا، و التي جابت شوارع عديدة بالمدينة، مطالبة بتقرير المصير. ما الذي يمكن للسيد رئيس الحكومة، ان يقول للشعب الذي صوت على حزبه بصدد، هاته الواقعة الشاذة أو الظاهرة السوسيو سياسية المستجدة، التي هزت كيان المغاربة، مخلفة نوعا من الدهشة والاستغراب لدى عموم المواطنين، الذين لم يسبق لهم أن شاهدوا مسيرة رفعت فيها أعلام البوليساريو، و الذي لم تتطرق سيادته ولو بكلمة واحدة للقضية الوطنية، في مؤتمر الشبيبة، أمام حوالي 3000 شاب ؟ وعليه فإن غياب الضمانة الروحية والسياسية التي تمثلها الملكية، قد تقتحم الفضاء العمومي و السياسي بالمغرب كائنات لا تاريخية، قد تؤدي جذريتها الرفضوية للنظام السياسي، إلى تحالف لا يعلم الا الله مصيره، على اساس ان التساهل الديمقراطي قد يؤدي الى نسف الديمقراطية من الداخل.
واعتقد انه في الأفق المنظور، سوف يشتكي المغاربة مظلمتهم للملك كحكم، في غياب حزب سياسي ديمقراطي و وطني، يقع عليه اجماع كل مكونات المجتمع المغربي في كل من العالم القروي و الحضري، و قادر على إنجاز التحديث المطلوب، و تحقيق الاجماع الوطني بين الفرقاء السياسيين، لاسيما في ظل ثنائيات المغرب الانثربولوجية و السوسيولوجية، التي كثيرا ما استفاض فيها د عبد الله العروي من جهة التحليل العرب/البربر، الحضر/ البدو، التقدميين/ المحافظين، الحداثين/ العلمانيين، و في بنية مجتمع لم يعرف التناغم الاجتماعي بإطلاق و الوحدة السياسية بشكل نهائي. وقد يحدث التحدي الأكبر في المستقبل المنظور أي ما بعد عبثية حكومة الحراك الإسلامي، عندما تتوفر الإرادة العامة لتعاقد تاريخي وسياسي مثين ما بين "جيل مغرب ما بعد الحرب الباردة" كنخب ثقافية وطنية حية و الإرادة الملكية الشابة لتحرير الطاقات الفكرية و السياسية، التي لم تجد من يسندها سياسيا، وحزبيا وثقافيا لأداء وظيفتها السياسية و التاريخية.

تنويه: تماشيا مع مبادئ المجلة المرجو التعليق باللغة العربية

فيلوبريس على الفيسبوك

المواضيع الأكثر قراءة

فيديوهات فيلوبريس