بول ريكور.. فلسفة الإرادة والإنسان الخّطاء

    بول ريكور.. فلسفة الإرادة والإنسان الخّطاء
د علي محمد اليوسف
تمهيد
لا أضيف معلومة جديدة للذين قرأوا أو حاولوا قراءة كتاب بول ريكور (1913- 2005) المترجم للعربية بعنونة (فلسفة الارادة.. الانسان الخّطاء) وتركوه دون إكمالهم قراءة الصفحات الاولى من مقدمة الكتاب وهم غير ملامين أمام صعوبة فهم كتاب فلسفي غاية في غموضه العميق وتعقيد التعابير الفلسفية فيه التي تأخذ القارئ حتى المتخصص إلى متاهة بلا نهاية، وأجد على الاقل بالنسبة لي وربما غيري يستطيع فك شفرات كتاب ريكور المعّقدة لكن سيجد نفسه بالمحصلة النهائية أنه كان يسبح قرب الحافات الضحلة من بحيرة ريكور الفلسفية في هذا الكتاب تحديدا، ولم يقترب من شطآنها ناهيك عن استحالة إمكانية الغوص في أعماقها..
لذا تمثل هذه الورقة مداخلة كتبتها من وحي الكتاب وهي تمثل رأيي الشخصي وليس مناقشة فلسفة بول ريكور المدهشة العميقة والتي عجزت عن الإحاطة الفلسفية حتى في بعضها.. ومناقشة أفكار الكتاب تتطلب إتقان مصطلحات فلسفية لا نتوفر عليها في أدبياتنا الفلسفية العربية المترجمة.. كما وتتطلب خلفية فلسفية غير عادية تقترب من الموسوعية، فاللغة التي يكتب بها ريكور عصّية على المتلقي الذي يتوجب عليه الثبات في صبر المطاولة إذا ما أراد فهم ما يريد ريكور توصيله للقاريء وليس مناقشة أفكاره بلا جدوى.
لماذا كان الخطأ ويكون؟
الخطأ عند الإنسان فعالية حيوية لا منجاة الهروب منها فهي تدخل في تكوين الطبيعة البشرية المحدودة القدرة والإمكانات بغض النظر عما يلحقه الخطأ من نتائج سلبية مدانة بحق الفرد ومجتمعه، والخطأ حين يكون قرار إرادة ذاتية مسبقة لا تسببها الحرية المسؤولة التي يتمتع بها الفرد مجتمعيا فهي تصبح من أفعال الشر المقصودة وليست من الاخطاء العفوية التي لم يكن يقصدها مرتكبها..
كما وليس من الضروري ربط تلازم الخطأ الإنساني بالحرية التي هي ليست معطى مجتمعي ناجز يمنحه المجتمع للفرد بل بمعنى أن الحرية هي الاخرى سمة مركزية من تكوين طبيعة الانسان ونزوعه الوجودي الحيوي الطموح بالحياة ولا تلازم بينها وبين نتائج أرادة الانسان في أتخاذ قراراته وصنع عالمه الذي تشوبه الاخطاء الفادحة المتتالية.. فليس معنى التمتع بالحرية المجتمعية جواز مرور ارتكاب الأخطاء والشرور المتعمّدة بحق الاخرين.. فالحرية مسؤولية مجتمعية في الممارسة والسلوك قبل أن تكون حقا مكتسبا للأفراد التمتع بها.
يبرئ أفلاطون الإنسان من جريرة أخطائه التي هي بحسب رأيه ليست من صنع الإنسان بوعي قصدي مسّبق في ارتكابها وإنما تكون الأخطاء حصيلة ظروف خارجية تفرض على الإنسان ارتكابها بعفوية لذا لا يتحمّل نتائجها وجميع خطايا الإنسان التي تحصل معه هي أخطاء غير مسؤول عنها فهي ليست من اختياره.. وليس من حق المجتمع محاسبته عليها بل على الفرد التخلص منها في التطهر الأخلاقي بزيادة المعرفة والتعلم.. ونرى في رأي افلاطون هذا تبسيطا مخّلا في إغفاله جوانب رصد متباينة حول المشكلة..
وعليه يكون حصولنا على ذات إنسانوية خالصة بمواصفات معيارية نموذجية من الكمال والاستقامة هو تصوّر فارغ لا قيمة واقعية حقيقية له، ولا يمكننا تصور ذات إنسانية طبيعية سوية بمعيارية نموذجية هي بالأصل معيارية غير واقعية تلغي الاقرار الحقيقي السليم بأن الانسان خطّاء بالغريزة الفطرية الطبيعية ولا يلزم عن ذلك التشبث بمعصومية تتقاطع مع استحالة فهم الطبيعة البشرية في حقيقتها الجوهرية أنها طبيعة ناقصة على الدوام ومأزومة بالحياة منذ الولادة حتى المماة مما يجعل من ارتكاب الأخطاء والحماقات هو من طبائع الأمور العامة التي تسري في شرايين أفراد كل المجتمعات البشرية..
الأخطاء العفوية أو المقصودة لا فرق التي يرتكبها الفرد بحق نفسه ومجتمعه لا تستمد أصولها المشروعة من الاسطورة الدينية التي تتحدث عن ارتكاب آدم للخطيئة وطرده مع حواء من الجنة وانسحاب هذا التلفيق الاسطوري على بني آدم في الارض.. وبهذا الفهم ندرك عمق عبارة هوبز بأن الانسان شرّير بطبيعته وتحكمه غريزة ارتكابه الشرور تجاه غيره من الناس المحيطين به.. ونجد بهذا التعبير تهوين غير مقصود من هوبز يسقط فيه الشعور بالذنب وتأنيب الضمير الذي يلازم الانسان مرتكب الشرور الخاطئة بحق المجتمع، وليس معنى ذلك أن هوبز يعتبر ارتكاب الشرور هي من طبائع الامور (السوّية) الصحيحة وإنما هي من طبائع الامور التي تحكمها الغريزة المتمكنة من الانسان قبل حكم العقل والارادة الخيّرة المزروعة في جوهر كيانه كضمير وجداني يقوم على نشدان الفضيلة بالحياة..
بضوء هذا الفهم: تصبح المساءلة حقا مشروعا، ألم يكن بالإمكان أن يكون الانسان مخلوقا مليئا بالفضائل ولا يعرف معنى الشرور في حياته؟؟ لماذا وجد الانسان نفسه مليئا بغرائز مقيتة تقاطع إنسانيته المفترضة أنها خيرا تاما وهي في كل معايير تلك الغرائز مدانة ولا تناسب ضرورة خلق الانسان بإرادة الخير وتعمير حياته على أسس من الفضيلة والعدالة والحق على الأرض وأول بوادر هذه الاستحالة في وجود الإنسان الممتلئ بالفضيلة والضمير الاخلاقي أنما كانت في أسطورة مقتل هابيل من شقيقه قابيل التي في حال انسحابها على اللاهوت الديني كما هو حاصل تفضح ازدواجية الدين قبل افتضاحها كأسطورة خرافية لا علاقة لها بالدين.. تشبه تماما حجاج إبليس لرب العالمين في امتناعه السجود لآدم لأنه مخلوق من نار أقدس من آدم المخلوق من طين.
هوبز أراد مقاربة معنى ما ذكرناه في سعيه التأكيد أن الأخطاء والشرور التي يرتكبها الناس هي غرائز تكوينية من طبيعتهم البشرية لا يمكن تجنيب المجتمع نتائجها الضارة وفي وقت لا يسمح تجنب صاحبها تأنيب الضمير والشعور بالذنب بالقناعة الزائفة في نتائجها لكنها الحقيقية في تأصيل دوافعها التي تكسب الرضا الزائف بأن (الشر) والأخطاء هو قسمة مشتركة عادلة بين بني البشر كما هي قسمتهم العادلة في امتلاكهم العقل.. عليه لا تكون الاخطاء وما يترتب عليها من نتائج هي تصنيع الانسان لها وابتكارها في التنفيذ السلبي لأفراد يحملون جينات الشر والانحراف دون غيرهم.. وهذا الفهم يسقط الرادع الضميري الاخلاقي النفسي من الحضور في منع حدوث الخطايا والاخطاء بحق الاخرين..
لماذا يكون الخطأ مباحا؟
من العسير علينا تصور الإنسان موجودا لا متناهي القدرات والعقل والارادة تضعه بمرتبة الالهة، وهذا لا يمنح الانسان تفويضا زائفا أنه طالما كانت الاخطاء قسمة عادلة يتوازعها بني البشر فلا داعي أن يعتبر الانسان نفسه شاذا عن المسيرة المجتمعية السوية التي تصوّر له أنه غير مسؤول عن أخطائه.. هذه سذاجة في تمرير مشروعية أعمال مقيتة هي محرمة ضميريا فرديا من قبل مرتكبها قبل أدانتها التحريمية مجتمعيا..
غرائز الانسان الفاضلة الخيّرة منها والشريرة المقيتة كلاهما يمكن التحكم بهما بما يجعل من الانسان ضميرا أخلاقيا في الحياة وليس ضميرا أخلاقيا من أجل الخلاص الانفرادي الديني في الآخرة الخيالية (يوتوبيا) الجنة والخلود.. ولا يجعل منه أيضا ضميرا فاسدا في الارض كونه نتاج غريزة فساد وإفساد مزروعة فيه تشّكل جزءا من طبيعته التكوينية البشرية مما يرتب التسليم بالقناعة الزائفة أن ارتكاب الشرور هو من طبائع البشر وأمور الحياة المحكومة بالاطراد المتزايد.
كثيرة هي الاسئلة المتناسلة المتفرعة: من المسؤول عن ارتكاب الأخطاء، الفرد أم المجتمع؟ وهل دافع ارتكاب الاخطاء هي ذاتية تخص الانسان بمفرده وتسيء للمجتمع بمجمله؟ هل الاخطاء التي يرتكبها الانسان عفوية مجردة من الارادة المسبقة أم هي أرادة منحرفة موجهة مقصودة مع سبق الاصرار والترصد في ارتكابها؟ وهل العوامل الخارجية التي مصدرها المحيط والمجتمع تتلبس الانسان وتسقطه في ارتكاب الاخطاء؟ هل من المشروع تسويغ ارتكاب الخطأ عند الانسان في حال إقرارنا أن الاخطاء لا تتم الا بمساعدة عوامل ذاتية ومجتمعية خارجية منحرفة تضع الانسان أمام عدم قدرة الامتناع عن تسويغ ارتكابه لها وبذلك ننكر حقيقة أن جميع أفعال الانسان تحكمها الارادة العقلية المسبقة في صنع عالمه الخاص به على وفق قناعته هو وليس قناعة المجتمع في توريطه الفرد ارتكاب الاخطاء بحق نفسه ومجتمعه..
يقول بول ريكور بعبارة رشيقة متوازنة (الانسان لا يمتلك عصمة تمنعه من ارتكاب الاخطاء والشرور وهذه هي السمة العامة التي تتركز في عدم تطابق الانسان مع نفسه، وهذا اللاتناسب بين الذات والذات هو نسبة اللاعصمة) 1
 بضوء هذه العبارة نفهم أن نزعتي الخير والشر المترسبتين في أعماق النفس والضمير والوجدان الانساني كضدّين متنافرين تجعل من الانسان حالة من التناقض المربك لأفعاله وأرادته في أتخاذه قرار الصح من الخطأ, فنجده متقاطعا على الدوام مع ظواهر الانحراف بالحياة في نفسه ذاتيا ومع المجتمع أيضا فيعيش الانفصام بين الضمير واللاضمير على صعيد الوعي الذاتي مما يرتّب عليه أتخاذ القرار الذي يمنحه الاطمئنان على حد تصوره هو للأمور في محاولته التطابق الفردي مع ضميره النظيف, قرارات يتصورها أنها تمتلك كامل المشروعية في صنع عالمه الخاص به, وتكون صدمته قاسية حين يجد النتيجة أنه صحيح حقق التطابق المرضي النظيف له مع ذاته وبما يرضىيه هو عن نفسه لكنه ما يلبث أن يجد نفسه متقاطعا بما لا يرضي المجتمع عنه تماما..
وهنا ينتفي معنى وأهمية تطابق الإنسان مع ذاته كضمير نظيف ليس لأنه على حق والمجتمع على باطل بل من حقيقة لا تناسبية كما عبّر عنها ريكور بما أسماه نسبة اللاعصمة التي هي قسمة مشتركة لا انفصام بها تجمع انتماء الفرد بالمجتمع بما يجعل اللاعصمة لا تنجي الفرد في محاولته التطابق مع ضميره النظيف ولا تجنّب المجتمع عواقب الاخطاء والشرور التي يكون فيها المجتمع مصدر تغذية الافراد ارتكاب أخطائهم وشرورهم..
تطابق الضمير الاخلاقي النظيف عند الانسان مع حقيقة ذاتيته الانسانية النموذجية الفاضلة (الانا الاعلى) المتسامية روحيا اخلاقيا يبقى تقديرها وتحقيقها بالفرد وحده وليس بمجتمعه ومن الصعوبة بمكان أن يتجنب الانسان الازدواجية في السلوك مع المجتمع.. كون المجتمع هو المصدر الاساس في جنوح الفرد نحو رغبة تحقيق مصالحه الذاتية على حساب مصالح المجموع التي هي في المحصلة النهائية مصالح ذاتية لأفراد وليس مصالح مجتمعية لمجتمع متجانس يكفل حق الجميع بالعدل والمساواة والحرية.. وبذلك تكون الانانية والازدواجية وحتى الكذب والنفاق في المواقف من طبائع الامور المشروعة المباحة للإنسان ارتكابها من دون شعوره بالخجل وتأنيب ضمير ولا أدانة مجتمعية مباشرة له عليها فهي قسمة مشتركة بين الجميع...فالكل غائص في وحل الاخطاء والخطايا ولا مجال تبرئة الفرد نفسه منها إلا إذا ما توفر على ارادة قوية تجعله يعلو مجتمعه بالفضيلة.
هل الوعي (الزائف) الذي يجري تحميله للفرد من مجتمعه والذي لا يقوى الانسان تغييره ولا حتى أمكانية تصحيحه هو الوسيلة الفكرية الوحيدة التي يمتلكها الفرد في الحكم على الاخرين؟ وعلى من تحسب نتائج الاخطاء المرتكبة على الفرد أم على المجتمع إذا ما كان هناك لدينا خلفية حقيقية قاطعة واجب التسليم بها تذهب الى أن نزوعات الشر عند الانسان هي غريزة طبيعية من تكوين جيني عند الانسان لا يقوى على إمكانية ردع جموحها حالها حال الأنانية وحب التملك والتفرد الاعجابي بالشخصية والغيرة والازدواجية وهكذا.. وكل ما ذكرناه يأخذ تسويغه التمريري وتسويقه الزائف في ظاهره لكنه الحقيقي في باطنه أن الانسان بمحدوديته الطبيعية التكوينية غير معصوم من ارتكاب الاخطاء ونزوعه الذاتي نحو ارتكاب الاخطاء لا يقل بل ربما يزيد على نزوعه نحو قيم الخير والفضيلة كون هذه الاخيرة تتقاطع مع نزوعات طبيعته الذاتية في الامتلاك الفردي والتميز بكل شيء بعيدا عن مصالح المجتمع..
والحقيقة الأكثر وضوحا أن المجتمع يدين الفرد بأخطاء يعرف حقيقة لا معصومية ارتكابها من قبل أفراد آخرين في مجتمع مكوّن من مجموع أفراده معرّضين وقوعهم بفخاخها...فطبيعة الفرد مستمدة من طبيعة مجتمعه وما يرتكبه الفرد من شرور وأخطاء بحق مجتمعه لا يعدم ارتكابها أمثاله من الناس في مجتمعه أيضا.. والقانون العقابي الوضعي المؤسسي الذي يحاسب على ارتكاب الشرور يحد من الظاهرة في محاولته تحجيمها لكنه يعجز عن احتثاثها من جذورها.. كونها تركيب نفسي ذاتي زائدا له تركيب منظومة مجتمعية تحكم الفرد بفسادها أيضا..
معنى الاطمئنان للخالق
كثيرا ما تأخذنا الآراء القاطعة التي ننكر بها أن يكون للدين موقعا أثيرا في تشكيل الضمير الانساني الاخلاقي النزيه الذي يعيش أحلام النموذجية (اليوتوبيا) بالحياة، علما أننا هنا نأخذ بنظر الاعتبار أن الانسان مفطور على أخلاق الضمير الانسانية العفوية الخيّرة قبل معرفته أخلاق الدين لاحقا.. فإنسانية الانسان تجاه نوعه من جنسه سابقة على أنسنة الدين لأخلاقه وضميره الانفرادي.
وهنا نقصد بالدين ليس اللاهوت ولا أيديولوجيا الاحزاب السياسية الدينية المذهبية والمتطرفة ولا كتب الأديان الخرافية ولا أدبيات وشروحات وتفسيرات الفكر الديني الوضعية التي جاءت هوامش إضافية في تقريب الدين المشوّه في معانيه الدنيوية وضرورة طاعتها وليس خدمة الدين كعلاقة إيمانية فردية بين الخالق والمخلوق فقط ولا حاجة الى وسطاء لترسيخ هذه العلاقة.. ولا نأخذ أيضا عندما نقصد العودة الى الخالق الاخذ بأساطير الاديان في معجزات الأنبياء وإنما نعتمد (الله) كمرجعية روحية وكمستودع ضميري وجداني يلوذ الانسان به عندما تختلط الامور لديه أمام محكمة الضمير، وأن العصمة الوجدانية والضمير النظيف لا يمكن للإنسان بلوغها رغم وجودها بذرة نائمة في أعماق كل إنسان إلا من نزوع الانسان الدائم محاولته تجاوز الطبيعة إلى ما وراءها روحيا..
هذا النزوع الميتافيزيقي نحو النموذجي الروحي النظيف بالحياة تنقل الإنسان من مرحلة تحّكم الخطأ به الى مرتبة تحكمه هو بعدم ارتكاب الخطأ بوازع مخافة الله وهذا لا يتحقق ألا في شعور الانسان أن قدرة الله عليه جعلته محدودا ككائن غير معصوم وبذلك نراه حتى في حال ارتكابه الخطأ يلازمه تأنيب ضمير طويل يكبح عنده الغريزة الفطرية المزروعة فيه أنه معرض دوما لارتكاب الاخطاء التي عليه اجتناب الوقوع بها..
إن اعتصام الانسان بالله في عصمة ضميره روحانيا ليست نظرة سطحية غير حقيقية إذا ما علمنا أن هذا الاعتصام لا يؤكد ولا يلغي أن يكون الشخص مؤمنا أو ملحدا ولا يشترط ذلك، ومن جهة أخرى فأن الاعتصام بالله ليس مقصورا على دين واحد يمتلك الحقيقة الدينية كاملة وحده دون غيره من الاديان فهذا ليس ما نعنيه بالاستعانة بالله في أيجاد نوع من التوازن الأخلاقي الضميري الذي يعصم الوقوع بالخطأ.. وخير مثال لتحقيق مثل هذا التوجه نجده في الاديان غير التوحيدية المعاصرة مثل البوذية والهندوسية والمندائية والغنوصية اليابانية وغيرها التي تكون مركزية الاخلاق النظيفة فيها سابقة على الايمان بوجود خالق يراقب يعاقب ويثيب كما هو في الاديان التوحيدية.. ونجد البوذي يحقق الاكتفاء الذاتي بالموازنة الروحية الفاضلة بمعزل عن حاجته مراقبة الرب له يتوعده بالعذاب والعقاب.
ربما يبدو غريبا التعبير أن الانسان في حقيقته الطبيعية السوّية هو مخلوق ميتافيزيقي ديني ينزع الى الاستعانة بالله روحيا في أذكاء قيم الخير والمحبة في نفسيته وسلوكه قبل كل شيء وهذا يدعم نشوء الديانات الاسطورية الوثنية في وقت متقدم جدا على بلوغ الإنسان مراتب متقدمة من التقدم المتمدن في جوانب مادية وحياتية في مسيرته التاريخية الطويلة التي جاءت لاحقة على النزعة الدينية الفطرية الملحاحة التي كانت تسكن الانسان في محاولته تفسير وفهم معنى وجوده الارضي بقوى روحية لا يعقلها بالعقل لكنه يحتاجها في توفير الاطمئنان والراحة النفسية في الانقياد الروحي المقدس لها....
أن الفهم البراجماتي(النفعي) لباسكال بوجوب التسليم بوجود (الله) ولا يشترط أن تكون ملحدا أو مؤمنا أصبح في عالمنا اليوم ليس مستهجنا مرفوضا بمقدار ما أصبح حاجة ضرورية لا يستطيع الانسان المتحضر المعاصر التخلي عنها لأنها ببساطة تحل له مأزقه الروحي الذي يعيشه بألم وبؤس ومرارة وجودية..
دعوة باسكال أهميتها أنها لا تخاطب المؤمن لتزيده أيمانا بل تخاطب المتشكك اللاديني أنه سوف لا يخسر راحته النفسية بالحياة في قناعة التسليم بوجود الله حتى وأن كان لا يؤمن بلاهوت الاديان الوضعية جميعها.. وإنما بوجود الله كملاذ آمن يستعين به روحيا فقط لخلق التوازن غير القلق بأكثر من مجال في الحياة لديه.. أن تكون مؤمنا بالله كافرا بلاهوت الاديان الوضعية كما أراد سبينوزا هو التقاء متفاوت غير معلن بين باسكال وسبينوزا... وهذه الحقيقة الروحية أصبح الغائها والاستهانة بها في الحياة المعاصرة مكابرة فارغة تزيد بؤس الانسان بالحياة وشقائه بالوجود..
الإنسان البدائي كانت حياته محصورة في وجوب تأمين احتياجاته وبقائه من الطعام والحاجات اليومية الاخرى التي تزوده الطبيعة بها أولا... وتفتيشه عن (إله) قوي يمتلك قوى خارقة لقوانين الطبيعة يحميه من الخوف من ظواهر الطبيعة التي لا يعرف معناها ويمنحه الاطمئنان والقوة الروحية في تغلبه على عوامل انقراضه من الارض.. باستهداف تغيرات البيئة له في غير صالحه الذي ذهبت الديناصورات وحيوان الماموث وغيرهما من كائنات حية ضحية لقساوة وعدم ملائمة البيئة لهم مثلا، وبالمرتبة الثانية جاء خوفه من استهداف الحيوانات المفترسة له وقطع نسله من التوالد الانجابي التكاثري... وهناك مقولة طريفة لا أعرف مدى صحة استنتاجها الانثروبولوجي أن الطفل المولود حديثا في العصور البدائية السحيقة لم يكن مزودا بغريزة الصراخ والبكاء كما هي عند الطفل اليوم التي كانت تحميه في العصور البدائية من تعقب الحيوانات المفترسة لصراخه وصوته..
رب عقلاني معترض غير مؤمن بالله كطاقة روحية غير محدودة لها الدور الكبير جدا في خلق الضمير الاخلاقي عند الانسان يعترض بقوله السليم في ظاهره أن الاله الذي تم تخليقه خياليا ذاتيا من قبل الانسان البدائي لم يقدم شيئا للانسان مما كان يتمنىاه من الاله أن يمنحه أياه ويلبي له احتياجاته في تمشية أمور حياته الصعبة وصراعه المرير مع الطبيعة وهذا صحيح جدا لكن الانسان كان بحاجة الى طاقة روحية هائلة يمنحه أياها الاله كموجود خيالي خارق الامكانات والقدرات من صنعه يعلو بقدراته الطبيعة والانسان حتى وأن لم يكن منظورا مدركا مباشرة والا أنتفت الحاجة له عندما يكون موجودا محدودا بقدراته كالانسان يمنح ويعطي كجزء من الطبيعة والعالم المادي المحدود...من البديهيات الثابتة في لاهوت الاديان التوحيدية أن الاله لم يكن سوى وجود روحاني مصدر الايمان به القلب ولم يكن موجودا أنطولوجيا مدركا بالحواس والعقل...
لنلاحظ هنا أهمية وجود الآلهة غير المدركين حسّيا عقليا في جميع الاساطير التي أنجبت الاديان الوثنية وغير الوثنية علما أن تلك الالهة المصنوعة أسطوريا لا تتدخل حقيقة بحياة الانسان الا في نطاق ما تأتي به الاسطورة خياليا وتنسبه لعمل الالهة أو الشخصيات التي تنسب لها المعجزات وخرق القوانين الطبيعية كالأنبياء ومن هم في مرتبتهم، ولنلاحظ مدى اقتراب هذا التصور البدائي في وصول الاديان التوحيدية وغيرها المعاصرة لنا اليوم الى حقيقة الايمان الديني أنه قناعة قلبية تامة بمدرك غيبي ما ورائي وليس أيمانا عقليا يتوصله الانسان بتفكيره المنطقي  المادي في تقصيه السبب والنتيجة... ومنذ الانسان البدائي بقيت هذه النزعة في أبسط أشكالها متحكمة في تفكير الانسان أنه لا يطلب من الله تزويده بما يحتاج له من أمور أدامة حياته وبقائه أي لم يكن يطلب من الهه تزويده بالطعام الذي يحتاجه ولا بالجلود التي يلبسها ولا بالرماح والآلات التي يصنعها للدفاع عن وجوده بالحياة.. فقد كان الانسان منذ بدء الخليقة ليس بحاجة (آلهة) تطعمه وتلبي وتؤمن له اشياء مادية توفرها له الطبيعة عن طيب خاطر ولا دخل للإله بتوفيرها.. وإلى يومنا هذا نجد الانسان الحضاري لا يدعو الله تلبية ما يحتاجه له من أمور مادية تشبع حاجاته البيولوجية في البقاء على قيد الحياة بمقدار سعيه الديني الايماني المستميت في التفتيش عمن يمنحه الاطمئنان روحيا بالحياة كعامل توازن نفسي تجعله يعيش عالمه باطمئنان وراحة نفسية..
الحقيقة التي يجري عليها الالتفاف المكابر هو سهولة أن نكون ملحدين لكن في أغفالنا الصعوبة الحقيقية التي هي مأزق لا يمكن الفرار من مواجهته أين هو البديل الذي يقوم مقام الله روحيا في أيجاد الضمير الاخلاقي شريعة ينعم بها الانسان على الارض ويتعايش بها مع الاخرين مجتمعيا.. لم يكن فلاسفة العرب المسلمين القدماء والصوفية منهم على خطأ عندما اعتمدوا مقولة الله واجب الوجود ولا مجال مناقشتها منطقيا تماما قبل مناقشتها دينيا كما وجدها تولستوي مؤخرا أن وجود الله ضرورة مجتمعية أخلاقية كي لا يدخل الانسان في شريعة الغاب التي يصبح فيها كل شيء مباحا لمن يستطيع ويرغب الحصول عليه..
ريكور والزامية الخطأ في الوجود الانساني
(ليس الانسان ذلك الذي لا يعرف مسؤولية نفسه.. فمن الشر أن يكون الانسان حافلا بالأخطاء، ولا يريد الاعتراف بها, لأن ذلك بمثابة أضافة وهم اختياري.. فلكي يبرر اللامبالاة يلجأ الى شيء من النفور من الحقيقة)2 هذا ما أورده ريكور في كتابه الانسان خطاء.
أن الحقيقة التي نحياها بالزيف المعتاد ونطمسها عمدا دونما الاعتراف بها هي أننا فعلا لا نريد تحمل مسؤولية حقيقة معرفتنا لأنفسنا في مراجعة الاقرار بأخطائنا وهي مخاتلة ونفور من الاعتراف بحقيقة قائمة لا يلغيها عدم الاعتراف بها والافصاح عنها تلك هي أن الانسان في حقيقته وجود (بائس) تتوزعه مرارة الحياة التي يعيشها ومصيره المحتوم نحو الفناء والعدم..
ليس سهلا الاعتراف بحقيقة تنسف وجودنا الانساني من جذوره أنه كان وجودا خطأ وخاطئ معا، وأن توأم الوجود الانساني هو حقائق الاخطاء التي يرتكبها ولا يريد الاعتراف بها.. أن عدم الاعتراف بالوجود الخطأ ليس خطأ بذاته بمعزل عن نتائجه وإنما الخطأ سيكون وبالا إذا ما أمتلك الانسان الشجاعة الكافية ووضع روحه وجسده أمام مرآة حقيقة تفاهة وجوده الذي هو سلسلة من الاخطاء المتخّفية المحجوبة وراء الخوف البائس من لا حقيقة وجوده القائم على التناقضات في كل المناحي ويخاف البوح به والاعتراف الضميري بمسؤوليته عنها..
هنا يصبح التساؤل مشروعا رغم احتواء تضاعيفه بؤس الوجود الانساني هل المنقذ من المأزق الوجودي هو الاعتراف بأن العمود الفقري لوجودنا هو سلسلة الاخطاء المتراكمة كمّيا وكيفيا التي حكمت التاريخ الانساني في سلسلة من الصدف والمغالطات التي يكون افتضاحها أكبر من كل قيمة يريد الانسان بلوغها في الحياة؟ ولن نكون بعد افتضاح تاريخنا الخاطئ سوى هشاشة وجودية لا قيمة حقيقية لها يعتد الاخذ بها.. حتى التقدم العلمي الهائل ليس بمقدوره انقاذ الانسان من ورطة وجوده الخطأ على الأرض.. وكل منجزات العلم هي تخفيف لوطأة هذا الاحساس الانساني القهري المتفاقم الذي يلازمه كوجود طارئ بائس لا شفاء منه ولا جدوى السعي نحو تحقيق الوجود الانساني المتوازن لشعوب الارض..
الاعتراف بعدم العصمة من الاخطاء تبرير سهل لمشكلة كبيرة أصعب من اختزالها بعبارة، ولن تجدي نفعا أمام حقيقة أن الوجود البشري المصنوع بالأخطاء منذ مرحلة الاساطير الميثولوجية والسحر التي كان ولا يزال يعيش الانسان تاريخه الأنثربولوجي على متناقضات الصح والخطأ بغض النظر أنهما دلالة لحقيقة واحدة هي أن الوجود الانساني صدف عشوائية متتالية من الاخطاء.. وكانت تتلبس الانسان في مساره الاخطاء أكثر من معقولية الصواب الذي كان يشبه انثروبولوجيا القفز من فوق حفر بركانية تريد ابتلاعه في جوفها الارضي..
بؤس حياة الانسان هي جذر الانفصامية التي توزعت الوجود الانساني بين ضمير أخلاقي نظيف يجب أن يكون لكنه غير موجود رغم مرارته في تقاطعه مع نقيض الشر الذي يفرض ما يجب أن يكون وهو بمجمله خال من المعنى الحقيقي الصادق في فهم الحياة والقناعة الزائفة أنها وهم قائم على المغالطة السائدة المتسترّة على الاخطاء القاتلة في الحياة على صعيدي الفرد والمجتمع.. بهذا المعنى تكون فلسفة عبثية الوجود الانساني عند الشاعر الفرنسي الكبير أميل سوران هي تجسيد فلسفي وجودي معاصر يقتفي خطى سارتر.. حين يكون مفهوم الصح والخطأ لا يقلل من مسلمة وحقيقة الوجود البائس للإنسان أن ميلاده هو المأساة وليس موته وفناؤه.....
المتناهي واللامتناهي في الفلسفة
يقصد باللامتناهي المطلق هو (الله) الخالق بصفاته غير المحدودة غير المتناهية وهو ما عناه اسبينوزا الصفات الالهية التي ينفرد بها الخالق وهي صفات اللامتناهي التي لا يمكننا الاحاطة بها كليا، أما المتناهي بذاته فهو الشيء الذي يمكننا تحديده بمقارنته بآخر من جنسه، فالكرسي موجود متناهي يمكننا معرفة متناهيه في مقارنة معيارية ومقايسته مع غيره من كراسي، وكذا الحال مع الانسان فهو موجود متناهي بمقايسته المقارنة مع غيره من متناهيات محددة من نوعه.. والله اللامتناهي الصفات لن يكون محدودا متعينا اذ يتطلب ذلك (حده) بشيء من نوعه وهذا محال..3
أمام هذا المعنى الواضح بين اللامتناهي والمتناهي يثير لايبنتيز إشكالية معتبرا (كل معنى محدد أيّا كان هو معنى مجرد ناقص )4, ليس بمعنى نقص اللغة في التعبير عن الشيء فهذا موضوع آخر في تحليلنا عبارة لايبنتيز بمعنى مباشر أن كل متناهي ناقص الادراك يكون بالضرورة لامتناهيا بما يحتمله من امتداد في حمولة متعالقة به هي الاخرى تكون ناقصة تحتمل لامتناهيات متوالية وهكذا...هنا النقص الذي يعنيه لايبنتيز هو ليس قصور اللغة في الاحاطة بالمعنى كما ألمحنا له.
هذا الفهم الاشكالي الذي يطرحه لايبنتيز أنما أستمده من علم الرياضيات وخاصة في مثال لا تناهي المتواليات الرياضية والهندسية حيث يكون لها بداية ولا تنتهي بنهاية.. لذا فهي تكون بحكم اللامتناهي الذي يدركه ويحتويه المتناهي المدرك الذي هو تحديدا المتوالية الرياضية..5
أنه لمن الممكن رفض تعميم منطق الرياضيات بالحكم على مدركاتنا أشياء العالم من حولنا التي هي متعينات متناهية في إمكانيتنا تحديدها.. فالمحدود أنطولوجيا خارج المنطق الرياضي هي محدودات متناهية وليس من الضروري تحميلها لامتناهيات لا نستطيع حدّها بها..
هذا التداخل الإشكالي الذي أثاره لايبنتيز يدخلنا في تأويلات أبسطها يحتاج توضيحات عديدة لا محدودة، فالمعنى المحدد على حد تعبير لايبنتيز يكون بالضرورة العقلية مدركا محددا وألا ما كنا استطعنا أطلاق صفة التحديد عليه، والمحدود هو متناهي عقلي معرفي يمكن الاحاطة به، والشيء المحدود حتى على صعيد الفكر المجرد بوسعنا تحديده كمتعين يحمل خصائصه بمقارنته المقايسة له بغيره من نوعه ... وأقصر طريق لأنهاء هذا الجدل نقول أن اللامتناهي هو الله الميتافيزيقا التي لا تحد لا بالصفات ولا بالجوهر وبخلافه يكون المتناهي المدرك الذي هو وقائع أنطولوجية يمكن أدراكها والاحاطة الكلية بها.. ولا يشترط تناسلها وتشعبها بلامتناهيات تشملها وهكذا نستمر على هذه الحال الى ما لانهاية مالم نضع حدا فاصلا بين مفهومي اللامتناهي والمتناهي في لا محدودية الاول ومحدودية الثاني..
 وفيلون الذي يدعم وجهة النظر التي ذهبنا لها قبل أسطر يقول (أن اللامتناهي هو الله الذي هو أعلى وأسمى وأرفع من كل متناهي، فاللامتناهي هو الذي يعم ويشمل كل متناه، وهو يحوي صفات لا حصر لها بينما المتناهي يشمل صفات محدودة أو نهائية )6.
أما رأي كانط فهو يرى الناس كائنات متناهية تعيش في عالم اللامتناهي الذي يجب أن يكون محدودا بزمان وألا أصبح لا وجودا مدركا يمكن الاحاطة بأدراكه ميتافيزيقيا وأن ليس للعالم بداية ولا حدود في المكان بل هو لا متناه.7
كما يرى كانط أن الزمان الذي يحد العالم يتوجب أن يسبقه زمان له نهاية وبداية الزمان (فراغ) كلي، وإذا لم يكن للعالم بداية ولا حدود فهو لا متناهي )8 من الملاحظ أن كانط يناقش العالم الكوزمولوجي أي الفضاء الكوني بمنطق أدراك الزمان والمكان.. ولم يكن يعني عالم الإنسان المحدود بالطبيعة والحياة.
خاتمة
المتناهي الذي هو الانسان بمجمل تفكيره في واقعه ومجمل خيالاته بما يرغب معرفته والبحث عنه. أنما هو متناه بالإمكان الوجودي ومحدودية القدرة في العجز عن فهم العالم بكليته كأشياء وليس كفهم سطحي كوزمولوجي كوجود كوني مجرد.. التفكير الخيالي في اللامتناهي تفكير عقيم يستنفد نفسه قبل أمكانية بلوغه أدراك وفهم مواضيعه في العالم اللامتناهي.. وعن هذه الحقيقة يقول ديكارت في التأمل الرابع من تأملاته نقلا عن ريكور (ربما يوجد ما لا نهاية له من الاشياء في العالم، وفي المباينة مع ذلك، فليس عندي في الفاهمة أية فكرة عنها) 9.
المتناهي هو عالمنا الإنساني (الطبيعة والانسان) غير المطلق كوزمولوجيا كونه متعينا موجودا مدركا في موجوداته وعلاقاتها بغيرها من موجودات بما لا حصر لها لا يطال معرفتها حتى التفكير الخيالي الذي يعجز فهم أشياء لا يمتلك تصورا مبدئيا محفوظا بالذاكرة عنها..
وهذه الرغبة أو الارادة في المعرفة بلا حدود يعّبر عنها ريكور (الارادة يبدو لها سعة (مجال) بلا نهاية ولو أخذنا بحرفية الكلمة فأن هذا التمييز يتهافت في نقد اسبينوزا)10. الحقيقة التهافت الذي قصده ريكور كنا تطرقنا توضيحه في الفهم الاسبينوزي للامتناهي والمتناهي الذي لم يوضحه ريكور سوى في الاحالة على مصدر باللغة الفرنسية وملخصه مذهب وحدة الوجود..
أما عن سعة الارادة أمام طموح الانسان بلوغ مديات من فهم العالم من حوله فهذا لا يجعل حتى من الخيال الفلسفي والخيال العلمي يبلغان معرفة اللامتناهي أكثر من المتاح المتيّسر الذي بلغاه في عالمنا اليوم.. وهو لا يمثل سوى نسبة مئوية ضئيلة من فهم الانسان للعالم.. لا تتجاوز حسب تقديرات العلماء 5% فقط.
عليه لم يكن أفلاطون خارج الفهم الفلسفي الذي من الممكن البحث عن صحة منطلقاته من (الشك) المشروع القائم حين أعتبر عالمنا هو غير حقيقي، والعالم الحقيقي موجود كأصل لعالمنا نجده في عالم آخر هو (المثاليات) في السماء.. وبهذا لا يمنعنا الاقرار بأن الارادة هي مفهوم فلسفي تجريدي واسع يحاول الاحاطة بأشياء العالم دونما جدوى.. لا تزال هذه النظرية الفلسفية لأفلاطون لم تفقد بريقها رغم هالة الشك التي تحيطها وهي قابلة على استحصال قناعة الصدق بشأنها أمام عبارة لايبنيتز التي لا تتقاطع معها من حيث النتيجة وإنما تلتقي معها من حيث العجز القائم قوله (عالمنا هو أفضل العوالم الممكنة) أي أفضل العوالم التي رغم المآخذ الكبيرة عليه لا يمكننا تحقيق البديل الافضل فالعجز والمحدودية هي التي تتسيد بلوغ الطموحات الإنسانية من عدمه.. هذا العجز يجري تعويضه بمغالطة نعمل على تمريرها هي أن عالمنا أردأ العوالم التي أنجزها الانسان بالقياس الى حقيقة الواقع المرير الذي نعيشه أنه لا تتوفر وتنعدم فيه قيمة الانسان الحقيقية في عالم صادق ونظيف يحكمه الضمير الأخلاقي السليم.
علي محمد اليوسف /الموصل
.... **بول ريكور فيلسوف فرنسي معاصر وعالم انسانيات ولد في فالينس 27 شباط وتوفي 2005، واحد من ممثلي التيار التأويلي ومن ثم اهتمامه بالبنيوية الفرنسية ويعتبر امتدادا لفرديناند دي سوسير ويعتبر ريكور رائد سؤال السرد، أشهر كتبه نظرية التأويل- التاريخ، الحقيقة والزمن والحكي، الخطاب وفائض المعنى، وفلسفة
الهوامش:
1.بول ريكور، فلسفة الإرادة.. الإنسان الخطاء، ت: عدنان نجيب الدين ص38
2.المصدر أعلاه ص 44 بتصرف.
3.مازن ريا موقع الحوار المتمدن 2015، قسم الفلسفة
4. نفس المصدر اعلاه
5. نفس المصدر اعلاه
6. نفس المصدر اعلاه
7. نفس المصدر اعلاه
8. بول ريكور فلسفة الإرادة.. الإنسان الخطاء، ص 58
9. المصدر أعلاه نفس الصفحة
10. المصدر اعلاه ص 60




تنويه: تماشيا مع مبادئ المجلة المرجو التعليق باللغة العربية

0commentaires:

إرسال تعليق

فيلوبريس على الفيسبوك

المواضيع الأكثر قراءة

فيديوهات فيلوبريس