في خطاب الهوية
محمد بوبكري
" أنت لا تكرهني، أنت تكره الصورة التي كونتها عني وهذه
الصورة ليست أنا، إنها أنت" أدونيس
لقد بدأنا نلاحظ أن بعض العروبيين يدافعون
اليوم بشراسة عن الهوية "العربية"، ما جعلهم يلتقون عمليا مع شيوخ
جماعات الإسلام السياسي، وهذا ما قادني إلى الاتفاق مع أخي ذ. سي محمد بليلض الذي
قال لي ذات يوم: "إن أصحاب النزعة القومية العربية هم الوجه الآخر
للإسلاموية". ونتيجة لموقف هؤلاء، انخرطوا كلهم في مناهضة الحداثة باسم
الدفاع عن "الهوية"، الأمر الذي يشكل عائقا في وجه تحديث المجتمع
المغربي...
إنني بدوري أدافع عن الهوية، لكن بأسلوب
وغاية يختلفان عن أسلوب وغاية هؤلاء جميعهم، إذ لا يعني انخراطي في الدفاع عن
الهوية أنني أعادي الحداثة، لأن الهوية هي مثل الحداثة ليست معطى جامدا جاهزا، بل
إنها سيرورة؛ فهي متعددة وليست واحدة، ما يعني أنها في تغير مستمر.
وعندما يقول الإنسان إن هويته "عربية
إسلامية"، فماذا يعني بذلك؟ هل يعني أنه ينتمي إلى الجنس العربي باعتباره
أفضل الأعراق على الإطلاق؟ هل يعتقد أنه أفضل الأجناس، سيرًا على نهج سلفه الذي
يعتقد أن الأمة العربية هي أفضل أمة، وأن القرآن نزل باللغة العربية، ما يعني، في
اعتقاده، أنها أفضل اللغات؟
أمام هذا الاعتقاد وما شابهه، لا أملك إلا
أن أقول إنني أرفض الانتماء إلى الهوية "العربية الإسلامية" بهذا
المعنى. وعندما أقول إنني أنتمي إلى الهوية الإسلامية، باعتباري مسلما، فإنني أعلم
أن هناك من ينتمي إلى الإسلام بالمعنى الديني الصرف، كما أن هناك من ينتمي إلى
الإسلام بالمعنى الثقافي فقط. وتجدر الإشارة إلى حدوث تغير في الفكر الديني وفِي
أشكال التدين، يجعل الانتماء إلى الإسلام مثل الانتماء إلى العروبة. لذلك، فإما أن
يكون الإسلام متغيرا ومتجددا ومسايرا لتغير الأحوال والظروف، فيكون دينا حيّا،
وإما أن يكون ثابتا جامدا لا صلة له بالحياة. كما أننا إذا قلنا إن الهوية ثابتة
قارة، فإن هذا يفرض علينا إنكار الهويات الأخرى وإقصاءها. وإذا اعتبرنا الهوية
سيرورة وتغيرًا مستمرا، فإنها لن تؤدي إلى إقصاء الانتماءات الأخرى.
إضافة إلى ذلك، يرى
المفكر التونسي ذ. عبد المجيد الشرفي أن كونه عربيا مسلما لا يعني أنه لا ينتمي
تاريخيا وجغرافيا وثقافيا إلى حضارة البحر الأبيض المتوسط، التي ينظر إليها بكونها
حضارة يونانية سامية. وهذا ما يربط بين شعوبها بمختلف دياناتها، سواء كانت
اليهودية أو المسيحية أو الإسلام. وإذا قرأنا كتابات مفكري هذه الديا نات في القرن
الرابع أو الخامس الهجري، فإننا لن نجد بينهم فرقا في أساليب التفكير، ولا في
المقولات التي يستعملونها. هكذا خلص هذا المفكر إلى أن انتماءه إلى الهوية العربية
الإسلامية لا ينفي انتماءه إلى كل من الثقافة المتوسطية والثقافة الكونية كلها.
ويضيف إلى ذلك أن انتماءه إلى البشرية يمكنه من التفاعل مع أفضل ما تنتجه الشعوب
الأخرى بدون مركّبات.
فضلا عن ذلك، عندما أتبنى المفهوم الجامد
للهوية، فإنني أنظر إلى الهويات الأخرى بكونها أقل شأنا من هويتي الخاصة، ما يؤدي
إلى الانغلاق عليها والتصادم معها، الأمر الذي يعوق تطوري ويعمق تخلفي، وربما قد
يؤدي إلى انقراضي، لأن تفاعلي مع الآخر المختلف هو ما يجدد حياتي.
فوق ذلك، إن كل شخص في منطقة الشرق الأوسط
وشمال أفريقيا له هويته بصفته عربيا أو من عرق آخر، أو بصفته مسلما أو من دين آخر،
أو بصفته أبا أو أما أو ابنا أو بنتا، أو بصفته موظفا أو عاملا، أو غير ذلك. هذه
كلها هويات لا تتعارض فيما بينها. وعندما يقتصر هذا الشخص في تحديد هويته على أنه
عربي مسلم، فإن هذا يشكل بترا لأبعاد أخرى ليس مقبولا إنكارها. ويشكِّل هذا
البتر إعاقة، كما هو الشأن في كل عملية بتر. ولحسن الحظ أن البتر لم يحصل عند أغلب
أفراد المجتمع المغربي. كما أن اقتصار الهوية على بعد واحد، قد يفود إلى إقصاء
النساء أو اليهود أو المسيحيين أو الذين هم بدون دين.....
تبعا لذلك، يجب التأكيد على ضرورة تكامل
أبعاد الإنسان المختلفة: التاريخية والرمزية والمادية....
ولجعل وظيفة الحياة
مقتصرة على التعبد فقط، فقد استند دعاة الإسلام السياسي إلى الآية الكريمة:
"وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون" (سورة الذاريات، الآية: 56) التي
أخطأوا فهمها. ومن شأن هذا الفهم أن يؤدي إلى البتر. فالعبادة بعد من أبعاد
الإنسان المؤمن، لكن لا يمكن أن يقوم المجتمع كله بنمط واحد من أنماط التعبد.
هكذا، فالهوية المنفتحة مثل الحداثة لا
تقصي ولا تبتر، كما أن الهوية المنغلقة قاتلة، كما عبر عن ذلك أمين معلوف.
تنويه: تماشيا مع مبادئ المجلة المرجو التعليق باللغة العربية
0commentaires:
إرسال تعليق