صراع مبدأ الخير مع مبدأ الشر من أجل السيادة على الإنسان

صراع مبدأ الخير مع مبدأ الشر من أجل السيادة على الإنسان
في كتاب "الدين في حدود مجرد العقل" لكانط
بقلم: هشام آيت باحسين
               يتناول كانط في هذه القطعة الثانية مبدأ اخلاقيا أساسيا هو مبدأ الخير، ولكن بالنظر إلى التوازي الحاصل بين الخير والشر فإن تناول المفهومين بشكل متزامن هو الذي يسمح بفهم الطبيعة الأخلاقية للإنسان وما يجب ان تكون عليها في الواقع. فأفرد بابين لهذه القطعة: الباب الأول يتناول مبدأ الخير والثاني يتناول مبدأ الشر.              
               ففي الباب الأول افتتح كانط المرحلة بالتنبيه إلى أهمية مواجهة الشر من اجل الدفاع عن الخير، وهو الأمر الذي لاحظه في مذهب الرواقية التي كان لها الفضل في الأخذ بعين الإعتبار بوجود عائق هو الشر فدعت الإنسان إلى التحلي بالشجاعة لتحقيق الفضيلة الأخلاقية، فالقضاء على الشر هو مفتاح تأسيس مبدأ الخير، إلا أن الإنسان يملك تصورا خاطئا عن طبيعة الشر، ففي الوقت الذي يربطها الإنسان بالميولات الطبيعية الحسية، فإنه من اللازم حسب كانط ان يكون الصراع بين الخير والشر على مستوى المجرد والنظري وليس بين المجرد والمحسوس "ليس علينا أن نتصارع مع اللحم والدم بل مع الأرواح الشريرة".
               اما ارتباط فكرة الخير بالواقع فقد تناولها كانط من خلال العلاقة بين الانسان وخالقه، فالإنسان ليس فقط موجود من موجودات العالم بل إنه ابن الله وجزء من الذات الإلهية، ومن واجب الإنسان أن يستكمل وجوده الأخلاقي بالسعي إلى تحقيق هذه الفكرة كواجب حتى يلقى رضا ربه، فقد يتألم الإنسان في العالم لكن ذلك من اجل سعادة العالم  التي من أجلها خلق الله الإنسان وحمله المسؤولية الأخلاقية، ومهما حاول الإنسان ان يثبت مبدأ الخير فيه فإنه من الصعب البرهنة على ذلك في الواقع أو التجربة لأنه مبدأ عقلي في الطبيعة الإنسانية. بل يمكن ان نقول إن الإنسان هو نفسه مثال من التجربة عن المبدأ الأخلاقي.
اما في الباب الثاني فقد تحدث كانط عن مبدأ الشر لكن دون إغفال مبدأ الخير في صراعهما الدائم، لهذا تناول هذا الصراع على المستوى التاريخي للإنسان فقسمه إلى مرحلتين: ما قبل المسيح وما بعده، فالله خلق مملكة الإنسان ولكن الطابع الحسي الموجود في العالم المؤدي إلى الملذات والشهوات التي تغلب على الحياة الحسية فقد أنشأ الإنسان مملكة للشر، وهذا أمر لا يمكن ان يتدخل فيه بل هو أمر راجع إلى القوانين الطبيعية والمنطقية التي يوجد عليها الإنسان، ولكي يتجاوز الله ممكلة الشر هذه المتوارثة من إنسان إلى اخر فقد أوجد المسيح من ام عذراء حتى لا يكون وريثا لأب من إنسان ينتمي إلى مملكة الشر، فكانت القطيعة الوراثية بفضل المسيح الذي أنشأ مملكة الخير ومات فداء لبقائها،وقد مات حسيا لكنه حافظ على وجوده الأخلاقي باعتباره أب مملكة الخير، وبهذا الشكل فإن مملكته مازالت مستمرة إلى الان بفضل أتباعه المؤمنين بالنية الخيرة فيه، ورغم ما تعرفه من ضعف اليوم فإنها لحظة انكسار فقط وسوف تعود إلى قوتها وهيجانها الأخلاقي من جديد.
يتبين من خلال ما سبق أن امانويل  كانط  حلل العلاقة بين الخير والشر لأنها المفهومين متفاعلين في تطورهما، مثلما تناولهما أيضا من خلال البعد الديني المميز للتاريخ الإنساني، فحتى يكون الدين خالصا من كل شيء خارج عن الملة الدينية فإنه تناول مبدأي الخير والشر ارتباطا بالصراع بين مرحلتين دينيتين، الأولى ساد فيها الشر وجاءت الثانية على يد المسيح تأسيسا لمبدأ الخير.



تنويه: تماشيا مع مبادئ المجلة المرجو التعليق باللغة العربية

فيلوبريس على الفيسبوك

المواضيع الأكثر قراءة

فيديوهات فيلوبريس