في الحاجة إلى تجديد المنهج والنظرية بمناحٍ علمية وعملية وفلسفية.

في الحاجة إلى تجديد المنهج والنظرية بمناحٍ علمية وعملية وفلسفية.
بقلم: يونس عاشور
(1)  القدرة العلميّة والفلسفيّة.
     ليكون المنهج بناءه بناءً قوياً يستلزمُ وجودَ قدراتٍ علميةٍ وفلسفية وقراراتٍ عملية وفعلية تساعدهُ من النهوضِ والارتكازِ إلى الاستعدادِ  والاستمرار في تحقيقِ التقدم والازدهار المعرفي والحَضاري الذي يرسمُ صورة الفرد والمجتمع بألوان السُمو والرفعة والمجد لِيُصْبِحَ بذلكَ عِنواناً مثاليّاً ونموذجاً عالمياً يُقتدى ويُحتدى به للآخرين.
فالقدرة العلمية تحقق لصاحبها منهجاً معرفياً من خلاله يستطيع الخروج من الشّبكات والأزمات الفكرية المعقّدة أو الماهيّات الثقافيّة المُتَعَدّدة أو المعطيات الحياتيّة الراهنة والمتجدّدة دوما على صعيد المُنتج الثقافي والفكري والذي يستلزمُ حضورًا علمياً فاعلاً يعملُ على دمجِ العلوم ببعضها البعض لتنتج منهجاً فلسفياً ينحدر من الجذر الأساسي لماهية القدرة العلمية ليتعدد بمناهج ودراسات أو بقواعد وسياسات أو بضوابط تقنية ذو غايات ومسافات زمنية تهدف إلى مواصلة السيْر والبحث أو التنقيِب والحفر أو الإنْتاج والاستخراج  النظري الابيستمولوجي القائم على جماليّات وهندسة الإبداع المنهجي الميثودولوجي.
إن الإبداع المنهجي يتمثلُ في حصولهِ على قدرة علمية فلسفية تتميّز بمزج التجارب والقدرات وتركيب المناهج والمقررات الدراسية التي تعني بطريقة توليد العلم والفلسفية على أنّ ذلك يحتاج إلى مرجعيات ومصادر يكون أصاحبها من ذوي الشأن والخبرة أو من أهل المعرفة والتجربة وذلكم هم المتبحرون من العلماء والمحققين سواءً كانوا دينيين أو زمنيين.
(2)  الترّيث الفكري.
     فالتّرَيُّث الفكري لمعرفة المنهج هو حالة سيكولوجية علمية خاصة تنشأ بين الذات والفكر بقدر ما هو طريقة خلاّقة تنطلق من الذات إلى معرفة الموضوع وإستيعاب دلالاته أو إشكالاته أو مفهوماته وتحولاته المنهجيّة باعتبارها مَدْخَلاً لفهم المشكلة أو دراسة لتفكيك المعضلة أو قراءة لتحويل الحدث لمعرفة العطل والخلل الناتج من الظروف والتحديات الزمنيّة المُخْتَلِفَة التي تولِّد الأحداث والوقائع أو تنتج الأزمات والكوارث البشرية وفي مختلف الصعد، يشهد على ذلك مَثَلاً الصِراعات والحروب التي تقع بين بني البشر، من هنا تكمن الحاجة إلى أهميّة الترّيث الفكري المبنيْ على أسُسٍ علميّة وعمليّة وفلسفية وذلك من أجل الخروج من المأزق الفكري الذي  تولّده الأحداث المختلفة والمشكلات المتجددة التي عمل على مباغتة الإنسان بوقوعها وحدوثها، فالحاجة الماسّة هنا إلى إحداث توازن سيكولوجي بين الذات والفكر أو بين التفكير والأفكار أو بين المفهوم للموضوعات والأحداث  أو بين دراسة المقولات والمستجدات الفكرية للعمل على  قراءتها قراءة فعّالة و صياغتها صياغة خلاّقة وتحويلها إلى علاقة بنيوية قائمة على مُعطى ومعنى عملاني كما قد تطرقنا إليه في المقالة السابقة.
(3)  القراءة المهنيّة للحدث.
القراءة المهنيّة للحدث أو كما يُصطلح عليها بالقراءة التقنية تعتمد في مُجْمَلِهَا على إعمال النظر والفكر باعتبارهما أداتين يُشَكّلّا القاعدة الأسمنتية لمنطلق الفهم والاستيعاب بقراءته قراءة حضورية وتفاعلية تستلزم تقديم التكهُّنات والتنبؤات أو التطلّعات لتحليل الحيثيات والمسوغات التي قد تنبني على الحدث ذاته سواءً كانت إيجابية أم سلبية، من هنا كانت ولا تزال منهجية القراءة المهنيّة للحدث هي التي من خلالها نستطيع تغيير الأحداث على أن ذلك يقدّم منهجاً لدراسة الأحداث ومن ثمّةَ البحث عن حلول عملانيّة تعمل على معالجة الأحداث.
تعتمد القراءة المهنية على النفسية التي تتمتع بعامل الاستقرار والاطمئنان لكونها قادرة على التعامل مع الحدث بمهنية حرفية بحيث لا تكون الأحداث تؤثر عليها وتوقعها في موقع الحجز والعجز بل هي الذات المفكرة التقنية التي تستطيع الخروج من الأحداث المضادة بطريقة فاعلة ومُنْتَظِمَة تولّد التُعَايش والتناغم بقدر ما تخلق توافقاً نفسِيّاً ينتظم ويستقر أو يتجدد ويتعدد حضوره على الصعيد المعرفي بأدوات ومعدات مفاهيمية تكون بمثابة الحاجز والمانع للعقبات والأزمات التي قد تنشأ من خلال العوامل والتحديّات المتخلفة.
كما تعتمد القراءة المهنيّة على تقديم تنازلات قيميّة مدروسة تعيد لصاحبها معطياته وغاياته التي يبحث عنها من الطرف الآخر لأنّه بذلك يُموضع ذاته ويعمل على تحقيق رغباته ومآلاته وطموحاته الحياتية، فالموقف العقلاني هو الذي يتّسم بقراءة عقلانية، والقرار العملاني هو الذي يرتكز على أُسس فِعلية تنطلق من التقنيات والأخلاقيات والسلوكيات والقيميات الذاتية للإنسان ليتمكّن من وضع مفاهيمه وخططه في زاوية المتحدث والمُحلل للحدث ومن ثمةَ أيضاً يعملُ على إحراج خصمه من خلال أعماله وأقواله الحكيمة التي تجعل منه إنسانا فيلسوفاً متكلما.
(4)  حداثة التفكير الموضوعي.
حداثة التفكير الموضوعي ينطلق من إعمال التجديد والتنظيم أو بالمعالجة والمزاوجة لتفكيك ماهية الأفكار المتداخلة والمُبَعْثَرة في أكثر من صعيد  بحيث يكون هذا التفكير قائماً على منحى حداثي يعتمد في صوغه على الأصالة والمعاصرة ويتّسم بروح البُعد النَظري والحس العَمْلي الذي يقود التفكير إلى منتهاه ومبتغاه .
فالأفكار التي تتّسِمْ بروح النّمْذَجَة والبَرْمَجَة العقلية هي التي تفرض قيمتها ومعناها بقدر ما تُتَرْجِمْ قدرتها على التعاطي مع الحدث بفاعلية تواصلية تنتج تفكيراً رائداً يجعل الشخص قادراً على ماهية الفصل بين الواقعي الحقيقي المتمثل في صيرورة الحدث وما ينطوي عليهِ وبين الشيء الافتراضي التصوري المتمركز في الذهن وما يترتب عليه لإعطائه صِبْغَةً تحليليةً ونظريةً إنشائيةً للدفع بهِ نحو الخارج ومن ثمةَ تطبيقه وتفعيله على أرض الحدث للإستفاده من معطياته وتحولاته الفكرية.
ولعل صاحبنا هو من أولئك الذين استطاعوا من أن يخلقوا منهجاً حداثياً للتفكير والدخول به في معترك الحياة الفكرية وهذا ما حدث مع بالفعل إتجاه رفاقه وأضداده إبان رحلاته وتنقُّلاته في مسيرته الفكرية والثقافية كسيرورة انطلق من خلالها نحو التفاعل والتواصل العلمي الخلاق مع الآخر.
 (5) الانتقال من توليد القدرة الفكرية كمنتج تقني إلى التفاعل مع الصيغة القيمية كمنهج فلسفي.
فتجديد المنهج والنظرية يحتاج إلى قدرة فكرية تشتغل على التوليد والتفاعل والتجديد والتكامل المعرفي لكي نتعاطى مع الفكرة أو الحدث بطريقة فلسفية وعقلانية نبتعد فيها عن المغالطات والمجادلات الكلامية التي تنتج التباعد والتخاصم أو التأخر والتقاطع أو التقهقر والتراجع إلى الوراء بحيث نكون في بدء نقطة الصفر في حين أنّ العالم يتحرك نحو الأمام بقدرته الفكرية الفائقة وعلميته العقلانية الخارقة التي تجعل منه مشتغلا ومتفاعلاً ليل نهار على توليد الأفكار وتجديدها في ساحة الفكر كمنتج تقني ينير الدرب ويكشف عن المجهول ويقدِّم المعقول على الصعيد المعرفي بل وينتج قاعدة للمفهوم على الصعيد الفلسفي ويقيم وزناً للعلاقة الغائبة بين الإنسان والآخر أو بين المعلوم والمجهول أو بين ما هو حاضر وغائب وهكذا .. وما نحتاج إليه هو السيرورة التركيبية في القدرة على إنتاج المعاني والأفكار بمعنى آخر هو الانتقال الجزئي من فهم المفاهيم إلى التحول الكلي والكمي في صنع الدساتير والمضامين التي تنتهي بنا إلى التقنين والتشريع الفكري كصيغة قيمية تعمل على إبعادنا عن المصادمات والمناوئات التي قد تنشأ بين الأفراد والجماعات خاصة على ساحة الفكر وموضوعاته فالفكر بما هو معطي يستبطن حوادث مختلفة ويتضمن بواعث أو تضارب في المصالح والمناهج المتفرقة سواء كانت ثقافيةً أو اجتماعية ، سياسية أو اقتصادية ...الخ.
(6)  من فاعلية التحويل الفكري للمنهج إلى تكاملية التجديد المعنوي والبنيوي في المنهج.
فالفاعلية هنا هي القدرة على التعاطي مع الأفكار بمنطق تحويلي وتواصلي تجدد معه الفاعلية بقدر ما تتعدد معه القدرة على خلق الواقع أو تطبيق الوقائع أو تفكيك الحوادث المختلفة بمنحى تجديدي يتكامل به المعنى ويتفاعل به المعطى البنيوي للمنهج على التأسيس والتأصيل أو التركيز والترسيخ للمبادئ النظرية التي تتسم بالأصالة والبنيوية الفعّالة لخاصية المنهج وأدواته ومعطياته التي ينطلق منها.
فالفكر بما هو فكر يحتاج إلى فاعلية تحويلية وتلك منشأها يكون من ماهية القدرة والإمكانية الذاتية التي تكمن في سيرورة  الفكر الخلاق للانسان لإعماله بصور فاعلة تتجه إلى إنتاج المعنى البنيوي للمنهج فهي سلوك ومنحى علمي يتمتع به الإنسان الفاعل والفيلسوف العامل في مجالات الفكر  ويستحضره دائماً وأبداً ولا ينصرف عنه وهذا شأن الفلاسفة مع موضوعات التفكير يستشعرون بلذة إعمال الفكر والقراءة الحية المثمرة التي تُنتج وتُعطي وتؤسس لهذا السلوك الإنساني المُتَمثّل في كيفية تقنية إستقاء أو إعطاء العلوم والمعارف الإنسانية المختلفة.



تنويه: تماشيا مع مبادئ المجلة المرجو التعليق باللغة العربية

فيلوبريس على الفيسبوك

المواضيع الأكثر قراءة

فيديوهات فيلوبريس