الخيط الرفيع بين
الفلسفة و الشعر
بقلم
دكتور / عماد الدين ابراهيم عبد الرازق- اكاديمي مصري.
دائما ما ينظر إلي العلاقة بين الشعر و الفلسفة علي أنها
علاقة تصادم و تناقض و جذب ، و ليس علاقة توافق و انسجام و ربما يكون السبب في هذا
الانطباع هو اختلاف طبيعة كل من الفلسفة و الشعر ، فطبيعة الفلسفة قائمة علي
التفكير المجرد و البراهين العقلية ، أما الشعر فيعتمد علي الخيال و مخاطبة الروح
لذا يبدو من الوهلة الاولي البون شاسع بينهما و لا وجود لعلاقة بينهما ، و هذا
واضح علي مر التاريخ . لكن بنظرة فاحصة و موضوعية شديدة نري أن هناك خيط رفيع
بينهما في العلاقة رغم المقولة الشهيرة التي تقول ان موت الفلسفة يلازمه موت
الشعر. و يجب أن نوضح ان الانسان مركب من عقل و روح و جسم و يجب أن يوجد الاثنين
لمخاطبة الجانبين أي العقل و الروح ، الفلسفة تخاطب العقل و الشعر يخاطب الروح ، و
كلاهما يكمل الاخر ،بمعني ان هناك جانبان في الطبيعة البشرية الشعر يخاطب جانب
العاطفة و الروح و الوجدانات ، و الفلسفة تخاطب العقل و التفكير ، و لا غني عنهما
في بناء الطبيعة البشرية. و يوجد عدد كبير من الفلاسفة و المفكرين الذين يوكدون
علي وجود هذه العلاقة الوطيدة أو بمعني أدق علي وجود الخيط الرفيع بين الشعر و
العقل ، فالفلسفة في أحد تعريفاتها هي محاولة لمعرفة الروح . و من هنا ينتمي
الفيلسوف الي مملكة الشعر اكثر من انتمائه إلي أي شخص أخر ، اليس الشعر هو محاولة
لمعرفة الروح. و لا يقف الامر عند حد التعريف فقط ، بل يبدو ان للفلسفة و الشعر
منبعا واحدا. فافلاطون نفسه يقول ان منبع الفلسفة هو الدهشة ، و يقول أرسطو أن
الدهشة التي اعترت الناس يعزي أنهم الان يبداوان الان كما بداوا أول مرة الفلسفة ،
و من ذا يماري في أن الدهشة هي المنبع الاصيل لكل شعر حقيقي ، و إذا كان الفيلسوف
الالماني كارل ياسبرز يقول أن من طبيعة الفلسفة ذاتها أنها لابد ان تستغني في اي
شكل من أشكالها عن الاعتراف بها اعترافا يعتمد عليه الاجماع ، اليست هذه طبيعة
الشعر أيضا. و ربما كان أرسطو هو أول من انتبه إلي الخيط الرفيع و العلاقة بين
الفلسفة و الشعر بقوله أن الشعر اكثر تفلسفا من التاريخ. لان الشعر ينطوي بطبيعته
علي الكشف. و كما يقول ( كولردج) أن الشاعر هو فيلسوف علي نحو ضمني.أما (شيللي)
فيقول أن الشعراء فلاسفة بلغوا أسمي درجة من القوة و أن الشعر هو مركز كل معرفة و
محيطها.فالفلسفة و الشعر هما خطابان معرفيان ليس من السهل فصلهما . و ليس اهتمام
الفلسفة بالشعر بالشي الجديد بل يمكن القول أنها المجال الذي ترعرعت فيه نظرياته
الكبري و الحقل الذي يتامل فيه ذاته و يتعقلها بوصفها ممارسة انسانية دالة علي
نشاطه العقلي و الوجداني. بالتالي يوجد خيط و لو رفيع يجمع بين الشعر و الفلسفة في
مركب واحد رغم تباين طبعتهما و اختلافهما ، لكن كل من الشعر و الفلسفة يخاطب مجال
في الطبيعة البشرية و يعمل علي تطورها ، الشعر يخاطب الوجدان و الروح ، و الفلسفة
تخاطب العقل و التفكير و كلا المجالين يوجدان في الانسان و لا يمكن الفصل بينهما.
تنويه: تماشيا مع مبادئ المجلة المرجو التعليق باللغة العربية