كونفشيوس و طريق الحكماء
دكتور عماد الدين
ابراهيم عبد الرازق
أكاديمي مصري
كونفشيوس هو أول فيلسوف صيني ينجح في إقامة مذهب يتضمن
كل التقاليد الصينية عن السلوك الاجتماعي و الأخلاقي. ففلسفته قائمة علي القيم
الأخلاقية الشخصية، و علي أن تكون هناك حكومة تخدم الشعب . و لقد كانت فلسفته و
تعاليمه ذات أثر عميق في الفكر و الحياة الصينية ، لذا لقب بنبي الصين. و لقد كان
كونفشيوس محافظًا في نظرته للحياة ، فهو يري أن العصر الذهبي للإنسانية كان في
القدم ، أي في الماضي ، لذا كان يدعو الناس إلي العيش في الماضي ، وهذا اغضب حكام
العصر الذي كان يعيش فيه، لذلك لقي معارضة شديدة من حكام عصره علي تعاليمه. و قد
اشتدت هذه المعارضة بعد و فاته ببضع سنين، و احرقوا كتبه. و هذا الرجل الحكيم
استمر تأثير فلسفته في الحياة الصينية ما يقرب من عشرين قرنا. و كان له منهج خاص
في دعوته و تعاليمه فهو مثل سقراط يفضل المنهج الشفهي علي الكتابة. كما انه اعتاد أن
يتجول و يطوف في جميع الأقاليم الصينية لنشر مذهبه. و هناك مقولة و معلومة خاطئة أن
كونفشيوس كان أحد مؤسسي الديانات و هذا خطا فادح ، لان مذهبه لا يتحدث عن اله أو
السموات، لكن مذهبه هو طريقة في الحياة الخاصة و السلوك الاجتماعي. و كذلك مذهبه
يقوم علي حب الناس و حسن معاملتهم في الحديث و الأدب في الخطاب ، ونظافة اليد و
اللسان، و احترام الأكبر سنًا و الأكبر
مقامًا ، وطاعة المرآة لزوجها .و يشير في معرض حديثه عن الحاكم أنه يجب أن يخدم
الشعب و ليس العكس ، و أن يملك الحاكم قيم أخلاقية و مثل عليا.و من أشهر الحكم
التي اتخذها كونفشيوس قاعدة لسلوكه ( أحب لغيرك ما تحبه لنفسك) . أما الفضيلة عنده
فإنها تقوم علي فضيلتين هامتين هي( جن) (و لي ) جن تعني الحب أو الاهتمام الحميم بإخواننا
البشر. أما لي فهي تصف مجموعة من الأخلاق و الطقوس و التقاليد و اللباقة و الحشمة.
و يري أن أساس المجتمع هو الفرد المنظم في الأسرة المنتظمة . و يتفق كونفشيوس مع
جوته في أن الرقي الذاتي أساس الرقي الاجتماعي . و يري أن قوام الأخلاق الصالحة هو
الإخلاص ، و الفضيلة الكاملة تخضع للقاعدة الذهبية ( ما لا تتمناه لنفسك لا تتمناه
لغيرك) . و من أشهر أقواله أن أخلاق الرجل تكونها القصائد و تنمها المراسم( أي آداب
الحفلات ) و تعطرها الموسيقي. لقد كان كونفشيوس بحق معلمًا للسلوك القويم و فيلسوف
عملي لا تنفصم أقواله عن أفعاله ، أثرت تعاليمه الأخلاقية و الفلسفية في كل الأجيال
التي جاءت من بعده. ظل يبحث عن الحياة الفاضلة و الأخلاق السامية. اعتبره الكثيرين
بحق فيلسوف أخلاقي من الطراز الأول. دعا في كل حياته إلي طريق الحكمة و الفضيلة و إلي
السلوك القويم .و كل هذه التعاليم كان يعيشها في حياته الشخصية ، وهذا ما خلد ذلك
الرجل الذي سطر أروع الأمثلة العملية للفضيلة و العيش في رحابها. و ستظل تعاليم كونفشيوس
دستور عملي يسير علي نهجه كل من يبتغي الأخلاق و الفضيلة و المعاني السامية للقيم.
و لقد عاشت تعاليم هذا الرجل إلي الآن لسببين أساسين هما: انه شخص معتدل و عملي في
تعاليمه ، و الإخلاص في دعوته، كل هذا جعل أفكاره حية إلي الآن و تنبض بالحياة. ما
أحوجنا و نحن في عصر يموج بالأحداث السريعة و التيارات و المذاهب المتصارعة أن
نسير علي هدي تعاليم كونفشيوس. و نتمسك باهداب الفضيلة و المثل العليا فهي راحة
للقلب و العقل.
تنويه: تماشيا مع مبادئ المجلة المرجو التعليق باللغة العربية