عبد الكبير الخطيبي
بين الريادة السوسيولوجية
والتجربة الروائية والنقدية
ليلى الدردوري : الجـديـدة - المغرب
أن يلقب الراحل الخطيبي برائد السوسيولوجيا بمعنى أن
الرجل كان يحلم بتأسيس مدرسة خاصة بعلم الإجتماع المغربي، بعدما توج مشواره مع
التحصيل العلمي بحصوله على الدكتوراه في: (علم الإجتماع) بعد أطروحته التي أنجزها
عن الرواية المغاربية، أطروحة كانت الأولى من نوعها في: تاريخ النقد الأدبي
المغاربي المعاصر.
إثرها كانت عودته إلى الوطن عودة مقرونة بحلم كبير في
بناء تقليد للبحث السوسيولوجي في المغرب عبر المساهمة في تأسيس (معهد
السوسيولوجيا) الذي سيعيش أوجه خلال بداية السبعينات في إفادة الباحثين والمهتمين
بدراسات أعضائه التي كانت تصدر في نشرات خاصة أطلق عليها (دفاتر معهد
السوسيولوجيا)، حلم الخطيبي هذا سيتوقف للحظات بعد إغلاق المعهد بقرار سياسي نتيجة
للظروف السياسية التي كان المغرب يعيشها في تلك الفترات (1971 و 1972) تحديدا،
وبذلك تحطم حلم الخطيبي على صخرة إكراهات سياسية واجتماعية معا ليتحول بعدها إلى
مفكر يشتغل خارج المؤسسات ضمانا لحرية قادته لينسج مفاهيم فكرية جعلته رائدا بين
مفكري العصر المغاربة والأجانب هكذا تأتي شهادة المفكر والسوسيولوجي الفرنسي
(رولان بارت) لتكون شاهدا على ذلك في قوله: "إنني والخطيبي نهتم بأشياء
واحدة، بالصورة بالأدلة، الآثار، الحروف، العلامات، وفي نفس الوقت يعلمني الخطيبي
أشياء جديدة، يخلخل معرفتي، لأنه يغير "مكان الأشكال" يأخذني بعيدا عن
ذاتي إلى أرضه هو، فأحس أنني في الأقصى من نفسي".
بعد فترة (معهد السوسيولوجيا) سيظل الراحل وفيا للإبداع
الفكري والأدبي ليصبح من طلائع المفكرين المغاربة الذين سعوا لترسيخ مفهوم الحداثة
في التفكير المغربي، سعي جعل الجيل القادم من بعده يرى فيه القذوة والمثال، هكذا
كانت القواسم مشتركة بينه وبين (عبد اللطيف اللعبي) و(محمد خير الدين) فقد كانت
كتبهم تقرأ في فرنسا كما تقرأ كتب المفكرين العالميين.
عبقرية الخطيبي ستظهر أيضا جلية في الأدب الروائي عبر
(الذاكرة الموشومة) سنة (1971) كأولى نصوص السردية لتنقل القارىء إلى خلفية تطور
حياته الفكرية بنفس شعري جميل حيث استعادة تفاصيل من سيرته الذاتية في محطات تنوعت
بين (الجديدة)، (الصويرة)، (مراكش)، (الرباط)، (باريس) و(لندن) بعدها أصدر رواية
(جرح الإسم الشخصي) (1976) وديوان (المناضل الطبقي على الطريقة الثاوية) وهي (مجموعة
شعرية) سنة (1979) بعدها.
رواية (كتاب الدم) ومسرحية (النبي المستور)، سنة (1994)
رواية (ثلاثية الرباط)، (2003) رواية (حج فنان عاشق)، (2006) (مقالة الرباعي
الشعري)، وقبلا (1983) (لدراسة عنوان (المغرب المتعدد) ولئن دلر الخطيبي دورته في
أفلاك (الرواية) و (الشعر) و(النقد الفني) و(المقالة) فلأن شاغله الأول ما وراء
الجنس الأدبي، أي الشكل الأمثل لقول ما يريد، لذلك في رواياته بعض من الشعر وحتى
من المسرح، وشاغله الثاني رغبة التحاور مع المعارف الأخرى، وفي هذا يزاوج بين
القديم / والحديث، وهو ما فعله مع (بارث) بخصوص (الإبستمولوجيا) ومع (جاك دريد) في
موضوع الفلسفة من هنا يحطم الراحل قيود الأكاديمي في كتاباته، أما التوجه النقدي
الفني فمنبعه لقاءاته مع فنانين وتشكيليين مغاربة، فرنسيين ويابانيين يواكب
طريقتهم في العمل والإيداع، يعتني بكيفية صياغة الشكل وفي هذا وذلك فن، دون أن
يغرق الخطيبي في واقع أجنبي بعيد عن الواقع المحلي وإذا اتسمت كتاباته بنفحة
روحانية فلأنه كما يؤكد لايجد تناقضا بين: الروحانية والحرية باعتبارها تمكن من
تقاسم الأفكار والأحاسيس مع الغير إنطلاقا من إستقلالية الذات التي هي في النهاية إستقلالية
في التفكير، فالروحانية بالمفهوم الخطيبي مخترقة لكل المعتقدات وطريقة للتحاور مع
الآخر لأنها مفهوم يخترق الحدود اللغوية والدينية.
تنويه: تماشيا مع مبادئ المجلة المرجو التعليق باللغة العربية