في الحاجة إلى ثقافة القراءة

في الحاجة إلى ثقافة القراءة

 :بقلم حساين المامون
              
              أثناء زيارتي للمعرض الدولي للكتاب، تفجأت بحجم الازدحام الذي كان المعرض يشهده خاصة من قبل الشباب، فتناهي إلى عقلي تلك المسلمات التي تتحدث عن أزمة القراءة وأن المغربي لا يقرأ وأن هناك حالة الجفاء بيننا وبين الكتاب، فهل فعلا نعيش أزمة قراءة؟
           إذا كانت القراءة هي وسيلة استقبال معلومات الكاتب أو المرسل للرسالة واستشعار المعنى وهي وسيلة للتثقيف، وكل هذا يتم عن طريق استرجاع المعلومات المسجلة في المخ و الذاكرة من قبل من حروف وأرقام ورموز وأشياء أخرى مثل طريقة برايل للقراءة للمكفوفين ....، وهناك أنواع أخرى للقراءة غير التي في اللغة مثل قراءة النوتات الموسيقية، أو الصور التوضيحية.... وفي مصطلحات علم الحاسوب، فإن القراءة هي استرجاع معلومات من أماكن تخزينها على الحاسوب كالأقراص الصلبة والمرنة وغيرها..... يؤكد العديد من الباحثين أن القراءة هي نبع الثقافة، فمنذ القدم أقبل الإنسان على القراءة ليثقف نفسه في شتى العلوم بهدف كشف أغوار المجهول والغامض في شتى مجالات الحياة والعلوم المختلفة، لقد أحدثت القراءة تغيرا ملحوظا في تغيير الفكر من حالة الجمود إلى حالة التنوير، فقد لعبت دورا حيويا في تزويد كل شعوب العالم بأنواع مختلفة من الثقافة على المستوى العلمي و الأدبي .
وكثيرا ما يذهب البعض إلى اعتبار حالة القراءة، لا يمر بها (كل) الناس، حتى فرّقت الأدبيات العربية بشأنها - قديمها وحديثها- بين (الخواص والعوام) من الناس، و المتفق عليه عموما هو أن القراءة في المغرب ضعيفة جدا كمياً ونوعياً.. حتى على مستوى النخب، ولأن القراءة والكتابة هما لازمان لاكتمال تلك الحالة في مجتمع ما، فإن إحصاء أجرته الأمم المتحدة أشار إلى أن إنتاج العرب للكتب يقل عن واحد بالمائة من الإنتاج العالمي، نتيجة ذلك أن التليفزيون صار بالنسبة للمغربي هو "خير جليس" وليس الكتاب، لكن المتفق عليه أيضا أن التليفزيون (ينقل معلومة مصورة) ولا يكوّن فكرا أو يطرح نظريات، هو يلح على المشاهد فيوجهه مع الوقت إلى تكوين موقف ما أو يسوقه في تيار (رأي عام) تجاه قضية ما، لكنه لن يحقق للإنسان أبدا ما حققه الكتاب تاريخيا، هذه المكانة للكتاب دفعت معظم القنوات التليفزيونية إلى إنتاج برامج تختص بالكتب، لكنها برامج تقوم غالبا على فكرة عرض محتوى كتاب ما وربما عقد لقاء مع مؤلفه أو مع بعض المثقفين لمناقشته، من تلك البرامج على سبيل المثال برنامج (الناقد على القناة الثانية ومشارف على الأولى...) لكن قضية ضعف القراءة نفسها ما زالت لم تناقش بتوسع كاف حتى الآن، بحيث تصنع مناقشتها شكلا من أشكال (الحملة) لعلاج هذه الحلقة الضعيفة الهشة في المجتمع المغربي(حملة نوض تقرا رغم محدوديتها)فلماذا نهرب من القراءة؟.
في اعتقادي هناك عاملان رئيسيان في هذه الظاهرة، أولهما العامل الاقتصادي والسياسي الذي يجعل الكتاب مطلبا عزيز المنال لمن أراد، إما بسبب تكلفة إنتاجه في مجتمع أغلب سكانه فقراء (أغلب الكتب القيمة والجادة في المعرض يتجاوز ثمنها مئة درهم) مما يؤدي إلى نوع من العلاقة المتوترة بين الكتاب وجيب المواطن.
أما السبب الثاني في اعتقادي رغم تراجعه في السنوات الأخيرة  فهو القهر السياسي والديني والاجتماعي الذي يخنق الإبداع والتجديد،  ويحرم الكاتب والقارئ معا من مناخ الحرية اللازم للتدفق الإبداعي، وما مسألة الترجمة إلا خير دليل ففي ظل حالة (الفقر الإبداعي) التي يتسم بها العقل المغربي المشلول الآن، لابد من النظر في إبداع الآخرين، حيت يفتقر فكرنا يترجم أو علم ينقل أو نظرة جديدة للكون تستحق أن يقرأها الآخرون! .
نحن إذن في حاجة حقيقية وملحة إلى حملة شاملة- عبر المواقع الالكترونية والتلفزيون  ومواقع التواصل الاجتماعي  طالما أنه خير جليس للمواطن - للحث على القراءة، حملة تشارك فيها مؤسسات عمومية  لدعمها سواء كانت تربوية أو إعلامية أو ثقافية أو جمعوية... على الأقل كما تدعم برامج المسابقات التافهة في بعض المسلسلات، حملة تحث على القراءة وترصد مكافآت وجوائز... وتحث على ترجمة إبداعات الآخرين دون خوف من.. أهل الكهف! حملة يشارك فيها المثقفون المغاربة الموجودون الآن..والذين دخلوا في سبات عميق، قبل أن ينقرضوا... فتزيد صحاري عقولنا جفافا على جفاف!

تنويه: تماشيا مع مبادئ المجلة المرجو التعليق باللغة العربية

فيلوبريس على الفيسبوك

المواضيع الأكثر قراءة

فيديوهات فيلوبريس