لماذا كل هذا الجحود؟
بقلم: حساين المامون
" العلوم الاجتماعية أداة
للتحرر و النمو و التطور ، و ما يميز السوسيولوجيا تحديدا هو ارتباطها التاريخي
بالحركات التحررية"
هذا ما كان يردده دائما
المرحوم الدكتور محمد جسوس الذي رحل عنا في صمت يوم الجمعة 7 فبراير 2014، حيت
تناقلت المواقع الالكترونية والاجتماعية خبر وفاته عن عمر يناهز 76 عاما بعد صراع طويل مع المرض،
لنجد بعد ذلك قصاصة صغيرة في التلفزيون
المغربي.
عندما يموت أحدهم من آل السياسة أو الفن أو الرياضة، تمطرنا وسائل الإعلام الرسمية و غير الرسمية بسيل من الروبورتاجات و البورتريهات التي تذكر بمناقب الراحل، لكن في اللحظة التي يرحل فيه المثقف تفتر درجات الاحتفاء، و يصير النعي مجرد خبر ثانوي تكمم به النشرة، كما حدث مع القناة الثانية
التي آثرت أن تجعل خبر وفاة جسوس الخبر الأخير في نشرتها المسائية.
فالرجل الذي اجتمع فيه “العالم و السياسي” يستحق نعيا
أكبر، اعتبارا لأصالة و قوة المنجز، و اعتبارا بالأساس لإسهاماته النوعية في تكوين و تأطير أجيال علم الاجتماع بالمغرب.
فالراحل محمد جسوس مؤسس و نموذج و علامة فارقة في سجل السوسيولوجيا بالمغرب، يعتمر ثلاث قبعات على الأقل
، تتوزع على الفيلسوف و الأديب و السوسيولوجي، الذي علم
جيلا من الباحثين المغاربة كيف يكون الانتماء إلى علم الاجتماع، و كيف تتأتى ممارسة السوسيولوجيا بنوع من الزهد و لربما الألق الصوفي.
إنه الأب الروحي لعلم الاجتماع بالمغرب، إذ
أن الراحل محمد جسوس لم يكن مجرد عابر سبيل في دنيا الحرف و السؤال، بل كان منتجا و مؤسسا لكثير من الرؤى، كان مدمن سؤال شقي يعانق تخوم الفكر و الإبداع، يرتحل من قارة إلى أخرى، و من سجل ثقافي إلى آخر، من السوسيولوجيا إلى الأدب و الفلسفة.
رحل عالم
الاجتماع محمد جسوس إلى دار البقاء، لكنه لم يرحل من بين ظهرانينا، فآثاره الإبداعية ما زالت تسائل الزمن المغربي، و ما زالت تشع أسئلة و مقاربات، لهذا سيظل حاضرا في أعماق مدمني الحرف و السؤال، ف
"رهانات الفكر السوسيولوجي بالمغرب" و"طروحات حول المسألة الاجتماعية" و "طروحات حول الثقافة والتربية والتعليم" و "طبيعة ومآل المجتمع المغربي المعاصر".، يعلمنا كيف يكون الانتماء و كيف تستمر الحياة و لو في عز التهميش و الإقصاء، فلقد جرب الرجل ما معنى أن تكون معرفتك مرفوضة و محاربة من طرف صناع القرار، لقد جرب كيف تتهاوى الأحلام بقرار جائر صيغ على غير مهل في الأجندة السياسية الأمنية، و مع ذلك لم يقدم الاستقالة، و لا استكان للغة الصمت، بل استمر في الكتابة و الانهراق مع تفاصيل المعنى بحثا عن كيمياء الحياة الاجتماعية لمغرب عصي على الفهم و التأويل.
وقد اتسمت شخصية الجسوس خلال حياته بالانتصار لكل ما هو شفهي عما هو مكتوب لكنه سبق وصرح بندمه على هذا الأمر وأشار إلى أن الحاجة للمكتوب باتت أكثر إلحاحا لاسيما مع ارتباك وتوتر المجتمعات بشكل مستمر، لقد كان يعتصر ألم السوسيولوجيا المغربية في صمت، كان يعتصر مأزقية الوضع، يبحث عن إجابات شافية للمآل الملتبس و الملغز، يحاول أن يفهم ما يحدث، يكتفي بالتأمل ، و يستمر في الانكتاب ضدا على كل أوضاع التهميش و التبخيس يرتحل من قارة إلى أخرى، ينتج نصوصا بعبق أدبي فلسفي عميق، و لا يمل من انتظار غبش صبح قريب.
لهذا كله لم و لن يرحل محمد جسوس ، بل سيظل علما بارزا في المشهد الثقافي المغربي ضدا في كل تجاهل قصدي أو عفوي، لأنه كان يعمل بالقاعدة الكونفوشيوسية البهية: "أترك أثرا" فقد خلف آثارا مهمة في صنوف معرفية شتى، لقد رحل في صمت مالح، كما الكبار دوما، رحل واقفا كما الأشجار، تاركا وراءه أعمالا مهمة تؤكد إبداعيته و أصالة منجزه الفكري. فالكبار لا يرحلون بالمرة.
وقد اتسمت شخصية الجسوس خلال حياته بالانتصار لكل ما هو شفهي عما هو مكتوب لكنه سبق وصرح بندمه على هذا الأمر وأشار إلى أن الحاجة للمكتوب باتت أكثر إلحاحا لاسيما مع ارتباك وتوتر المجتمعات بشكل مستمر، لقد كان يعتصر ألم السوسيولوجيا المغربية في صمت، كان يعتصر مأزقية الوضع، يبحث عن إجابات شافية للمآل الملتبس و الملغز، يحاول أن يفهم ما يحدث، يكتفي بالتأمل ، و يستمر في الانكتاب ضدا على كل أوضاع التهميش و التبخيس يرتحل من قارة إلى أخرى، ينتج نصوصا بعبق أدبي فلسفي عميق، و لا يمل من انتظار غبش صبح قريب.
لهذا كله لم و لن يرحل محمد جسوس ، بل سيظل علما بارزا في المشهد الثقافي المغربي ضدا في كل تجاهل قصدي أو عفوي، لأنه كان يعمل بالقاعدة الكونفوشيوسية البهية: "أترك أثرا" فقد خلف آثارا مهمة في صنوف معرفية شتى، لقد رحل في صمت مالح، كما الكبار دوما، رحل واقفا كما الأشجار، تاركا وراءه أعمالا مهمة تؤكد إبداعيته و أصالة منجزه الفكري. فالكبار لا يرحلون بالمرة.
تنويه: تماشيا مع مبادئ المجلة المرجو التعليق باللغة العربية